البرهان يسعى لاستقطاب حركات سودانية بعد شعوره بالضعف عسكريا
عزل حميدتي وتعيين عقار نائبا لرئيس السيادة يفتقران إلى الحصافة السياسية.
إقالات وتعيينات تظهر مخاوف البرهان
يوحي قرار رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان الجمعة بإعفاء نائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) من منصبه، وتكليف عضو مجلس السيادة ورئيس الجبهة الشعبية لتحرير السودان – شمال مالك عقار وكأنه ربح المعركة العسكرية، ويقوم بإعادة ترتيب الجهاز الإداري للدولة استعدادا للمرحلة المقبلة.
وقرر البرهان تعيين الفريق أول شمس الدين كباشي نائبا أول له في قيادة الجيش، وياسر العطا وإبراهيم جابر مساعدين له. والثلاثة أعضاء في مجلس السيادة.
وسعى البرهان إلى أن يغري حركات مسلحة بالوقوف إلى جانبه في هذه اللحظات الحاسمة. ولا أحد يعلم هل سيؤدي تعيين عقار في منصبه الجديد إلى أن تحل قواته التي يحتفظ بها في الجنوب مكان قوات الدعم السريع، وهل ستتخلى عن أماكن تمركزها التقليدية القبلية والجهوية في جنوب كردفان وترحل إلى الشمال؟
وتشير إجابة الكثير من المتابعين إلى صعوبة تخلي عقار عن المناطق التي استمد منها نفوذه وقاد على أرضها تمرده ضد السلطة المركزية ضمن صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان (الأم) تحت قيادة الراحل جون قرنق، وهو ما يحصر تعيينه الجديد في الشق المعنوي، ومحاولة سد فراغ لم يجد البرهان أفضل منه في هذه اللحظة لتوصيل مجموعة من الرسائل المختلفة إلى الداخل والخارج.
قرار فتح ملف حميدتي وتنحيته اتخذه البرهان بعد أن شعر برغبة قوات الدعم في وقف إطلاق النار بلا شروط.
ويفتقد القرار نفسه إلى جزء من الشرعية التي استند عليها، لأن الوثيقة الدستورية التي تدار من خلالها المرحلة الانتقالية ومن المفترض أن تمر بها البلاد مشكوك فيها، ولا تخول لأحد الانفراد بهذا النوع من القرارات، فبموجب هذه الوثيقة وتعديلاتها تشكل مجلس السيادة بقيادة البرهان ونائبه حميدتي، على أن تؤخذ الإجراءات المهمة فيها بالتوافق.
ودخل قرار البرهان حيز التنفيذ اعتبارا من الجمعة التاسع عشر من مايو، ما يتناقض أيضا مع قرار سابق له، ففي الوقت الذي اعتبر فيه البرهان نائبه حميدتي متمردا وقائدا لحركة متمردة عقب اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي تركه محتفظا بمنصبه كنائب لرئيس مجلس السيادة، بما فهم أن الإقالة من هذا المنصب تحصيل حاصل.
وتدل العودة إليها والتذكير بها عقب هذه المدة على أن هناك من أشاروا إليه بضرورة تصحيح خطأ ومغازلة الحركات المسلحة في شخص مالك عقار.
ويظهر التناقض الذي وقع فيه البرهان بشأن التعامل مع حميدتي افتقاده للحصافة السياسية، وعمق الأزمة العسكرية التي يعيشها الأول في الميدان، ما يشي بأنه عاجز عن حسم المعركة في الخرطوم لصالحه، فهو يعلم أن أجهزة الدولة شبه منهارة والقوى المدنية عاجزة عن الحركة السياسية ولا أحد سيقوم بمراجعته، ولا أهمية كبيرة لمجلس السيادة في خضم هذه الحرب.
وإذا كان رئيس مجلس السيادة نزع الشرعية العسكرية ثم الشرعية الدستورية عن غريمه، فهل يستطيع فرض ذلك على القوى الإقليمية والدولية، بل هناك قوى محلية لا تزال تؤيد حميدتي وعلى قناعة أن البرهان لم يخلع عباءة الرئيس السابق عمر البشير ويحتمي بعناصر من الحركة الإسلامية، وأخرى لم تعلن تأييدها للجيش صراحة وتبنت الحياد، وهو ما يدرج في عداد الرفض الضمني لموقف البرهان.
وقد يكون قائد الجيش أراد التلويح للحركات المسلحة بأنها يمكن أن تحصل على المزيد من المكاسب معه عبر استقطابها وانضمامها إلى صفه، وضمان ولاء مالك عقار صاحب أحد أهم وأقوى الجيوش في جنوب كردفان.
ويبدو أن رئيس مجلس السيادة وضع نفسه في مأزق جديد ومصداقيته على المحك، فالمفترض أن عزل حميدتي يبعد القوى الخارجية عن التعامل معه على قدم المساواة مع البرهان، وهي معضلة يعاني منها منذ اندلاع الأزمة وأخفق في حض المجتمع الدولي على التعامل معه كقائد للدولة والتعامل مع قوات الدعم السريع كحركة متمردة.
وتحرج هذه الخطوة الوساطة السعودية – الأميركية في مدينة جدة، والتي توصلت في الحادي عشر من مايو إلى إعلان مبادئ للتهدئة لأسباب إنسانية، وتواصل اجتماعاتها بلا نتائج حقيقية، وتمنح وفد قوات الدعم السريع مبررا للتشدد في موقفه لاحقا.
ويرخي هذا القرار بظلال سلبية على القوى التي تريد القيام بوساطات بين الطرفين، من مبدأ المساواة بينهما، وكأن البرهان أراد تعديل الدفة لتكون أيّ محادثات بين الدولة وقوى خارجة عن شرعيتها، وهي معادلة أرادها قائد الجيش قبل المشاركة في مفاوضات لوقف إطلاق النار، غير أن تعامل المجتمع الدولي خيب ظنونه، إذ يرى في التفرقة التي يريدها البرهان إخلالا بالتوازن الظاهر منذ اندلاع الحرب.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن قرار فتح ملف حميدتي كنائب لرئيس مجلس السيادة اتخذه البرهان بعد أن شعر برغبة قوات الدعم السريع في وقف إطلاق النار بلا شروط مسبقة، واعتبرها مؤشرا على ضعف موقفها العسكري، فأراد أن يختبر رد فعل حميدتي على الخطوة والقوى المؤيدة وتلك التي صمتت على انخراطه في حرب.وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن قرار فتح ملف حميدتي كنائب لرئيس مجلس السيادة اتخذه البرهان بعد أن شعر برغبة قوات الدعم السريع في وقف إطلاق النار بلا شروط مسبقة، واعتبرها مؤشرا على ضعف موقفها العسكري، فأراد أن يختبر رد فعل حميدتي على الخطوة والقوى المؤيدة وتلك التي صمتت على انخراطه في حرب.
وأوضحت المصادر ذاتها أن رهان الجنرال البرهان على الحركات المسلحة كبير، لأن الحرب يمكن أن تنحسر في الخرطوم وتشتعل في إقليم دارفور، وفي هذه اللحظة لن تتمكن الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام من الصمت طويلا أو البقاء على الحياد، فهي رسميا جزء من الدولة وعليها أن تتحمل كلفة ذلك.
ويفهم قرار عزل حميدتي في سياق ارتباكات عديدة يعاني منها قائد الجيش ظهرت تجلياتها في إقالات تمت مؤخرا في وزارات الدفاع والخارجية والداخلية، في محاولة لإعادة ترتيب أوراقه للتعاطي مع التحديات التي يمر بها السودان بعد أن تصور البرهان قدرته على هزيمة قوات الدعم السريع في وقت قصير، ثم تبين صعوبة ذلك، فضلا عن افتقاره إلى التأييد الكافي في غالبية أجهزة الدولة التي فضلت الحياد.
ويقول مراقبون إن اختيار مالك عقار لهذا المنصب رسالة سياسية إلى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام باعتبارها جزءا من هياكل الدولة وعليها تحمل مسؤوليتها العسكرية والتخلي عن حيادها، والذي يعد في نظر دوائر خارجية عدم اقتناع بتأييد البرهان، فتفضيلها الوقوف على مسافة واحدة يعني أن الحرب ستبقى سجالا، ومآلها غير معروف.
ويضيف المراقبون أن مالك عقار معروف شغفه الشديد بالسلطة، وكان اختياره عضوا بمجلس السيادة ضمن لعبة سياسية لعب البرهان دورا في هندستها، في ظل تصاعد حدة الخلاف مع الجناح الآخر للحركة الشعبية – شمال ويقوده عبدالعزيز الحلو، والذي يصر على مدنية الدولة وفصل الدين عن الدولة، ما يعني أن خطابه العام يصب في توجهات حميدتي المعلنة، والتي قربته قبل الحرب من القوى المدنية.
المصدر: الراكوبة