وصلت الحالة الاقتصادية إلى أسوأ مما كان عليه رغم الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها حكومة الثورة، إلا أن المؤشرات الواقعية تنكر وصول اتباع الإصلاحات الأخيرة عبر روشتة صندوق النقد الدولي إلى مبتغاها، وبعد مرور 3 أعوام من ثورة ديسمبر المجيدة التي تبنت حكومتها الانتقالية مشروع صندوق النقد الدولي الإصلاحي، وكانت الفرصة متاحة للاهتمام بقطاعات الإنتاج وإصلاح هياكل الدولة السودانية، وربما هي أشياء لم تفلح فيها حكومة حمدوك، بل كان مسعاه في حل مشاكل السودان مع أمريكا ومع الدائنين، وهي بالفعل قضايا تعوق انطلاق الاقتصاد السوداني، ويرى خبراء اقتصاديون أن د. عبد الله حمدوك رئيس الوزراء حقق نجاحاً بدرجة ممتاز في سعيه هذا.
وحول الوضع الاقتصادي ما قبل وبعد الثورة، يصفه بعض الخبراء بأن الوضع الحالي بائس جداً، لجهة أن الحكومة الانتقالية طبقت الإصلاحات الاقتصادية ولم تنل الدعم المالي الدولي المطلوب، بسبب إجراءات البرهان التي عارضها المانحون الدوليون مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.
فيما يرى آخرون، أن أفضلية الأوضاع لدى المواطنين كانت في عهد الإنقاذ لكن الاقتصاد كان في أواخر الإنقاذ منكمشاً بسبب العجز عن إطلاق الإصلاحات الاقتصادية، و على الرغم من سوء أوضاع المواطنين السودانيين الآن مقارنة بعهد نظام الإنقاذ، إلا أنهم يمتلكون فرصة أقوى للنمو وازدهار الاقتصاد الوطني نسبة لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والدعم الدولي، بغية الحفاظ على الأمن القومي والاستقرار الاقتصادي؛ من خلال التوصل إلى توافق سياسي مرضٍ للجميع.
الإصلاح عبر الصدمة
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان محجوب : في نهاية عهد الإنقاذ؛ أي عندما بات واضحاً عجز البشير عن المضي قدماً بالاقتصاد السوداني من غير دعم دولي أو إقليمي، قامت بريطانيا وبعض شركائها الأوربيين بتقديم خطة لإصلاح اقتصاد السودان تقوم على إلغاء الدعم السلعي وتوحيد سعر الصرف للجنيه السوداني مع وعد بمساعدة السودان مالياً، والوقوف معه لإلغاء الديون الخارجية ودعمه لإلغاء العقوبات المصرفية الأمريكية، وهي ما كانت تمثل برنامج رئيس مجلس الوزراء وقتها معتز موسى، الذي أسماه الإصلاح عبر الصدمة وهو برنامج لم يتمكن وقتها معتز من تنفيذه، بسبب رفض بعض قيادات النظام السابق خوفاً من الثمن السياسي الباهظ، ويضيف في حديثه.. ما لم يعرفه هؤلاء هو أن العجز عن الإصلاح هو سبب في انهيار النظام نفسه على يد ثورة ديسمبر، وأوضح د. الفاتح في حديثه ل(اليوم التالي) بعد الثورة أتت ذات الدول، و أسمت نفسها شركاء السودان وقدموا ذات الروشتة وتم تنفيذها عبر حكومة حمدوك، وقال إن طريقة التنفيذ المترددة تسببت في إطلاق أكبر تضخم في تاريخ السودان وهو ثاني أكبر تضخم في العالم حالياً ، وأكد أن هذا ما تسبب في إفقار الشعب؛ إذ أن نسبة الفقر ارتفعت إلى أكثر من 60%.
أخطاء الإنقاذ
وأرجع أن السبب الأساسي في ارتفاع التضخم لا يعود إلى الإصلاحات الاقتصادية بقدر ما يعود أساساً للأخطاء التي صاحبت عملية إطلاق الإصلاحات، ابتداء من التردد في تنفيذها مما أضاع وقتاً ثميناً ، وكذلك كيفية توفير المبالغ المطلوبة لدفع تسويات الباخرة كول وضحايا السفارتين الأمريكيتين، وبحسب حديثه فإن الاقتصاد القومي في عهد البشير، خاصة في العقد الأول، اعتمد على قطاعات الإنتاج المحلية؛ مما أدى إلى إنتاج البترول وزيادة إنتاج الكهرباء والقمح وغيرها، ولفت إلى أن الخلاصة كانت ارتفاع الناتج المحلي بأرقام كبيرة مع نهاية العقد الثاني للانقاذ، وقال تسبب إهمال الإنقاذ للقطاعات التنموية بعد استخراج البترول في تدهور الاقتصاد مباشرة بعد انفصال الجنوب، واعتبر أن ذلك أحد أكبر أخطاء الإنقاذ التي لا زال الشعب يدفع ثمنها حتى الآن.
بعد الثورة
وذهب قائلاً بعد الثورة التي تبنت مشروع صندوق النقد الدولي الإصلاحي؛ فقد باتت الفرصة متاحة للاهتمام بقطاعات الإنتاج وإصلاح هياكل الدولة السودانية وهي أشياء لم تفلح فيها حكومة حمدوك إلى الآن، مشيراً إلى أن د. حمدوك يركز جل وقته في حكومتيه الأولى والثانية لحل مشاكل السودان مع أمريكا ومع الدائنين، وهي فعلاً قضايا تعوق انطلاق الاقتصاد السوداني، إلا أنه عاد وأكد نجاح د. حمدوك بدرجة ممتاز في سعيه هذا، ويتابع حديثه لكن كل مساعيه باتت مهددة بفعل إجراءات الفريق أول البرهان التصحيحية أو الانقلابية أيا كان مسماها، إذ تم تجميد الدعم الدولي وتم التهديد بإيقاف مشروع إلغاء الديون الخارجية وهو أمر إن تم بشكل رسمي سيعود بالسودان للحكم العسكري لأن العقبة الوحيدة التي تحول دون ذلك هي أموال المانحين الدوليين.
بائس جداً
وحول تقييم د. الفاتح حول الوضع الحالي، قال إنه بائس جداً؛ لجهة أن الحكومة الانتقالية طبقت الإصلاحات الاقتصادية ولم تنل الدعم المالي الدولي المطلوب بسبب إجراءات البرهان التي عارضها المانحون الدوليون مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، ويؤكد على أن الاقتصاد الآن يمتلك فرصة للنمو والازدهار بسبب الإصلاحات الاقتصادية على الرغم من انتشار الفقر وهجرة ملايين السودانيين إلى الخارج، وأرجع أفضلية أوضاع المواطنين كانت في عهد الإنقاذ؛ لكن الاقتصاد كان في آواخر الإنقاذ متكئاً بسبب العجز عن إطلاق الإصلاحات الاقتصادية، وواصل قائلاً : على الرغم من سوء أوضاع المواطنين السودانيين الآن مقارنة بعهد الإنقاذ فإن فرصة الاقتصاد القومي في النمو والازدهار أقوى بسبب الإصلاحات الاقتصادية والدعم الدولي، مشدداً على ضرورة أن يتم الحفاظ على الأمن والاستقرار بجانب التوصل إلى توافق سياسي معقول ويرضي الجميع.
الماضي والحاضر
أما المحلل الاقتصادي الدكتور، عبدالله الرمادي، قال في إفادة ل(اليوم التالي) إنه قبل 3 سنوات كان معدل التضخم 70% وهو الآن يقارب الـ 400%، وقارن الرمادي ما بين الماضي والحاضر وهو يشير إلى سعر جالون البنزين حيث كان ب 28 جنيهاً وهو اليوم سعره يفوق ال1500 جنيه، ولفت كذلك إلى سعر قطعة الخبز التي كانت بواحد جنيه والآن وصل سعر القطعة ما بين 30 إلى 50 جنيهاً، مكتفياً بقوله:
(هذا هو التحسن الذي شهده الاقتصاد).
سقف الفقر
المستشار الاقتصادي، الشاذلي عبدالله عمر، يقول إن البلاد تمر بتحديات كبيرة وأبرزها مسألة التحول الديمقراطي المدني، ويعتقد أن عرقلة هذا التحول بلا أدنى شك تعيق عملية الاستقرار الاقتصادي عكس ما كان في السابق، ويمضي قائلاً : لا توجد أي مؤشرات حالياً تبنى عليها الدولة في المرحلة القادمة وخصوصاً في ما يتعلق بالاقتصاد الوطني ومعاش المواطنين، وتابع: بالفعل أدت الأحداث الأخيرة التي جرت في البلاد زيادة متطردة في أسعار السلع الأساسية والخدمات وكذلك تذبذب في أسعار الصرف، وقال الشاذلي عبر إفادته ل(اليوم التالي) إن فترة الثلاثة أعوام المنقضية جعلت إيرادات الدولة ضعيفة، خاصة عن طريق الضرائب والجمارك بالصورة الواضحة، وبالتالي هذا يشير إلى أن الحكومة الانتقالية تغافلت عن ذلك باتباع روشتة صندوق النقد الدولي في التحصيل غير المباشر لتغطية الإيرادات العامة للدولة، وفي ذات الوقت ينادي بضرورة حدوث تغييرات سياسية لتهيئة الطريق أمام الإصلاحات الاقتصادية التي تحد من حجم الضائقة الاقتصادية والمعاناة التي تجاوزت سقف الفقر في قطر يمتلك موارد بشرية وثروات ضخمة، ويضيف قائلاً : ما لم يستقر السودان سياسياً، فحتماً ستكون الكارثة اقتصادية والثمن ما يدفعه محدودو الدخل والكادحون، وذكر أن الحكومة الانتقالية لم تفلح في تضميد الجراح التي تركها الانقاذيون خلال 30 عاماً ، وأشار إلى أن الاتفاق الأخير الذي تم بين عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي ورئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، بأن يعمل على استعادة الاقتصاد لمساره الصحيح؛ بجانب وضع السودان في المسار الذي يليق به وبشعبه.
المصدر اخبار السودان