تقرير: سنهوري عيسى
شهد الاقتصاد السوداني في 2021م، حالة من ( الترنح) ما بين النمو والانكماش ، وما بين الانفتاح على العالم والانغلاق، وما بين الأزمة الاقتصادية والاتجاه نحو الهاوية، بينما يظل المشهد الاقتصادي قاتماً في العام 2022م في ظل عدم تشكيل حكومة كفاءات وطنية ، وعدم وجود جهة مسؤولة عن إدارة الاقتصاد وتتحمل المسؤولية عن الأخطاء ، وفي ظل عدم إجازة موازنة الدولة للعام الجديد، وفي ظل تعليق الدعم والمساعدات المالية من المانحين والبنك الدولي ، بجانب استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بمدنية الدولة.
النجاحات والإخفاقات
وشخص خبراء اقتصاديون حالة الاقتصاد الوطني وما تحقق من نجاحات وإخفاقات خلال العام 2021م ، بجانب ملامح المشهد الاقتصادي خلال العام الجديد.
ويرى خبراء اقتصاديون أن أهم إنجاحات حدثت في العام 2021م هو تطبيق قرار توحيد سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني، وإلغاء الدولار الجمركي، ورفع الدعم عن المحروقات، وحدوث انفتاح في علاقات السودان الخارجية بعد رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتدفق المنح والقروض، و إعفاء جزء من ديون السودان الخارجية ، وإنفاذ برنامج ثمرات لدعم الأسر السودانية لامتصاص تداعيات الإصلاح الاقتصادي، وتسوية ديون السودان لدى صندوق النقد والبنك الدوليين، والحصول على منح وقروض، وتوقيع برنامج التسهيلات الائتماني الممدد مع صندوق النقد الدولي لاستكمال الإصلاح الاقتصادي خلال تسعة وثلاثين شهراً، وانسياب التحاويل البنكية وتدفق مدخرات المغتربين عبر الجهاز المصرفي، واندماج البنوك التجارية مع العالمية والحصول على خدمات ( فيزا كارد وماستر كارد)، والتعامل برقم الحساب المصرفي الدولي (الايبان)، بينما شهدت الأوضاع الاقتصادية تدهوراً ملحوظاً جراء إغلاق شرق السودان، وتعليق دعم المانحين الدوليين ومساعدات البنك الدولي للسودان، وتأخر تشكيل حكومة كفاءات وطنية، وتأثير التأخير على عودة الدعم الخارجي، وتأخر إجازة الموازنة العامة للدولة للعام الجديد، بجانب قتامة المشهد السياسي والاقتصادي في ظل استمرار الاحتجاجات المطالبة بمدنية الدولة.
أداء الميزانية العامة
ويرى محمد نور كركساوي الخبير الاقتصادى، أن تقييم الأداء الاقتصادي خلال العام 2021 يحتاج لمراجعة أداء الميزانية العامة للدولة، وإلى أي مدى تطابقت مع موجهاتها لمعرفة كافة مناطق القصور والإيجابيات فى الأداء الهيكلي العام.
وأضاف كركساوي : أبرز الإنجاحات كانت على مستوى أداء الإيرادات مقابل المصروفات ، ولقد تميزت ميزانية ٢٠٢١م ولأول مرة عن سابقتها ٢٠٢٠ و٢٠١٩ بعدم وجود عجز فى ميزان المدفوعات وذلك نسبة إلى العلاقات الخارجية وأثرها فى أداء بند إيرادات العملات الأجنبية من خلال المنح والقروض التجسيرية، و إعفاء بعض من الديون ، وأما على مستوى الأداء الداخلي؛ فقد قام البنك المركزى من خلال سياساته النقدية بتوحيد سعر الصرف وسعر الدولار الجمركى مما كان له الأثر الإيجابى فى رفع الإيرادات الضريبية والجمركية، هذه السياسات رغماً عن ضرورتها، لكنها تمت على مستوى تضخمي عالٍ جداً؛ بلغ حدود ثلاثة أرقام فاقت ٣٥٠% بدلاً عن الرقمين ٩٥% حسب المخطط له فى الميزانية مما كان له الأثر السالب على معيشة المواطن، بالتالي على الأثر السياسي الراهن.
تأثيرات رفع الدعم
وأشار كركساوي إلى أنه تم خلال ميزانية ٢٠٢١ رفع الدعم عن المحروقات مما أثر إيجاباً على إيرادات الميزانية، ولكنه أضر بحياة المواطن لأن المحروقات هى عصب الحركة والنقل والطاقة.
وأضاف : أيضاً من الإنجازات المالية المهمة لميزانية ٢٠٢١ قيام سلطة المال ولكن تعثرت لأسباب غير معروفة .
إغلاق شرق السودان
وأكد كركساوي أن أحداث شرق السودان أثرت سالباً على الميزانين التجاري الداخلي والخارجي ، كما حدثت خلال ٢٠٢١ م أحداث ٢٥ اكتوبر والتى كان لها الأثر السالب فى تعطيل أداء ميزانية ٢٠٢١ خاصة للربع الأخير ، حيث توقفت مبالغ كبيرة من المنح والقروض كان ينبغي أن تصل خلال الربع الأخير ، بالإضافة إلى تأثير أحداث الشرق وشمال السودان على حركة النقل والموانىء .
ملامح العام الجديد
وحول ملامح المشهد الاقتصادي خلال العام الجديد، يرى كركساوي ، أن مؤشرات العام ٢٠٢٢ م ، حتى الآن لم تعلن بسبب الوضع السياسي الراهن بالإضافة إلى موقف الدول الخارجية المانحة بشأن تدفق المنح والقروض، وأيضاً موقف الدول الخليجية الداعمة لم يتضح بعد. هذا بالإضافة إلى توقع قصور فى الإيرادات المحلية مثل عائدات الصادر ، الذهب …..الخ مع غياب المنهجية فى بند او بنود المصروفات … هل ستكون كسابقتها … ام هنالك إصلاحات هيكلية ….؟ ولذلك فإن الرؤية الكلية لم تتضح ما لم يستقر الوضع السياسي الراهن.
تسوية متأخرات السودان
وفي السياق يرى دكتور هيثم محمد فتحي، الباحث الاقتصادي، أن أهم الأحداث الاقتصادية التى شهدها العام 2021م تكمن في تسوية متأخرات السودان بقيمة 5.6 مليارات دولار لصندوق النقد والبنك الدوليين والبنك الأفريقي للتنمية من خلال إعادة جدولة وتقديم قروض جديدة، غير أنها قصيرة الأجل، كما تعهدت دول أوروبية وعربية، من بينها فرنسا وألمانيا والإمارات، بتقديم مزيد من الدعم للسودان.
تطبيق إصلاحات قاسية
وأضاف دكتور هيثم: الحكومة الانتقالية نفذت إصلاحات قاسية بدأتها وعلى دفعة واحدة برفع الدعم عن البنزين والديزل وتخفيض قيمة العملة السودانية بنسب وصلت إلى نحو 400 % ، كما أقر صندوق النقد الدولي قرضاً بقيمة 2.5 مليار دولار للسودان، وأبرم اتفاقاً تاريخياً مع البنك الدولي يقضي بتخفيف 50 مليار دولار من الديون.
إغلاق الموانئ
وأشار إلى أن العام 2021م شهد إغلاق ميناء بورتسودان، وتكدس عشرات سفن الحاويات ومئات الشاحنات من قبل محتجين، كذلك قفل الطرق التي تربط ميناء البلاد الرئيسي بالخرطوم وبقية المناطق، مما أثر على إمدادات السلع والخدمات.
مؤتمر باريس
وأضاف : من أهم الأحداث مشاركة السودان في مؤتمر باريس، بممثلين للحكومة والقطاعين العام والخاص وعرض أمام المؤتمر مجموعة من المشروعات الطموحة في أربعة قطاعات اقتصادية رئيسية، وهي قطاع البنية التحتية، والقطاع الزراعي بشقيه، ثم قطاع الطاقة والمعادن، و قطاع الاتصالات.
أهم أحداث 2021 الاقتصادية
ويرى دكتور عادل عبد العزيز الفكي، الخبير الاقتصادي ، أن رصد أهم أحداث العام 2021 الاقتصادية، وحالة الاقتصاد السوداني يمكن من خلال متابعة المؤشرات الرئيسة لهذا الاقتصاد، وتوضيح أسباب حالات الارتفاع أو الانخفاض أو التذبذب في هذه المؤشرات، وأول هذه المؤشرات التضخم والصعود القياسي للأسعار، حيث شهد العام 2021 ارتفاعاً متوالياً ومستمراً في مؤشر التضخم ، كما سجلت أرقام التضخم مستويات عالية للغاية خلال العام 2021، تراوحت ما بين 304% إلى 422% وتعد نسبة التضخم في السودان حالياً النسبة الثانية على مستوى العالم بعد فنزويلا، وتراجعت نسب التضخم خلال الشهور الأخيرة من العام، وهو تراجع يشير الى تباطؤ نسبة الارتفاع ولا يشير لتحسن الأحوال الاقتصادية، كما أن أي نسبة للتضخم تتعدى خانة الرقم الواحد الى رقمين أي 10% فأعلى تشير إلى وجود خلل في الاقتصاد.
فشل محاولات الحكومة
وأكد دكتور عادل، أن محاولات الحكومة الانتقالية لتخفيف أعباء المعيشة باءت بالفشل بسبب ضعف الكوادر التي عُهد اليها إدارة شركة الأمن الغذائي، وشركة المواصلات العامة، ورقابة الدقيق المدعوم، وتنشيط التعاونيات، بعد فصل الكوادر المؤهلة بواسطة لجنة إزالة التمكين المجمدة.
تحرير سعر الصرف
وأضاف : تم التحرير الكامل لسعر صرف العملة السودانية في فبراير 2021 مما أدى لقفزة هائلة في سعر الصرف من 55 جنيهاً للدولار إلى 380 جنيهاً،، وأدى هذا بالطبع لارتفاع هائل في أسعار السلع والخدمات، كما أن الميزان التجاري سجل عجزاً طوال الفترة من يناير 2021 الى أكتوبر 2021، عجز الميزان التجاري يعنى أن فاتورة الاستيراد أكبر من فاتورة الصادرات. وهو الأمر الذي استمر منذ عدة سنوات عقب انفصال جنوب السودان، وفقدان عائدات صادر البترول الخام، كما تركزت العملة المتداولة لدى الجمهور وقد ترتب على هذا عدة نتائج أهمها؛ ضعف قدرة البنوك على التمويل وتحريك الاقتصاد، والأزمات المتعلقة بشح أوراق النقد لدى البنوك والصرافات لتكدسها في خزن الأفراد والتجار. .
ساءت المؤشرات الاجتماعية، حيث احتل السودان المرتبة 139 من أصل 157 في مؤشر رأس المال البشري (HCI) و167 من أصل 189 دولة بناءً على مؤشر التنمية البشرية (HDI) في عام 2018.
التغيرات المناخية
وأشار دكتور عادل إلى أن البلاد شهدت تغييرات في المناخ وتعرضت للفيضانات والجفاف المتكرر فضلاً عن غزو الجراد، يقدر أن 9.6 ملايين شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد. علاوة على ذلك، هناك ما يقرب من 1.9 مليون نازح داخلي بحاجة إلى مساعدة عاجلة، وأكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء، كما أدت أزمة COVID-19 والفيضانات الأخيرة إلى تفاقم الوضع المعقد بالفعل، ويتوقع أن تكون نسبة السكان تحت خط الفقر في العام 2021 قد وصلت لحوالي %65 نزح أكثر من 83000 شخص بسبب النزاع بين المجتمعات المحلية في ولايات وسط وشمال وغرب دارفور، ونزح الآلاف في كردفان منذ أكتوبر وذلك وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
يقدر أن 9.8 ملايين نسمة يعانون من عدم الأمن الغذائي الحاد. فيما يقدر المستهدفون بالمساعدات بحوالي 8.9 ملايين نسمة، من بينهم 1.1 مليون لاجئ، و3 ملايين نازح.
تعثر برنامج ثمرات
ونوه دكتور عادل إلى تعثر برنامج ثمرات لدعم الأسر السودانية والذي تبلغ قيمته 820 مليون دولار، ويهدف إلى تقديم تحويلات نقدية إلى 80% من الأسر السودانية، أي نحو 32 مليون مواطن، للتخفيف من تأثير الصدمات الاقتصادية قصيرة الأجل الناجمة عن سياسات الإصلاح الاقتصادي بما في ذلك رفع الدعم عن المحروقات وتعويم سعر العملة، وأضاف : تعثر تنفيذ برنامج ثمرات بسبب التنازع حول إدارته ما بين وزارة المالية ووزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الاتصالات والتحول الرقمي والإدارة العامة للسجل المدني، الأسباب الأخرى لتعثر البرنامج تمثلت في عدم جاهزية وموثوقية معلومات الأسر لدى السجل المدني، وضعف عملية التسجيل أساساً، فضلاً عن عجز شركات الاتصالات والبنوك عن إيصال المبالغ للمستحقين الذين اكتملت إجراءاتهم، كما أوقف البنك الدولي البرنامج بعد قرارات القائد العام للقوات المسلحة في 25 أكتوبر 2021، وتبذل مساعٍ لإعادة العمل به.
تجميد المعونات الدولية
وأضاف : بناءً على قرارات القائد العام للقوات المسلحة في 25 أكتوبر 2021 والتي هدفت لتصحيح مسار الفترة الانتقالية قامت الولايات المتحدة بتجميد مبلغ 700 مليون دولار كان مخصصاً لعدد من البرامج دعماً لحكومة الفترة الانتقالية، كما جمد البنك الدولي الدعم التنموي الذي كان من المقرر انسيابه خلال الفترة من 2021 الى 2023 بإجمالي مبلغ 2675 مليون دولار.
ضمور القطاع الخاص الوطني
ونوه دكتور عادل إلي حدوث ضمور في أداء القطاع الخاص، خلال العام 2021 نتيجة لعدم الاستقرار الاقتصادي بسبب ارتفاع التضخم وعدم استقرار سعر الصرف، فضلاً عن نقص الطاقة الكهربائية وتفشي جائحة كورونا ، كما قام الكثير من المستثمرين بإغلاق مصانعهم وصرف العاملين، واتجه أغلب أصحاب الأموال لحفظ أموالهم في شكل ذهب أو دولار، مع التوسع في تجارة السلع الاستهلاكية، كما أن المصادرات التي قامت بها لجنة إزالة التمكين المجمدة، والحجز على حسابات العديد من التجار بحجة المتاجرة في العملة بواسطة نفس اللجنة، وعدم توفر فرصة لاستئناف قرارات اللجنة تسبب في إحجام المستثمرين المحليين عن إنشاء مشروعات جديدة، وبيع مشروعاتهم القائمة، وتحويل الأموال لدول أخرى، بجانب إيقاف التعاملات في الأراضي إلا بمصادقة لجنة إزالة التمكين المجمدة؛ أدى لجمود في معاملات الأراضي، وبالتالي انخفاض العائد من هذه المعاملات على إيرادات الولايات، وجمود أو توقف عمل إدارات الاستثمار ومفوضياته بالولايات، كما أن توجيه لجنة إزالة التمكين المجمدة للبنوك بعدم المصادقة على التمويل فوق خمسة ملايين جنيه أدى لتعطل عمليات الاستثمار التي تمولها البنوك بسبب تراكم الطلبات أمام لجنة إزالة التمكين.
تصفية الاستثمارية الأجنبية
وأشار دكتور عادل إلى أن العام 2021م شهد تصفية العديد من الاستثمارات الأجنبية لأعمالها أو عرضها للبيع، وقام المستثمر السعودي الراجحي بتجميد مشروعاته الزراعية بالسودان، ورفعت بتروناس الماليزية شكوى ضد حكومة السودان أمام المحاكم الدولية بسبب مصادرة مبان تابعة لها بواسطة لجنة إزالة التمكين المجمدة، كما احتجت دولة الكويت رسمياً على مصادرة أراضّ تابعة لها بالسودان من قبل لجنة إزالة التمكين المجمدة. وعرض الملاك الكويتيين لشركة زين للاتصالات بيعها بثمن بخس، مما يدل على يأسهم من الاستثمار في السودان.
المصدر اخبار السودان