نماذج لضحايا صندوق النقد الدولي
تحدثنا امس في هذه المساحة عن صندوق النقد الدولي وما يقوم به من دور في الضغط على بعض الدول حتى يقدم لها مساعدات وهي في الحقيقة خطط لجعل هذه الدول تنهار وتسقط في التبعية والخضوع للنظام الاقتصادي الذي تهيمن عليه أمريكا ويفضي في النهاية إلى تدمير اقتصاديات هذه الدول وافقارها واخضاعها بالكامل لسيطرة الغرب والتحكم فيه.
واذا نظرنا إلى الأمثلة والحالات التي تعكس حقيقة ما يقدمه صندوق النقدي الدولي يتضح لنا من استعراضها مدي الاثر السالب الذي تركه تدخل الصندوق عليها ولعلّ أبرزها ما حصل في الصومال والسودان و المكسيك وغيرها من الدول.
ونقف أدناه مع بعض التفاصيل التي توضح ماذهبنا اليه :
خصص صندوق النقد الدولي 150 مليون دولار للصومال في عام 1980، إلا أن محاولات تطبيق توصيات الصندوق في الحياة الاقتصادية الداخلية للبلاد تسببت بانهيار الاقتصاد نفسه، ثمّ الدولة بأكملها. ونتيجة لذلك بدأت حرب أهلية دموية أدت إلى انقسام البلاد إلى عدة أجزاء متناحرة وحتّى الآن وبعد مرور 44 عامًا على هذا “القرض القاتل”، لا يزال الصومال يعيش في حالة خرابٍ وفقرٍ مدقع.
وتكرر المشهد مرة أخرى في السودان إذ حصلت الخرطوم عام 1982 على 260 مليون دولار لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد، لكن هذه الإصلاحات وصلت إلى طريق مسدود، وفي نفس الوقت كان لا بد من دفع الديون وفوائدها بملايين الدولارات بأي طريقة. وتسبب ذلك في الانهيار الاقتصادي الذي انتهي إلى أزمة سياسية واقتتال تفاقم حتى انقسم السودان إلى بلدين . وكان يتوجب على السودان تسديد هذا الدين المتضخم في ظل العقوبات المفروضة عليه.
وانسحبت التجربة على المكسيك التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي الذي قدم ما يسمّى بخطة “بيكر” لإنقاذ الاقتصاد المكسيكي، وحصلت بموجبها على قرض بقيمة 3.4 مليار دولار، لكن ماذا حصل بعدها؟
دُمّر الاقتصاد الوطني للمكسيك تمامًا، وحصلت الولايات المتحدة الأميركية، ممثلة في صندوق النقد الدولي، على سيطرة على المالية العامة للمكسيك. والنتيجة كانت تدفق 45 مليار دولار من البلاد إلى الولايات المتحدة الأميركية، فضلًا عن تسبب الفقر الواسع في حركة هجرة كبيرة جدًا إلى بلدان أخرى.
تمثل هذه البلدان نماذج حية عن السياسات “القاتلة” التي أغرق صندوق النقد الدولي – ومن خلفه أميركا – الدول النامية فيها، من دون أن يقدم خططًا واقعية لتحقيق النموّ الاقتصادي، بل على العكس، سعى جاهدًا لعدم تحقيق ذلك كطريقة مضمونة لاستمرار الهيمنة والسيطرة المفروضة من قبله على هذه الدول، لتثبت هذه المنظمة على امتداد عقود من الزمن وليومنا هذا، أنها ليست سوى وسيلة من وسائل الاستعمار السياسي والاقتصادي التي نجحت أميركا جيدًا في إتقانها وتنفيذها.
سليمان منصور