بقلم: خلود خیر
في 30 أكتوبر ، خرج الملايين من الناس إلى الشوارع في جميع أنحاء السودان للاحتجاج على انقلاب الجيش في 25 أكتوبر. ربما كان الاحتجاج الجماعي أكبر احتجاج شهده العالم خارج هونج كونج في السنوات الأخيرة. ومنذ ذلك الحين ، استقطبت الاحتجاجات المتتالية المناهضة للانقلاب حشود كبيرة في مختلف أنحاء البلاد ، على الرغم من العنف المتزايد من جانب نظام الانقلاب. ولم يكن احتجاج هذا الأربعاء- حيث قُتل ما لا يقل عن 17 متظاهراً- سوى الفصل الأخير في معركة مستمرة من أجل الروح السياسية للبلاد ومستقبلها.
فمن ناحية ، هناك عدد لا يحصى من القوات المدنية ، بما في ذلك لجان المقاومة في الأحیاء ، والناشطين المناصرين للديمقراطية ، وأنصار الحرية والتغيير ، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك. ومن ناحية أخرى ، هناك عدة قوات شبه عسكرية ، وبعض الجماعات المسلحة المتمردة السابقة ، وبقايا شبكة رعاية الدكتاتور عمر البشير ، والأهم من ذلك ، الجيش.
منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في أواخر سبتمبر ، التي أعقبتها سلسلة من المؤتمرات العامة ، والاحتجاجات الجماهيرية ، أصبح الوضع السياسي متقلب بشكل متزايد ، کما أصبح المشهد السياسي السوداني المتغاير إلى حد ما ثنائي القطب.
الإرهاق العسکري
انقلاب الشهر الماضي دبره أربعة حلفاء غير متوقعين – رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح الالبرهان ، ونائبه اللواء محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي” ، ووزير المالية جبريل إبراهيم ، والحاكم العام لدارفور ميني ميناوي. ومن غير المرجح أن تظل “الرباعية الانقلابية” هذه متحدة أو تكسب ثقة الجمهور السوداني لأسباب متعددة.
والتوترات بين البرهان وحيمدتي معروفة جيدا وتسببت في انقسامات داخل قوات البرهان. وفي حين يعمل القائدین حاليا معا، لکن من الواضح أنهما دعما الانقلاب لتحقيق مصالحهما الشخصية. وينطبق الشيء نفسه على إبراهيم وميناوي ، المتمردین السابقین ، الذين كانا إصرارهما على عدم إشراكهما في الهياكل والعمليات الانتقالية على الرغم من توليهما مناصب داخل الحكومة الانتقالية بمثابة ذريعة للانقلاب. وفي هذا السياق ، يبدو أن الانقلاب وسيلة تسمح لمنظميها بمقاومة الضغوط المتزايدة عليهم للتنازل عن السلطة حفاظاً علی مصالحهم المالية ، بدلا من أن يكون آلية “لتصحيح أخطاء الماضي” كما يزعم مؤيدوها.
في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر ، قال البرهان أنه حل الحكومة لمجرد تجنب الحرب الأهلية بعد أن قام السياسيون المدنيون “بإثارة العداء للقوات المسلحة”. فقد زعم أنه سوف يعين رئيس وزراء “تكنوقراط” ليحكم إلى جانب الجيش في غضون أيام ويعيد البلاد إلى مسار الديمقراطية. ومنذ ذلك الحين أدى البرهان اليمين الدستورية كرئيس لمجلس سيادي جديد واختار بعنایة المدنیین له وللحرکة الإسلامية کأعضاء مدنیین.
ومع ذلك، سيواجه هو وأنصاره صعوبة في إقناع الشعب السوداني والمجتمع الدولي بأنهم سيحققون مكاسباً ديمقراطية – في شكل انتخابات حرة ونزيهة – من خلال مثل هذه الأساليب المناهضة للديمقراطية. والواقع أن هناك العديد من القضايا المعلقة التي تشير إلى أن الجيش ربما بالغ في تقدير قدراته في الحكم.
أولاً ، من المشكوك فيه أن يتمكن الفريق البرهان من منح انقلابه الشرعية الدستورية اللازمة لإغراء أي تكنوقراط بالمشاركة في الحكومة المدنية العسكرية الجديدة التي وعد بتشكيلها.
ثانياً ، مع رفض جميع الأحزاب السياسية للانقلاب صراحةً ، من الصعب تحديد الدوائر الانتخابية التي يمكن للحكومة الجديدة أن تدعي أنها تمثل ، باستثناء الإسلاميين ، الأعداء اللدودين للحليفين العسكريين الإقليميين مصر والإمارات.
وثالثاً ، ليس من الواضح كيف قد تتمكن “حكومة الانقلاب” ، حتى ولو كانت تضم التكنوقراطيين ، من إقناع الناس بأنها سوف تتصدى على نحو مجدٍ للقضايا الصعبة المتمثلة في العدالة الانتقالية ، والفساد ، وانتهاكات حقوق الإنسان حين ينظر إلى المؤسسة العسكرية على أنها متواطئة في كل هذه القضايا الثلاث.
رابعا ، إن حلفاء المؤسسة العسكرية الإقليمية ، إسرائيل ، والمملكة العربية السعودية ، والإمارات العربية المتحدة ، الذين يرون علاقاتهم مع السودان في أغلب الأحوال من خلال منظار أمني ، سوف يجدون صعوبة في الاستمرار في دعم الانقلاب ، سياسيا وماليا ، في مواجهة الإدانة الدولية المتصاعدة.
وللتغلب على هذه القضايا التي يبدو أنَّ حلها مستعصي، كانت مجموعة الانقلاب الرباعية تضغط على رئيس الوزراء المعزول حمدوك ، الذي يرى هؤلاء أن إقراره يشكل بوابة للشرعية ، للانضمام إلى حكومتهم. ولكن رئيس الوزراء المعزول ــ الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية ولا شك أنه يدرك حالات الاحتجاز الجماعي والوفیات في أعقاب الانقلاب ــ ما زال متمسکاً برفض عرضهم.
مع ذلک یبدو أنّ جمیع جهودهم باءت بالفشل، حیث غاب عن بصیرة المجموعة الرباعية للإنقلاب أنّ الشعب السوداني بعد المخاوف بشأن الحکم الذاتي المدني في السنوات الأخیرة، لن یقبل إدارة سیاسیة جدیدة أقل قدرة، و لا تنصیب غیر دستوري لرئیس وزراء جدید أکثر قبولاً للجیش.
الآن مع وقوف الإنقلاب علی أرضية مهزوزة، هناک بعض الأسئلة التي تواجه السودانیین: هل یتعین علی البلاد أن تعود لإتفاق أغسطس 2019؟ هل یمکن ذلک؟ ماذا ستکون الخطوة التالية لحمدوک؟ هل ستتغیر مواقف الأعضاء الآخرین في المجموعة الرباعية للإنقلاب؟ كيف ستكون المجموعات المدنية المختلفة ممثلة في جهود الوساطة في المستقبل؟
المصدر: Aljazeera English