واحد من أهم أسباب بقاء النظام المخلوع على سدة السلطة 30 سنة؛ هو الكيانات السياسية بجميع أشكالها، التي لطالما ظلت تمنحه فرص البقاء في طبق من ذهب، وحقيقة لولا أن ثار الشباب الذين ولدوا في هذه الفترة وأسقطوه؛ لبقي زمناً أطول وربما إلى الأبد، وقد نجحوا في ذلك سيما وفي شهور قليلة وبإمكانات ذاتية وليس بيدهم أي سلاح غير الإصرار والعزيمة والأهداف الصادقة وصفاء النوايا، وبذلك فتحوا الطريق أمام الجميع للمضي قدماً ومع بعضهم البعض، وكان من المتوقع أن تستفيد الأحزاب والحركات من هذه الفرصة الذهبية، وتتخلى عن الأنانية وإدمان الفشل وتعمل معاً من أجل إصاح البيئة السياسية التي ساهموا في إفسادها، ولكن يبدو أن الثورة فاجأتهم ووجدتهم غير مستعدين للعمل السياسي الناضج، وليس أدل على ذلك أكثر مما يحدث الآن، شهور تمضي ولم يتمكنوا من تشكيل برلمان وحكومة مؤقتة متناغمة تقود البلد لثلاث سنوات فقط، وأقسم صادقة أنه لو ترك الأمر لشباب الثورة لأبدعوا في تشكيلها وغيروا هذا الواقع.
شهور قضاها تجمع قوى الحرية والتغيير والحركات المسلحة، وهم يتشاورون من أجل تشكيل الحكومة، بل هو تقسيم للمناصب، ما جعل البرهان يهدد بتشكيل حكومة جديدة، لتخرج قوى الحرية والتغيير وترد (بكل قوة عين ومن غير اختشى) وتحذر من الإقدام على الخطوة، السؤال الذي نوجهه لها لماذا تحذر؟ وقد أثبتت أنها أفشل من أن تشكل جمعية، ناهيك عن حكومة، ولكن يبدو أنها تشعر بالاطمئنان، لأن الشعب صابر على خلافاتها وتصرافتها الصبيانية، ولأن النظام المخلوع لم يترك لها قوى سياسية غيرها، وحقيقية هذا المستوى هو الذي فتح الباب أمام الانقلابات الماضية وما زال يسمح بذلك، والآن يمكن للعسكر أن يكرروا الأمر، ولكنهم يخشون الشعب، فهو لن يتركهم، وبالتقاء قوى الحرية والتغيير مع الحركات (تمت الناقصة)، صحيح كان لهم دور إيجابي في الثورة، ولكن الآن دورهم سلبي جداً لدرجة أنهم يهددون الثورة والدولة.
نقول لقوى الحرية والتغيير والحركات عفواً؛ لقد تعب منكم الشعب فاتقوا الله فيه، فهو يريد حكومة مستقلة، ولم يَثُر لينتظر ويتحمّل الوضع المذري مدة أطول، ولا ليستبدل فشلاً بفشل أسوأ، وإنما من أجل التغيير السريع وبدون أخطاء، وأعتقد أنكم قد أخذتم ما يكفي من الفرص، وأثبتم بأنكم لن تستطيعوا تشكيل حكومة، وإن فعلتوا بعد هذا المشهد لن تكون حكومة جيدة وستنهار قريباً، ولذلك ابتعدوا إن كان همّكم مصلحة الشعب، ونتمنى أن يتجاوزهم السيد رئيس الوزراء ويقوم بتشكيل حكومة مستقلة، فهو الوحيد الذي اختاره الشعب، أما هم فقد فرضتهم الظروف، وأرجو ألا يخرج أحد ويخبرنا بأن الشعب من أتى به ولن يذهب إلا به، اذهبوا جميعاً وانشغلو بإصلاح كياناتكم هذه، وعالجوا أنفسكم من هوس المناصب التي تتقاسمونها وكأنها سلعة، فالمشوار طويل ويحتاجكم أكثر من الحكومة الانتقالية.
أعتقد أن المواطنين بحاجة إلى مليونية لتكليف حمدوك بتشكيل حكومة مستقلة من خارج الأحزاب والحركات حتى ولو من لجان المقاومة، فهم مثلما نجحوا في الثورة سينجحون في إدارة الدولة رغم صغر سنهم وقلة خبرتهم، وإدارة الدولة لم تعد تحتاج إلا إلى أشخاص صادقي النوايا ناكرين لذواتهم لديهم هدف وحلم ويريدون مستقبلاً أفضل وليس مناصب لإرضاء أنفسهم، وهذا لا يتوفر إلى في شباب الثورة.
جريدة الديمقراطي