تزايدت معاناة السودانيين يوما بعد آخر، سيما بعد التداعيات الكبيرة لانقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر الماضي.
التسارع المخيف في انخفاض قيمة العملة الوطنية، يؤكد ان الانقلابيين لم تكن لديهم خطة أو تحوطات للأوضاع الاقتصادية.
فيما تذهب الشواهد إلى أن معاش المواطنين لا يمثل أولوية لدى قيادات حكومة الانقلاب وهو ما يتناقض مع أحاديثهم وتصريحاتهم السابقة إبان فترة حكومة رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، ونقدهم المتكرر للجهاز التنفيذي وتحميله مسؤولية الفشل الاقتصادي والسياسي حتى فيما يتعلق بالوضع الأمني.
ويبدو أن أطماعهم في الكراسي مثلت دافعهم للانقلاب بعد أن اقترب موعد تسليم رئاسة المدنيين لمجلس السيادة، فبعد مضي نحو 6 أشهر على الانقلاب تفاقمت الأوضاع بصورة مخيفة.
ظهور “ثُمن الكيلو”
كشفت جولة لـ (التغيير) بأسواق العاصمة السودانية عن ظهور نوع جديد للموازين اُطلق عليه اسم “وزنة” وهي تعادل “ثُمن الكيلو”.
يقول عبد الحميد وهو جزار بمنطقة الأزهري الخرطوم ان هنالك إقبال كبير على شراء اللحوم بـ “ثُمن الكيلو”، وأنه نادرا ما يشتري شخص كيلو لحم أو 2 كما كان في السابق.
ولفت إلى ان أسعار اللحوم لم ترتفع كثيرا مقارنة ببقية السلع الأخرى لجهة أن إغلاق طريق الشمالية والميناء بشرق السودان اثر علي الصادر وبالتالي كانت هناك كميات كبيرة من الماشية في الأسواق.
ويضيف أنه في المقابل ارتفعت أسعار المواد التموينية والمواصلات والخدمات والإيجارات مما اثر على ميزانية المواطن بصورة عامة.
وان بعض الأسر تشتري (العظام والشحوم) للملاح، بجانب انتشار بيع “اللحوم الأسكراب” وهي “أكوام لحوم وشحوم وجلافبط وعِظام” بالأسواق المركزية بأسعار اقل من الجزارات.
تسجيل صوتي مؤثر
ووصف الناشط في قضايا المجتمع المدني أيمن صلاح الدين، لـ (التغيير) الأوضاع الاقتصادية بالمخيفة.
وقال إن هنالك تسجيل لمقطع صوتي أثار ردود أفعال وسط رواد مواقع التواصل الإجتماعي وحوي التسجيل الصوتي حديث لسيدة تقول أن بناتها (اكلو الواطة) من الجوع.
لينقسم الناس بين مكذب ومصدق للتسجيل الذي تقول فيه المرأة أيضا أن ابنتها الكبرى طلبت من شقيقتها الصغرى الكف عن الشكوى بالجوع أمام والدتها حتى لا تحرجها.
بائع خضروات في السودان
وأشار الناشط المجتمعي إلى أن منظومة القيم الاخلاقية تراجعت وسط السودانيين بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، كما تزايدت معدلات الجريمة كنتيجة طبيعية لتراجع الأوضاع الأقتصادية.
وفيما يتعلق بالخدمات قال إن مشكلة قطوعات الكهرباء المياه بالعاصمة والولايات تعود لعدم وجود عملات صعبة للصيانة.
وأشار إلى أن الانقلاب أهدر نحو 400 مليون دولار كانت مخصصة للكهرباء من الداعمين الدوليين، وايضا المياه تحتاج لمواد تنقية ومعدات بملايين الدولارات والخزينة فارغه.
وذكر أنه لأول مرة تشهد الخرطوم قطوعات للمياه بإحياء عريقة، حيث عرفت “عربات الكارو” طريقها لها لأن صفيحتي المياه تُباع بنحو 300 جنيهاً.
ولفت “صلاح الدين” إلى أن قيم التكافل والتراحم تزداد في شهر رمضان، وأن الناس يبحثون عن المساكين ليعطوهم.
لكن سرعان ماتختفي هذه القيم السمحة عقب العيد يحدث العكس يبحث الفقراء عن من يسد رمقهم.
إرتفاع مستمر
وبحسب تجار تحدثوا لـ (التغيير) فأن الأسعار ارتفعت بنسبة 35% منذ بداية العام 2022.
فيما انخفض متوسط البيع للسلع الكمالية بنسبة 50%، وهي الشيكولاتة والمربى والأجبان والعصائر والمشروبات الغازية واللحوم المعلبة والمبستره، بجانب بعض المعلبات الأخري.
وشكا المواطنين الذين استطلعتهم (التغيير) من الارتفاع الكبير في الأسعار ومعاناتهم اليومية مع “قفة الملاح” وشح وأزمة الغاز الذي انعدم تماما ووصل سعر الأسطوانة في بعض السوق الأسوق لأكثر من 10 آلاف جنيه.
والى الخرطوم المكلف من قبل سلطة الإنقلاب أحمد عثمان حمزة، قال في تصريحات صحفية إن سلعة الغاز من السلع التى تدعمها الدولة للمواطن، وأن أي تلاعب يصاحب عملية التوزيع سيتم حسمه بسحب الترخيص من الوكلاء.
فيما كشف عن توزيع 950 طن غاز على المواطنين والأفران بالجزيرة والخرطوم.
ووجه الوالى أجهزة المحلية بمتابعة توزيع الغاز منذ لحظة وصوله من المستودع إلى أن يصل المواطن والعمل على منع التلاعب فى التوزيع .
وبحسب متابعات (التغيير) فإن إنفراجاً نسبياً في الأزمة حدث بعد عودة مصفاة الخرطوم للعمل بطاقة إنتاجية تبلغ 900 طن يوميا وبدء التوزيع للمراكز.
حلول أزمة الغاز
يقول المحلل الأقتصادي حمدي حسن أحمد لـ (التغيير)، إن نسبة كبيرة من حجم استهلاك الغاز يتم استيرادها من الخارج.
ويضيف أنه بحسب المعلومات فإن سعر أسطوانة الغاز عند وصوله لبورتسودان هو 6 دولارات، أي بسعر الصرف للدولار 550 جنيه يكون سعرها هو 3.300 جنيه.
وقال انه ليس لديه معلومة مؤكدة حول تكلفة الإنتاج المحلي بمصفاة الجيلي، لكنه توقع أن لا يزيد عن 1500 جنيه.
وكشف “أحمد” عن مقترح سابق حول أسعار المحروقات بحصر التعامل فيها بمصفاة الخرطوم فقط لتوحيد سعر المستورد مع الإنتاج المحلي.
وذلك بمتوسط سعر للأسطوانة المستوردة 3 آلاف جنيه والإنتاج المحلي بسعر 1500 جنيه، ليصبح متوسط السعر هو 2250 جنيه للأسطوانة.
وأشار إلى أن السبب الحقيقي في إرتفاع السعر هو إرتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه.
واقترح “أحمد” أن يكون سعر أسطوانة الغاز في حدود ألف جنيه، وذلك بتخصيص دعم بالموازنة يزيد عن 300 مليار جنيه بالعام.
المواطن يدفع الفاتورة
يقول الخبير الاقتصادي محمد الناير، ان تنفيذ الحكومة لبرامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي وصل نسبة كبيرة تفوق 90%.
وبالمقابل لم تحصل الحكومة على التمويل بعد يوم 25 أكتوبر، وأن هذا الوضع انعكس على المواطن الذي بات يتحمل عبء الزيادة في الأسعار التي كان من المفترض ان تعالجها الحكومة من الدعم الخارجي.
محمد الناير
ووصف “الناير” لـ (التغيير) تعديل الرواتب لبعض الفئات بالأمر الغير فاعل، وقال “حتى اذا وصلت الزيادة 100% لن تكون مناسبة باعتبار أن الحد الأدنى للأجور لا يعادل الحد الأدنى من مستوى المعيشة، وان الزيادة يجب أن تكون 500%”.
وأوضح أن الراتب بعد الزيادة الاخيرة لبعض الفئات بات يغطي 15% فقط من المصروفات.
تضخم غير مسبوق
من جانبه شكك حمدي حسن أحمد، في إحصائيات التضخم الرسمية الصادرة من الجهاز المركزي للاحصاء.
وأشار إلى إلى ان مستويات التضخم زادت بنحو 50%، وأن تراجع قيمة الجنيه امام العملات الاخري وارتفاع معدل التضخم انعكس سلباً على أسعار جميع السلع الاستهلاكية والخدمات التي تشهد ارتفاعاً غير مسبوق.
وأوضح انه وبحسب بيانات البنك الدولي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في السودان إلى مستوى 26 مليار دولار في 2020، من 32 مليار دولار في 2019.
مسجلا انكماش نسبته 19%، وبحسب صندوق النقد الدولي في 2021 فإن كل ذلك يعكس التراجع الكبير للاقتصاد السوداني.
الراكوبة+التغيير