رداً على ما نشره موقع الوطن أونلاين السوري تحت عنوان “ماذا في زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو؟”، نشر الكاتب والمحلل السياسي، رامي الشاعر، مقالا في جريدة “زافترا” الروسية.
جاء في المقال:
نشر موقع الوطن أونلاين السوري مادة صحفية تحمل عنوان “ماذا في زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو؟”، جاء فيها أن “القمة الروسية السورية تطرقت لمسار أستانا. ولجنة مناقشة الدستور.ولكن كان التركيز على الشق الاقتصادي. وتحرير باقي الأراضي السوري. إذ لم تعد مسألة لجنة مناقشة الدستور تحمل أي أهمية بالنسبة للقيادة الروسية. خصوصاً بعد الانتخابات الرئاسية السورية وما حملته من دلالات سياسية، والتي عبر عنها الرئيس بوتين لنظيره السوري عندما هنأه بفوزه (المستحق) في الانتخابات الرئاسية”.
يجب القول هنا إن ما سبق لا يعكس موقف روسيا نهائياً، بل أؤكد على أن الموقف الروسي هو عكس ذلك تماماً. وذلك استناداً إلى ما صرح به وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف. خلال مؤتمر صحفي عقده عقب لقائه وزير الخارجية القطري. محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، منذ بضعة أيام، حينما قال بأنه “لا بديل عن قرار مجلس الأمن رقم 2254 لمعالجة الأزمة السورية”، مؤكداّ على عمله من خلال القنوات الثنائية مع دمشق، وفي إطار مسار أستانا، بمشاركة تركيا وإيران، وكذلك من خلال منصة جنيف، حيث توقع الوزير استئناف عمل اللجنة الدستورية بمشاركة وفود من الحكومة والمعارضة في المستقبل القريب جداً.
كذلك فقد أشار الرئيس السوري، بشار الأسد، في الكلمة التي ألقاها أثناء استقبال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، له في الكرملين، إلى محادثات المسار السياسي، وذكر أن الأنشطة والفعاليات السياسية في سوتشي وأستانا وجنيف قد “ساهمت في تطبيع الحياة على أراضي الجمهورية العربية السورية”، إلا أن السبب في توقف العمليات السياسية منذ حوالي 3 سنوات هو أن “دولاً معينة تؤثر على نحو مدمّر وبكل الطرق الممكنة على إمكانية المضي قدماً في هذه العمليات”. وتابع الأسد بأن هناك عوامل أخرى، “لكننا نتفهمها تماماً ونحاول بذل قصارى جهودنا لحل هذه المشكلات الملحة”.
إن ذلك يؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكل على أن القيادة في دمشق تدرك أهمية الاستمرار في العمل على المسارات المذكورة آنفاً، وبخاصة مسار جنيف الذي يعد تجسيداً لقرار مجلس الأمن رقم 2254، حيث استقبلت دمشق منذ أيام المبعوث الخاص لهيئة الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، للاتفاق على موعد عقد الجولة السادسة للجنة الدستورية. وقد غادر بيدرسون دمشق، وبقيت نائبه، خولة مطر، لمتابعة المحادثات مع المسؤولين السوريين لتحديد موعد اجتماع اللجنة.
بالطبع يوجد بعض الاعتراضات من جانب دمشق على سلوك المبعوث الأممي، لعل أهمها هو تدخله في تفاصيل خاصة بصياغة التعديلات الدستورية، في حين أن مهمته يتعيّن أن تقتصر فحسب على تهيئة أجواء الاجتماعات لاجتماع الأطراف السورية المعنية. وقد عبّرت دمشق عن عدم رضاها على اللقاء المتلفز، الذي عقده بيدرسون مع ممثلي وفد المعارضة بشأن أحداث درعا، ما تسبب في تأجيل قبول استقباله من قبل دمشق، لكن وساطة موسكو أزالت هذا العائق. ذلك هو الواقع الراهن، حيث يمكن أن تتسبب وسائل الإعلام أو الشخصيات السياسية في عرقلة المسار السياسي، وهو ما يضع مسؤولية كبرى على وسائل الإعلام والشخصيات الرسمية في نقل الحقيقة ومعالجة أي إشكالات واردة الحدوث بموضوعية وإنسانية، بعيداً عن حسابات السبق الصحفي والظهور الإعلامي وتحقيق مآرب سياسية ضيقة، للدفع بالمسار السياسي إلى الأمام لحل الأزمة السورية التي أصبحت أزمة إنسانية قبل أي شيء، يعاني بسببها ملايين السوريين اليوم من عدم توفّر أبسط متطلبات الحياة اليومية.
من هنا تكتسب زيارة الرئيس الأسد والوفد الاقتصادي المرافق له إلى موسكو. أهميتها الخاصة. وبدلاً من تسليط الضوء على سبب الزيارة. وعلاقتها بأحداث درعا والطرف المبادر لعقد اللقاء. يتعيّن التركيز على ما يمكن أن تسهم به هذه الزيارة في حلحلة الأزمة السورية. والتسريع باستعادة زخم العملية السياسية بين الحكومة والمعارضة. أملاً في المضي قدماً في تنفيذ قرار مجلس الأمن. وتحقيق التوافق بين السوريين. كي تعود الحياة إلى وضعها الطبيعي في سوريا. وتبدأ عملية التعافي الاقتصادي وإزالة العوائق الإقليمية والدولية. لعل أهمها وليس آخرها تطبيع العلاقة بين سوريا وجارتها الأقرب تركيا. وإيجاد حل سوري للقضية الكردية، من خلال تثبيتها بالتعديل الدستوري. وهو ما يمكن أن يكون العامل الأساسي في إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على مغادرة الأراضي السورية التي اقتحمتها عنوة. في خرق صارخ للقوانين والأعراف الدولية. حيث لم تكتف الولايات المتحدة الأمريكية فحسب بالتعدي على الأراضي السورية، وإنما تقف عائقاً أساسياً أمام أي تقدم في السير على طريق مفاوضات الحل السياسي، وإنقاذ الشعب السوري من المأساة اللاإنسانية التي يمرّ بها.
يكفي التنويه هنا إلى عرقلة الولايات المتحدة الأمريكية لتمرير قرض بقيمة مليار دولار لمساعدة سوريا، وقد وافق على منحه البنك الدولي، بدعوى أنها لا تعترف بـ “شرعية النظام” في دمشق، ناهيك عمّا يسببه “قانون قيصر” المجحف من عقوبات كارثية ليس فقط على الشعب السوري، وإنما يطال أثرها الشعب اللبناني بالتبعية. وهو ما وصفه الرئيس الأسد بـ “العداء للإنسانية” و”العداء للدولة وللشرعية”، وهو في ذلك محق.
وعودة إلى بعض الأجنحة في دمشق، ممن يراهنون على أن موسكو “لم تعد مهتمة باللجنة الدستورية”، أقول لهم ولجميع السوريين، وبخاصة العاملين في مجال السياسة والإعلام: لا تنتظروا المعجزة! فالمجتمع الدولي لن يتمكن من مساعدة شعبكم وبلادكم ما لم تبادروا بعملية الانتقال السياسي. وليس بذي أهمية، ما يمثله اهتمام أي طرف دولي بعمل اللجنة الدستورية، لأنها قضية تخصكم وحدكم، تخص الشعب السوري وحده. ودون التوصل إلى حد أدنى من التوافق المقبول، لن تحل الأزمة السورية. ولن تكفي المساعدات التي تقدمها روسيا أو أي من الدول الأخرى لسد جوع الشعب السوري، الذي يحتاج إلى استعادة “قدرته على الصيد وامتلاك عدة الصيد” بدلاً من الحصول على “سمكة كل يوم” كما يقول المثل الصيني المعروف. يجب أن يضع الجميع في اعتباره اقتراب فصل شتاء جديد، يمر على الشعب السوري وهو في أصعب حالاته، بينما تعجز الدولة عن توفير إمكانيات التدفئة، وهو ما يطلق العد التنازلي، ويضع على كاهل الجميع مسؤوليات جسام في محاولة إنقاذ هذا الشعب الباسل.
إن استراتيجية روسيا تجاه الأزمة السورية، ومنذ البداية، كانت ولا زالت واحدة، وهي القضاء على التنظيمات الإرهابية، لما تحمله “آفة الإرهاب” التي تعرف حدوداً من خطر لا على سوريا، وإنما على البشرية جمعاء. وكذلك الحفاظ على السيادة السورية ووحدة الأراضي، وهو عملياً ما تم إنجازه تقريباً اليوم، وما بقي فقط هو التواجد الأمريكي غير الشرعي في بعض المناطق السورية. لكن ما يهم حقاً هو استراتيجية السوريين لإخراج أنفسهم من الأزمة العميقة التي تمر بها دولتهم وشعبهم، وهو ما يتطلب قبل أي شيء إرادة سياسية واعية ومدركة لحجم المخاطر والتداعيات الناجمة عن التقاعس والتأخير كل لحظة لا كل يوم، فكل الوسائل الآن، من وقف لإطلاق النار ومناطق التهدئة وبعثة الأمم المتحدة قد أصبحت مهيئة للشروع في العملية السياسية التي يمكن أن تفضي في نهاية المطاف إلى حلحلة الأزمة، وإنهاء القضايا الخلافية الأخرى بين السوريين، خاصة ما يعتبره السوريون احتلالاً تركياً لأراضي سوريا، وسياسة التتريك التي تدفع نحو التعامل في الشمال الغربي لسوريا بالليرة التركية، وتغيير مناهج التعليم، وكذلك، من جانب آخر، التواجد العسكري الإيراني والتوسع في المشاريع الاقتصادية وشراء العقارات، وانتهاج سياسة التشييع. كل ما ينقص الآن هو الإرادة السياسية، وترتيب الأولويات السياسية، ووضع المصالحة الوطنية والمصلحة القومية العليا فوق أي اعتبارات أخرى.
المصدر: RT