اخبار السودان
يعيد الروائي والقاص العراقي نبيل جميل في روايته “رسائل رطبة” ملامح الحب إلى الرواية العربية بجعله قضية الصراع الذي تدور حوله أحداث روايته ومنظوره للعلاقات الإنسانية.
ويدير جميل زاوية النظر -في روايته الجديدة- نحو مقاربة سؤال قد يبدو بدهيا: هل البشر بحاجة إلى حب؟ كون السؤال هو أمر طبيعي، لكن الروائي أراد أن يجعل له موطئ قدم محاولا إزاحة الأفكار الروائية التي تمتلئ بها الساحة الأدبية، بإصدار روايات تتحدث عن الحروب والعنف والسواد والكآبة، كأنه يدفع المتلقي العربي إلى البحث عن سؤال: هل غاب الحب عن العرب؟
في هذه الرواية يحاول المؤلف أيضا أن ينتج لنا مساحة أوسع لهذا الحب، غير مكتف بالساحة العراقية المترعة بالحزن، بل اتسعت رقعته لتشمل دولا عربية متخذا من العراق والمغرب جناحي الخريطة للوطن العربي، بوجود علاقة بين شاعر عراقي وإعلامية مغربية من خلال اجتماعهما في مهرجان المربد الشعري المعروف، ليمتد المكان والصراع إلى تركيا واليونان وما بينهما الأردن ومصر.
قصة حب ولمّ شتات
نبيل جميل مواليد البصرة عام 1967 صدرت له 3 مجاميع قصصية هي “حارس المزرعة” عام 2005، و”الصعود الى الأسفل” عام 2010، و”فتى الحروب” عام 2016.
ويقول عن روايته إن “هاجس الخوف كان يصاحبني مع المغامرة بكتابة روايتي الأولى وسط كم هائل من الروايات العراقية وأسماء كبيرة”، وأضاف أن الفكرة أخذت وقتا طويلا وتناولت طرح أسئلة مختلفة لأن فكرة الحب كانت مهيمنة على الاختيار والمعالجة.
ويحدد هذه الإرهاصات بما مرّ بالبلدان العربية مما سماها “عاصفة الربيع العربي”، وما حدث من تغييرات في الأنظمة الحاكمة، وما أسفر عن ذلك من “تنافر بين بعض البلدان”.
ولهذا فإن فكرة الحب جاءت للمغايرة إذ “لا بد من قصة حب ربما تسهم في لمّ الشتات، لكنني وجدت العكس ربما بحكم انقسام الشارع العربي اجتماعيا لدى البعض بسبب ترسبات الماضي، فمضيت في روايتي علّني أسهم ولو بشيء يسير في فكّ مغاليق العقول العربية”.
وعن شخصيات الرواية وفكرتها، قال جميل لقد “اخترت شخصية (خالد) من الشرق (العراق، البصرة) و(عائشة) من (المغرب، أغادير)، حاولت أن أقارب بين ثقافتين لأجعل من حلقة الحب رابطا مشتركا بغض النظر عما يحدث في وطننا العربي، لأن هذا شكل له طريقة تدوين الرواية من أجل مزج العلاقات الإنسانية وجعلها المهيمن العام بمعالجة درامية، لأنني استثمرت الحوار لإيصال هواجس الحبيبين وإعطاء صبغة عربية للرواية”.
وعن تفاصيل الصراع كون الرواية تحتاج إلى فعل الصراع والدراما، قال “جعلت شخصية خالد ازدواجية تعيش في صراع داخلي بين ماضي حكم البعث وحاضر حكم الأحزاب بعد 2003 وحلم الهروب من العراق، وذلك لما أصابه من يأس من الحكومات السابقة والحالية”.
أما عن شخصية عائشة فإنها “واجهت صعوبة في تقمص أحاسيس امرأة عاشقة من بلد آخر يختلف في طبيعته الاجتماعية”.
وقد استثمر الروائي خاصية التواصل الاجتماعي لتكملة النسيج الدرامي، فيقول “استعنت بصديقات عربيات من الفيس بوك لتحويل اللغة الفصحى إلى اللهجة المغربية البيضاء، وكذلك في بعض الجوانب النفسية التي تصيب المرأة المحبطة من حب فاشل، كما استعنت كثيرا بمصادر تهتم برسائل الحب”.
ويعود الروائي ليتحدث عن فكرة الحب والرسائل والعنوان الرئيس فيقول إن “خالدا كان انتهازيا يحاول استغلال طيبة عائشة برسائله المطولة ليذيبها في بحر الحب، والغاية استخدامها للهروب من العراق، في فترة زمنية كان يشعر بها كأن هناك قيدا حول عنقه”.
ويمضي بقوله إن هذه الرسائل “تتطور وتكون أكثر حميمية بما تحمله من إيحاءات واتفاق على الزواج” حتى يحقق البطل غايته، فإن الفرصة كما يقول الروائي تسنح للبطل “للخروج من العراق بعد مرور 15 عاما، بعملية تهريب بطوافة مع عدد من الأشخاص عبر البحر من تركيا إلى اليونان، لكن الطوافة تغرق ويموت خالد”.
وعن الأمكنة التي شملتها الرواية فإنها دارت في “مصر، الأردن، المغرب، تركيا” معللا اختيار الفكرة من كون الحب حاجة كبيرة، لكن المتغيرات التي استجدّت في البلدان العربية “كانت أقوى من نجاح الحب ورسائله التي تبقى رطبة”.
الرسائل وإيحاءات الحب
الروائي الذي أصدر كتابا نقديا “عين القارئ” عام 2021 له مجموعة قصصية مشتركة مع قصاصين آخرين “ذاكرة المقهى/لاعبو السرد”، وفازت قصته “لحظة غير منتهية” بالجائزة الأولى في مسابقة مجلة العربي بالتعاون مع إذاعة “بي بي سي” (BBC) عام 2007، واختيرت قصة “اختناق” ضمن كتاب القصة القصيرة جدا في العراق عام 2015.
يقول الناقد العراقي حمدي العطار إن “الرطوبة التي حملها العنوان ليست رطوبة مياه البحر الذي غمرته مع المهاجرين ولامست الرسائل بينه وبين عائشة فأصبحت رطبة، بل هي رطوبة يكشفها (خالد وعائشة) فيها إيحاءات جريئة مثلما فيها الحاجة إلى الحب الحقيقي الذي دمّرته السياسة”.
ويقول عن السارد أنه يحسب له “قدرته على الإمساك بالنسق الفني المغاير، وتقديم بنية توثيقية روائية والضخ المكثف للمعلومات التي تجعل القارئ يتعرف على المرحلة التاريخية موضوع السرد سواء كان موضوعها عن الحب وما يعتريه بعد الربيع العربي أو المعاناة التي تلاقي الشاب العربي”.
وباعتقاد الناقد فإن الروائي أراد التلميح إلى معاناة الفرد العربي من ضياع وطنه بقصة حب تحاول مشاكسة الواقع “من خلال الحب الضائع أيضا”، ففي نهاية الرواية يسرد لنا أن البطل “يحلم بالوصول إلى ألمانيا عن طريق اليونان”. ويأخذ الناقد جزءا من الرواية يعتقد أنه يختصر مسافات فهم الرواية؛ يقول الكاتب فيه “أنا الآن في أواخر شهر سبتمبر/أيلول من عام 2015 أكتب آخر سطور روايتي، بعد ذلك أغلفها (بسيليفون) ثم أضعها داخل كيس بلاستيك محكم، خوفا من دخول ماء البحر وإتلافها، لدي أمنية بنشرها في ألمانيا بعد قبول اللجوء”.
ويؤكد العطار أن السارد “يملك طاقات متفجرة لا تخلو من الصور الدرامية التي تقترب من لغة السينما، وأن الرواية تشكل تجربة غنية مرّ بها معظم العراقيين والعرب”.