أخبار السودان:
نص كلمة د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء في ختام فعاليات تأبين الراحل الأمير عبدالرحمن عبدالله نُقد الله بقاعة الصداقة مساء أمس .
السادة أعضاء المجلس السيادي
السيدات والسادة الوزراء
السيدات والسادة أعضاء اللجنة العليا لتأبين الأمير نقد الله
السيدات والسادة قيادات العمل السياسي والتنفيذي والمجتمع المدني
الحضور الكريم ،،،
السلام عليكم ورحمة تعالى الله وبركاته،،،
المجد والخلود لشهداء الثورة السودانية ولشهداء ثورة ديسمبر المجيدة الذين مهروا بدمائهم هذه الثورة العظيمة، وجعلوا هذا التكريم المستحق ممكناً، وهو تكريم نابع من معرفة صادقة بالمنزلة الرفيعة، لرجل وضع إسمه باقتدار وعزة في لوحة شرف الثورة الباذخة، ألا وهو الأمير عبد الرحمن عبد الله نقد الله.
لا يساورني شك في أن مرض الأمير كان نتيجة مباشرة للمعاناة والعسف والتعذيب الذي تم استهدافه به، ولا تخالطني الظنون في أن الكم الهائل من الصبر وتحمل الأذى كان مقابله سنوات من عمره دفعها عن رضا واقتناع في سبيل التغيير.
وها نحن نقف اليوم هنا، بفضل ما قدمه الأمير نقد الله وأمثاله من شرفاء بلادنا وأيقوناتها الصادقة بحق، الذين أفنوا حياتهم من أجل الوطن.
عندما جاءتني الدعوة من ممثلي اللجنة العليا لتأبين الأمير لحضور هذا المحفل الكريم، خرجت بعدها بإحساس متداخل بين الهم والفرح، فقد كان يعتصرني الألم على من فقدناهم في مسيرة الثورة السودانية التي يمثل الأمير نقدالله علامة فارقة في طريقها، في لحظة نحن أحوج ما نكون فيها إلى وجودهم بيننا، لنتعلم منهم معاني الصمود والتماسك وضرورات الوحدة، فالأمير لم يكن مناضلاً سياسياً فذاً فحسب، إنما كان كذلك ركناً أساسياً في الدفع بالعمل الجماعي، وصوتاً جهيراً ينادي بالتنسيق والتعاون الوثيق بين قوى المقاومة والثورة كشرط لازم لإحداث التغيير.
لقد أسس رحمه الله، مع مجموعة من شرفاء الوطن (منبر السودان أولاً) الذي كان هدفه توحيد السودانيين حول الحرية والديمقراطية والعدالة والتنمية، وهذه هي المعاني التي قامت على أساسها الثورة وأنجزت بناءً عليها شوطاً مقدراً نحو التغيير.
وها هو التغيير تتبدى ملامحه في أركان هذا المكان الفسيح، ففي زمن مضى لم يكن سهلاً أن يحتفي الناس ويتداعوا بحرية، لمن عملوا طوال حياتهم للخلاص من الديكتاتورية، وبذلوا عمرهم من أجل التماسك بين المكونات الوطنية لصنع التغيير الذي يحمل في طياته المستقبل المشرق والوطن المستقر الموحد والمتطور.
دعونا من هنا نستلهم مثل هذه الدعوات ونعيد إحياء المشاريع التي كان ينادي بها أمثال الأمير نقد الله، في شرق السودان، غربه، وسطه شماله وجنوبه، فبلادنا لن ينهض بها إلا أهلها، وإن كان هناك خطر يهددها فليس أعظم من أن تتهددها التفرقة وينهكها الصراع ويفتتها الشقاق هذا هو منبع الشعور بالهم.
أما الشعور بالفرح فمنبعه مدى الإخلاص والوفاء والاهتمام العظيم الذي يحمل معناه مثل هذا النشاط، فهذا شاهد إثبات على أن درس الأمير لم ينته، وأن أمثال الأمير لا يزالون بيننا، فإن غاب هو بجسده، فروحه تطوف، ومنهجه باقٍ بين الأجيال، أجيال بعد أجيال تحرس الثورة وترعى أهدافها وتراقب عن كثب نجاحاتها وتقف حائلاً بينها وبين من يريدون إفشالها، أجيال بينهم من هو على استعداد للتضحية من جديد إن دعا داعي الفداء.
نؤكد اليوم التزامنا بالمساهمة في إقامة متحف للثورة السودانية يعكس نضالات شعبنا الممتدة في الريف والحضر، ويحفظ للتاريخ ذكرى رجال ونساء صمدوا في وجه الظلم والقهر والاستبداد، وسجلوا صفحات ناصعة من النضال من أجل الديموقراطية والسلام والحرية، ويُخلِّد ذكرى شهدائنا الذين مهروا بدمهم طريقنا نحو الحرية والانعتاق، ويعكس المتحف تجارب شعبنا في مقاومة الديكتاتورية والوقوف بصلابة في وجه الطغيان والصمود في أحلك الظروف، والتصدي لحروب الإبادة الجماعية وكل صنوف التعذيب في بيوت الأشباح سيئة السمعة. نُريد لهذا المتحف أن يبقى ذاكرة حية نابضة لما حدث في بلادنا خلال العقود الماضية، وأن يكون شاهداً حاضراً وتذكيراً دائماً لعدم العودة للوراء والانتكاس، أبداً!
مضى الأمير نقد الله إلى رحاب البارئ الكريم، ومضى غيره ممن كانوا في مقدمة قافلة الثورة والتغيير، ولكن بقي هذا المشروع يحمل شعلته من رافقهم بصدق، ومن أتى بعدهم بإيمان راسخ بوطن خيِّر ديموقراطي يسع الجميع.
حفظ الله السودان وشعب السودان.