الزمان صبيحة آخر يوم من رمضان العام 2019 , المكان أمام قيادة قوات الشعب المسلحة، الحدث حملة إبادة انتقامية شرسة قادتها أجهزة النظام المخلوع الأمنية تم خلالها قتل مئات الشباب الثوار المعتصمين سلمياً، في انتظار أن يكتمل التفاوض بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري ولكن غُدر بهم.
لا اظن أن هناك مواطناً سودانياً قادرٌ على نسيان ذلك اليوم ،فما حدث فيه كشف عمق مأساة السودان ومعاناته من نظام الحركة الإسلامية، الذي يمتلك سجل حافل من جرائم الغدر والخيانة و القتل والتعذيب والتشفي في حق من يفترض أنهم مواطنيه، لا تجوز معهم إلا الرحمة والمحبة والتقدير، جرائمه تلك طالت أي بيت من بيوت السودان الموحد وتركت فيه جرحاً ما زال ينتح ،ولكن جريمة فض الاعتصام كانت الأسوأ ،انتقم فيها من الشباب الذين اسقطوه بأيدي أجهزته الأمنية التي كانت كلها حضور ، هاجموا الشباب العزل وهم نيام أمام قيادة قواتهم المسلحة معتقدين أن لا شر سيطولهم وهم في حضن من اعتقدوا أنه جيشهم ، ولكن خاب ظنهم .
لا كلمات ولا لغة يمكنها أن تصف مأساة ذلك اليوم، إذ لم يذكر تاريخ البشرية أن هناك دولة شاركت كل أجهزتها الأمنية على إبادة شعبها وهو أعزل يقف على بابها يطلب العدل والأمان ، وليس هناك احتمال أن تتكرر عبر التاريخ مرة أخرى، وستظل تلك الجريمة جرح غائر في نفس أي سوداني إلا كوادر تلك الأجهزة الذين جردهم نظامهم من الضمير والاحساس والأخلاق و القيم و الإنسانية وحولهم إلى وحوش ،ذلك كان نهج الحركة الإسلامية للبقاء في السلطة مدى الحياة.
اليوم تعود الذكرى الثانية لجريمة فض الاعتصام أمام قيادة القوات المسلحة ، وما زال أهل الضحايا في انتظار العدالة التي لم تتحقق ، تعود تلك الذكرى ولا زال أهل الضحايا يزدادون صبراً وعزيمةً وإصرار في انتظار العدالة .
لا شيء يمكن عن يعزي الشعب في شبابه الذي غدرت به أجهزة النظام المخلوع الأمنية في جريمة فض الاعتصام،ولا شيء يمكن يخفف بشاعتها وقسوتها وعمقها غير أنها منحت الشعب مزيداً من القوة والجرأة والوعي المطلوب لبناء سودان مختلف ،لا يريد فيه أثر لتلك الأجهزة الأمنية القامعة، ولا قوات مسلحة تتدخل في السياسة والشأن المدني، ولا حركة إسلامية ولا تجار دين وسلطة ومصالح وأيدلوجيات وعملاء، يريد سودانه الحر الذي لا ينتمي إلا اليه، وسيمضي في هذا الطريق رغم مشقته التي حصدت كل ذلك العدد من الشباب الشرفاء ،لقد أدوا دورهم وتركوا لنا الباقي، وسنلتقيهم يوم الموقف العظيم وسيسألوننا ماذا فعلنا ،ويومها سيأتيهم حقهم كاملاً يشهد القتلة والظالمون على أنفسهم.
لابد للعدالة أن تتحقق وإن طال الزمن فكما تقول الحكمة (قاتل الروح ما بروح) ،رحم الله شهداءنا الأبرار الذين فتحوا الطريق لبناء السودان الجديد،السودان الذي يحمل ملامحهم التي تفيض طهراً وصدقاً ونقاءً ووفاء.
جريدة الديمقراطي