منحت التصريحات “العفوية” لنائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار القاهرة مبررا قويا لموقفها بشأن تقنين دخول اللاجئين السودانيين إلى أراضيها، لكنها تكشف أيضا عن ضعفه الدبلوماسي وتمسكه بالعقلية العسكرية، وهو ما يعيق تحقق الهدف من تعيينه في تبييض صورة قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
لم تتوقف ردود الفعل السلبية منذ اعتراف نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار، الأحد، بأن “جواز السفر أصبح في يد كل من هب ودب، حتى بعض الإرهابيين”، بعد أن عززت كلماته المخاوف الأمنية لدى الحكومة المصرية، وأزعجت سودانيين يقفون على أعتاب الحدود بانتظار السماح لهم بعبورها.
أجهضت العبارة السابقة جانبا مهما من أهداف الجولة التي يقوم بها مالك عقار في دول جوار السودان، وقادته أخيرا إلى القاهرة، لشرح أبعاد الحرب من وجهة نظر رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وتسهيل دور الخرطوم في شرح الحالة الإنسانية وتسهيل مهمة استقبال الآلاف من السودانيين في مصر.
لم يغير لقاء نائب رئيس مجلس السيادة مع كبار المسؤولين في القاهرة، وفي مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، من الموقف المصري السياسي والعسكري مما يجري في السودان، وكان التركيز عاما على وقف الحرب والحفاظ على وحدة البلاد، واختفت منه أي عبارات تحمل مضمونا مؤيدا للبرهان، وبدت القاهرة حريصة على عدم السماح بأي تأويلات والوقوف على مسافة واحدة من طرفي الحرب في السودان.
اعتراف عقار يجد ما يؤيده من معلومات موثقة حول الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية في الحكم أيام البشير
ومنحت الكلمات العفوية في المؤتمر الصحفي الذي عقده مالك عقار خلال زيارته للقاهرة، مصداقية لتفسير تشدد مصر في عملية دخول السودانيين، حيث توافرت معلومات سابقة بحصول إرهابيين وعناصر متطرفة، مصرية وعربية وأفريقية، على هويات سودانية في أثناء فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، وعندما كانت جماعة الإخوان تسيطر على مفاتيح السلطة في البلاد.
وتعرضت الحكومة المصرية لانتقادات من منظمات حقوقية وجهات سودانية عقب تشددها في إجراءات الدخول، واتهامات بعدم التجاوب مع المطالب الإنسانية الملحة، على الرغم من دخول أكثر من مئتي ألف سوداني إلى الأراضي المصرية منذ اندلاع الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع منتصف أبريل الماضي، فضلا عن خمسة ملايين سوداني جرى استقبالهم خلال سنوات ماضية.
تخشى دوائر سودانية من أن تنتقل الهواجس الأمنية المصرية إلى حكومات عربية وأجنبية عدة، خاصة أن اعتراف عقار يجد ما يؤيده من معلومات موثقة حول الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية في الحكم أيام البشير، وكانت كوادرها نافذة في الدولة العميقة حتى وقت قريب، الأمر الذي حذرت منه قوات الدعم السريع مؤخرا.
وبرر قائد الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) انخراطه في الحرب ضد قوات الجيش في الخرطوم، بأنه محاولة لإجهاض انقلاب عسكري محتمل كانت تستعد للقيام به عناصر تابعة للنظام السابق لها ميول إخوانية واضحة، وتريد العودة إلى السلطة بمساعدة من قبل البرهان وتواطؤ جنرالات محسوبين على الحركة الإسلامية.
وأخذ تصريح نائب رئيس مجلس السيادة بشأن حصول إرهابيين على جواز سفر سوداني مسارات أمنية وسياسية وإنسانية، فقد أيد ما رددته دوائر مصرية لتفسير تشددها الطارئ على الحدود مع السودان، وربما يقطع الطريق على تحركات تقوم بها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للتفاوض مع الحكومة المصرية لتسهيل دخول السودانيين والسماح بعبور مئات الآلاف منهم.
ويمكن أن يعرقل اعتراف عقار الذي مثل صدمة لجهات سودانية، طبيعة المهمة التي يقوم بها في المنطقة وبموجبها تم اختياره نائبا لرئيس مجلس السيادة بدلا من حميدتي، فقد أكد الرجل عجز الشق الدبلوماسي في الدولة التي فقدت الكثير من مقوماتها الحيوية، وبعد اعتزال أو عزل العديد من كوادرها وتجميد دور وزير الخارجية نفسه.
وأيدت تقارير سودانية ما ذهب إليه مالك عقار، انطلاقا من أن العالم يعرف حجم الانتهاكات التي ارتكبت بحق البلاد خلال عهد البشير، إذ تحولت الدولة إلى بؤرة جاذبة للكثير من المتطرفين من دول مختلفة، وتم استقبال الكثير من العناصر الإخوانية الهاربة من مصر عقب سقوط حكم الإخوان بفعل ثورة الثلاثين من يونيو 2013.
ولا يزال تاريخ السودان الحديث يحفل بالعديد من الروايات حول الكيفية التي كان يتم بها استقبال متطرفين من الشمال والجنوب والشرق والغرب، والتي أثارت غضبا لدى قوى مدنية لم يستمع إليها أحد في حينه، ما يمكن أن تظهر تجلياته في المدى المنظور.
وإذا كان نائب رئيس مجلس السيادة أقر واقعا معلوما لكثيرين، فإنه أيضا قدم للمجتمع الدولي دليلا إضافيا على المخاطر التي يمكن أن يواجهها السودان عندما ينتشر من يحملون جوازات صحيحة من المتشددين في أماكن مختلفة، وهو ما يقلل من مصداقية الوثائق الوطنية وحاجتها إلى إثباتات مضاعفة لتبديد المخاوف من أصحابها.
ودخل مجلس السيادة السوداني في مرحلة متقدمة من الارتباك بعد الحرب، أرخت بظلال قاتمة على الدفاع عن حقوق المواطنين الذين لا تتوافر لهم مقومات الحياة الأساسية في الداخل، وباتوا يواجهون تحديات ضخمة في الخارج، وتخيم على حقهم في السفر واللجوء إلى دول الجوار أجواء سلبية تعرقل رحيلهم وترحالهم، وأسهم الأداء الرسمي في تغذيتها على غرار ما اعتبره سودانيون بـ”فضيحة مالك عقار”.
أثبت اختيار عقار نفسه كنائب لرئيس مجلس السيادة عقم الخيارات المتاحة أمام الجنرال البرهان، حيث اختار رجلا لا يجيد الدبلوماسية ولم يتخل عن العقلية العسكرية التي يدير بها حركته المسلحة المعروفة بالحركة الشعبية لتحرير السودان، شمال، جناح مالك عقار، وأوكلت إليه مهام سياسية وإنسانية في مرحلة خطيرة من عمر البلاد، ومن الظلم التعويل عليه في تبييض وجه البرهان في مرحلة بالغة الحساسية.
المصدر: العرب
