بات الكثير من المواطنين السودانيين في فوهة ليس فقط بسبب الاضطرابات السياسية بالبلادوطلقات الأجهزة الأمنية بل أصبحوا ضحايا تهاوي مختلف القطاعات الاقتصادية والذي نتج عنه تفاقم غلاء السلع الأساسية والخدمات وتصاعد البطالة والفقر. ولم يستفق السودانيون من تداعيات برامج الإصلاحات الاقتصادية (تحرير الوقود وزيادة أسعار الكهرباء وتخفيض قيمة الجنيه) تحت ضغوط صندوق النقد الدولي حتى جاءت الاضطرابات السياسية المتواصلة طوال الفترات الماضية لتزيد من جراح المواطنين معيشياً. معاناة الاقتصاد والشارع يأتي ذلك في ظل معاناة الاقتصاد السوداني من تدهور سريع بسبب توقف المشاريع الكبرى بالبلاد التي أدت إلى تعطّل الصادرات وتفاقم البطالة وزيادة الفقر. ودخلت معيشة المواطنين في منعطف جديد توقفت على إثره حركة التنقل والإنتاج وأغلقت مئات المصانع أبوابها، وبالتالي تسريح عشرات الآلاف من العمالة. وبدأ الغضب يسيطر على الشارع السوداني، في ظل تفاقم الأزمة السياسية وانعكاساتها السلبية على مختلف القطاعات، وقرر كثير من التجار إغلاق محالهم نتيجة للأحداث الأمنية والتظاهرات اليومية في العاصمة الخرطوم والولايات المختلفة. كذلك شكا مواطنون من الإغلاق اليومي الذي توقفت على إثره سبل كسب عيشهم، خاصة الذين تعتمد حياتهم على الأعمال اليومية. أوميكرون صدمة جديدة للاقتصاد السوداني: ضربات موجعة للأسواق وفي هذا السياق، قالت أسماء زين العابدين، المواطنة التي تعول أسرة مكونة من خمسة أطفال وتعمل في بيع الأطعمة إن وسيلتها الوحيدة توقفت نتيجة للاضطرابات اليومية ولا تمتلك عملاً آخر لكسب عيشها. وأكدت المواطنة السودانية لـ”العربي الجديد” أنه نتيجة لفقدان عملها لم تستطع توفير مصاريف أبنائها الدراسية الذين توفى والدهم وهم في سن الدراسة. محمد زين العابدين، التاجر الذي يعمل في سوق “السجانة” بالعاصمة الخرطوم، قال لـ”العربي الجديد” إنه فقد عمله نتيجة للإغلاق التام الذي يحدث في الخرطوم والشلل الذي تعانى منه الحياة العامة. أما المواطن التوم توفيق الذي يعمل بإحدى الوزارات فقال لـ”العربي الجديد”: “ليس هنالك عمل، بل أصبحنا عاطلين عن العملـ حتى أولادنا الذين يدرسون في الخرطوم توقفت دراستهم نتيجة للاحتجاجات اليومية التي تؤدي إلى إغلاق معظم الأنشطة في العاصمة، واضطررنا للبحث عن مدارس بديلة في المدن الأخرى ولكنها أيضاً غير مستقرة بسبب إغلاق الطرق والجسور”. تعطّل الأسواق يقول تاجر التجزئة بمدينة أم درمان، إسماعيل إسحاق، لـ”العربي الجديد”: “هناك ركود في السوق وزيادة في الأسعار”، مضيفاً: “لا ندري ما العمل في هذه اللحظات، لقد تضررنا نحن التجار ولم نستطع الإيفاء بمستلزماتنا اليومية”. ويضيف: “رغم الركود نبيع بعض السلع أحياناً بسعر وعندما نذهب لإحضار كميات أخرى من نفس السلعة من تجار الجملة نجد سعرها قد تضاعف، ما جعلنا نتوقف عن جلب بعض السلع”. ويتابع: “صحيح أن المواطن يتضجر عندما يجد زيادة في أسعار احتياجاته الاستهلاكية، لكن نحن ليس لنا ذنب في هذه الزيادة، والسبب فيها هم تجار الجملة الذين يربطون الأمر بزيادة تكلفة الاستيراد”. كذلك توقفت حركة التجارة كلياً وسحب كثير من الناس أعمالهم من البلاد نتيجة لعدم الاستقرار الذي تشهده البلاد، كما يقول أحد ملاك المصانع في الخرطوم، ويضيف لـ”العربي الجديد” أن الإنتاج قد توقف كلياً لعدم قدرة مصنعه على توزيع الكميات المنتجة نتيجة للإغلاق وعدم الاستقرار. ويقول: “تم الاستغناء عن حوالي 200 عامل نتيجة لتوقف العمل في المصنع، ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي “مع بداية الانقلاب العسكري” تكبدنا في الشركة خسائر بملايين الدولارات بسبب عدم وصول الخام، بالإضافة إلى عدم قدرتنا على تسويق منتجاتنا في ظل تواصل الاضطرابات”. اتساع دائرة الفقر الملفت أن إحصاءات مستوى الفقر في السودان ما زالت متضاربة وغامضة وتثير جدلاً بين المختصين. فبينما تقول تقارير الأمم المتحدة إن 46.5 بالمائة من سكان السودان يعيشون دون خط الفقر، تقول دراسة حكومية أجريت عام 2017 إن الفقر تراجع إلى 36.1 بالمائة، إلا أن خبراء اقتصاد يرون أن نسبة الفقر في السودان تصل إلى 80% طبقاً للواقع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد. ويقول الخبير الاستراتيجي أحمد آدم إن الواقع الذي يعيشه السودان اليوم يؤكد أن نسبة الفقر تزيد عن 80%، في ظل تراجع كل معدلات الإنتاج واختلال الموازين والهجرة من الريف إلى المدن، إضافة إلى تفاقم البطالة الذي تؤكده زيادة الهجرة إلى الخارج بأعداد كبيرة. اقتصاد السودان يدخل النفق المظلم: أزمة دولار وتفاقم الغلاء ويتوقع زيادة النسب مع تأزم الوضع المعيشي، ودخول شرائح كبيرة من المجتمع في دائرة الفقر، وانعدام فرص العمل، واضطرار خريجي الجامعات للعمل في مهن هامشية. ومن جانبه أرجع المحلل الاقتصادي الزين آدم تزايد نسبة الفقر إلى سياسة التحرير التي اتخذتها الدولة منذ فبراير/ شباط عام 1992، وما تبعها من برامج إصلاحية للحكومة الانتقالية أدى إلى رفع الدعم عن الضروريات بجانب الكوارث الطبيعية كالجفاف والتصحر والفيضانات بصورة متكررة وعدم الاستقرار السياسي والأمني. وقال: “كل تلك المؤشرات عملت على نزوح سكان الريف المنتجين إلى المدن والمراكز الحضرية بعد أن اصطدمت بالفساد المالي والإداري وغياب الشفافية والمسؤولية، في ظل سياسات زراعية ترتبط بمشاكل الري والرعي وارتفاع تكلفة الإنتاج وإعسار المزارعين مالياً”. خبراء اقتصاد أكدوا أن عدم توفر نسب حقيقية وواضحة عن الفقر في السودان يشكل هاجساً كبيراً، إذ يعطّل ذلك أي جهود خاصة بمكافحة الفقر. ويرى الاقتصادي السوداني عبد الله الرمادي أنه “يمكن إجراء مسح إحصائي لكافة أفراد المجتمع يبنى على مستوى دخل الفرد ودخل الأسرة وعليه نستطيع تقدير الحد الأدنى للفقر”. وأضاف: “إذا اتسعت دائرة الفقر لتشمل أعداداً كبيرة يمكن في هذه الحال تقسيم المستويات إلى درجات، من ضمنها الفقر المدقع”. واعتبر أن اتساع دائرة الفقر أمر مزعج، حتى إنه أصبحت هناك طبقات فقيرة وليس طبقة واحدة. وأكد الرمادي أن التصنيف يحتاج إلى مهنية تعكس واقع الحال بتقديرات لا تراعي المسح الحقيقي فقط بل لا بد من ملاحظات تقديرية أيضاً للأشخاص دون خط الفقر الذين يقدرون حسب رأيه بأكثر من 70% من المجتمع بسبب ارتفاع معدلات التضخم وثبات الدخول. وقال: “كل ذلك مردّه إلى السياسات النقدية والمالية الخاطئة التي أدت إلى إغلاق 80% من المصانع، ما زاد من نسب البطالة”. وحسب بيانات رسمية، ارتفعت نسبة البطالة في السودان إلى 19%، وبلغت نسبة البطالة بين الشباب حوالي 34% وبين الخريجين 48% وبين النساء 45%، وفقاً لنشرات رسمية. وتوقعت دراسة حكومية زيادة مستمرة في معدلات الخريجين نتيجة للتوسع المستمر في مؤسسات التعليم العالي يقابله نمو بسيط في معدلات الاستيعاب السنوي للوظائف العامة.
الغزالي الجديد
المصدر النيلين
المصدر النيلين
short_link:
Copied