أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة السودانية للتحقيق في الانتهاكات، التي صاحبت فض الاعتصام أمام القيادة العامة، تعليق عملها والتوقف عن ممارسة أي أعمال، وذلك بسبب استيلاء جهة «أمنية عسكرية» على مقرها بالخرطوم، وحذرت من احتمال إدخال معدات وأدوات، يمكن استخدامها في كشف أسرار التحقيق المستمر منذ نحو 3 سنوات لكشف ملابسات المجزرة، التي ارتكبت أمام مركز قيادة الجيش في الخرطوم.
وشكل رئيس الوزراء المستقيل، عبد الله حمدوك، في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 لجنة وطنية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات والأحداث، التي تمت فيها انتهاكات لحقوق وكرامة المواطنين بمحيط القيادة العامة للقوات المسلحة في الخرطوم، وقيادات القوات المسلحة في الولايات، برئاسة المحامي نبيل عبد الله أديب وعضوية آخرين.
وفوض حمدوك اللجنة صلاحيات واسعة في التحقيق، واستدعاء الأشخاص والمسؤولين، بهدف تحديد الأشخاص المسؤولين عن فض الاعتصام بالتحريض، أو المشاركة أو الاتفاق الجنائي، أو أي انتهاكات أخرى، وحصر أعداد الضحايا من الشهداء والمصابين والمفقودين، وكذا الخسائر المادية والمتضررين من ذلك.
وفي السادس من أبريل (نيسان) 2019 اعتصم مئات الآلاف من السودانيين أمام القيادة العامة للجيش في الخرطوم، وقيادات الجيش في الولايات، للمطالبة بإسقاط حكم الإسلاميين، بقيادة الرئيس السابق عمر البشير، ما اضطر قيادة الجيش لتنحيته، وتكوين مجلس عسكري انتقالي، تولى مقاليد الحكم، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. بيد أن المعتصمين رفضوا مغادرة مقر الاعتصام قبل تكوين حكومة انتقالية يقودها المدنيون، مع وعود من قبل المجلس العسكري الانتقالي بعدم فض الاعتصام. غير أن السودانيين والعالم فوجئوا بأعداد كبيرة من القوات العسكرية المشتركة، المكونة من الجيش والشرطة وقوات الدعم السريع، وهي تهاجم المعتصمين صبيحة الثالث من يونيو (حزيران) 2019، وتفض الاعتصام باستخدام الرصاص الحي، ومختلف صنوف الأسلحة والعصي والهراوات.
ونقلت التقارير وقتها أن العشرات قتلوا في مجزرة فض الاعتصام، وتسجيل نحو 357 إصابة، وممارسة عنف جنسي ضد 65 متظاهراً، واغتصاب 31 من المعتصمات، وعشرات المفقودين الذين لم تتحدد هويتهم بعد. وقد وجهت أصابع الاتهام لقادة في المجلس العسكري الانتقالي، الذي كان يتولى السلطة، والذي اعترف بفض الاعتصام على لسان الفريق شمس الدين الكباشي، لكنه أرجع الأمر إلى خطأ غير مقصود، موضحاً أن القوات «انحرفت عن مهمتها».
وقال رئيس اللجنة، المحامي نبيل عبد الله لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن لجنته قررت التوقف عن العمل، وعدم ممارسة أي أعمال تماماً، بعد أن اقتحمت قوات أمنية بأزياء عسكرية مقر اللجنة، الممنوح لها وفقاً لقرار تكوينها، مبرزاً أن لجنته لن تعاود العمل «إلا بعد إخلاء المقر من الذين اقتحموه، والتأكد من أنه لم يتم العبث بالمستندات الخاصة باللجنة، وإنجاز فحص أمني للمقر للتأكد من عدم وجود أي معدات، أو أدوات يمكن استخدمها في كشف أسرار التحقيق».
وأوضح أديب في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، أمس، أن لجنة تابعة لوزارة المالية طلبت في وقت سابق من لجنته السماح لـ«لجنة شؤون الأحزاب السياسية» باستخدام الجزء غير المستغل من المقر، لكنهم رفضوا الطلب، استناداً إلى سرية عمل اللجن، التي تتطلب بناية مستقلة، وقال إن رئيس الوزراء آنذاك، عبد الله حمدوك، أوقف المحاولة التي تكررت الشهر الماضي ورفضتها لجنته.
وتابع أديب موضحاً أنهم فوجئوا بتطور جديد نهاية الأسبوع الماضي، وصفه بـ«الخطير»، حيث استولت قوات أمنية بثياب عسكرية على مقر اللجنة، وفتحته لجهات أخرى، وأخلت طواقم الحراسة التابعة للجنة، ومنعت العاملين باللجنة من الدخول.
ونص قرار إنشاء اللجنة على ضرورة إنهاء مهمتها خلال ثلاثة أشهر، إلا أنها لم تصدر تحقيقها النهائي، رغم مرور نحو ثلاث سنوات، وأرجعت تأخرها في ذلك إلى جائحة «كورونا» وصعوبات فنية واجهت التحقيق، رغم إعلانها أنها أجرت تحقيقات مع قادة المجلس العسكري الانتقالي، بمن فيهم قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وتواجه اللجنة انتقادات واسعة نتيجة ما يوصف بأنه «بطء في إكمال التحقيق»، برغم أنها اللجنة الوحيدة التي كونها حمدوك، والتي لم يتم حلها أو تجميدها بعد إجراءات 25 أكتوبر 2021. والتي اعتبرها قائد الجيش إجراءات تصحيحية، فيما اعتبرتها المعارضة «انقلاباً عسكرياً».
المصدر: الشرق الأوسط