هل سنعبر؟:: الجبهة الاسلامية حين نفذت انقلابها على الحكم الديمقراطي، كانت تعتقد بأنها سوف تجعل من السودان جنة المؤمنين، وهي نفس الجنة الاشتراكية التي وعد بها الحزب الشيوعي السودانيين بعد انقلاب نميري، جنة خالية من الرجعية والطائفية، وكلها كانت أماني الباطلين واحلام الجاهلين يمنون بها الشعب ويعدونه النعيم، حتى اذا بلغها الشعب وجدها قاعا صفصفا، فطفق يردد مع المتنبي :
أظمتني الدُنيا، فلما جئتُها مُستسقيا مطرت علي مصائبا
هل سنعبر؟::: جنان الشموليين كانت جهنما، ووعودهم احالت الوطن جحيما لا يطاق من ضيق العيش وكبت الحقوق والحريات، ٥٢ سنة من الشمولية قتلت في الوطن الأمل، غيرت جميع الملامح، أججت البلاد بالحروب، قتلت الطموح والتنافس وأغرقت الأجيال المتوثبة للعلا في الاحباط، وحطمت كل الأحلام الجميلة في وطن من الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام. هذه هي مخلفات الدكتاتورية وورثة الشمولية، ان نكون اليوم دولتين لا واحدة، ان نتصارع مدنيين وعسكر، ومدنيين ومدنيين، كلما نظرت ثمة عدو، ثمة باحث عن ما يسقطك، وما يدفعك للخلف، نعاني بالفعل من واقع مربك ومجتمع في حالة سيولة وانعدام وزن، وكله نتاج منهج شمولي مزمن.
هل سنعبر؟::: الشموليون جعلوا نصف مليون تلميذ لا يتناول وجبة الإفطار من العوز في قلب العاصمة الخرطوم !! تلاميذ السودان سلة غذاء العالم لا يجدون لقمة إفطار!!! ٣ ملايين طفل سوداني في عمر المدرسة لا يذهبون إلى المدرسة ! إنها تركة الشمولية، تئن بلادنا بأكبر عدد من النازحين داخليا في العالم، هذا النزوح غير معالم المدن والقرى والثقافة والحياة، انهار مشروع الجزيرة وانهارت الخطوط الجوية السودانية والخطوط البحرية السودانية والسكك الحديد وحتى خط هيثرو تم بيعه وتم بيع بيت السودانيين في لندن، يبيعون كل شيء، انهم الشموليون.
هذه التركة ينوء بحملها ظهر الحكومة الانتقالية، تركة تاريخية ثقيلة لا يمكن معالجتها في ظرف سنين بسيطة، هذا هو الواقع، لا تخذيلا وإنما معرفة، فالمعرفة أساس الفعل ورد الفعل، يصعب النهوض الآن بل يتعذر، لذلك فالحكومة الانتقالية عرضة للدعم وعرضة الإسقاط كذلك، فهي مدعومة من أجل العبور نحو وطن من الحريات، ولكنها مدفوعة للسقوط بواسطة الكثيرين، هي الآن تمشي على حبل مشدود بين جبلين وتحتها هاوية وثمة عاصفة تهب في السماء قادمة، فهل تعبر؟ هذا هو السؤال.
في يد الحكومة الانتقالية موارد عظيمة الماء والأرض الخصبة والمعادن والانهار والغابات والمناخات المتعددة والثروة الحيوانية والسمكية والثروة البشرية، ولكنها لا تملك التقانة الحديثة، لا تملك الفكر العلمي المتطور، لا تملك المال الكافي، مما يجعل كل هذه الموارد معطلة وفاقدة لمقدرتها على الانتاج وتغطية تكاليف إنتاجها، هذا هو الواقع بلا رتوش، اذا لم يتم رفع الإنتاج ورفع كفاءة العاملين وتأهيل الخريجين وتحويل البلاد إلى مصانع تحويلية وتوصيل الكهرباء ورصف الطرق لربط مناطق الإنتاج بمناطق الاستهلاك وبالمواني، فإن العبور صعب جدا، صعب ولكنه ليس مستحيلا.