أثار الرئيس التونسي قيس سعيّد جدلا واسعا بغيابه عن الظهور منذ بداية شهر رمضان المبارك، وسط أبناء عن تدهور وضعه الصحي، الأمر الذي طرح عددا من التساؤلات بشأن الوضع القانوني لمنصب رئيس الجمهورية.
والأحد، رفض وزير الصحة التونسي علي مرابط الإجابة عن سؤال وجّهه له الصحفيون يتعلّق بما يروّج حول صحة الرئيس سعيّد، الذي لم يظهر منذ 23 آذار/ مارس الماضي.
وتشير الصفحة الرسمية للرئاسة التونسية على “فيسبوك”، التي يعتمدها سعيّد في ظهوره الإعلامي، إلى أن آخر نشاط علني للرئيس التونسي يعود إلى أولى ليالي رمضان، حيث أدى صلاة التراويح في جامع الزيتونة في العاصمة، قبل أن يتجول في منطقة باب سويقة.
ونشرت الرئاسة التونسية عبر “فيسبوك”، مهاتفة سعيّد لأمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح في أول أيام رمضان، وإعفاء والي قابس، مصباح كردمين، من منصبه، وإحالته إلى التحقيق.
والأسبوع الماضي، أثارت وكالة “نوفا” الإيطالية، جدلا بعدما تحدّثت عن “إلغاء” الرئيس سعيّد لقاءً مبرمجاً مع المفوّض الأوروبي للاقتصاد باولو جينتيلوني، دون ذكر الأسباب.
وفي خطوة أخرى أثارت عديد الشكوك، قام وزير الخارجية، نبيل عمّار، باستلام أوراق اعتماد السفير البرازيلي الجديد، فرناندو جوزيه دي آبرو، في حين أن البروتوكول المتعارف عليه يتطلب أن يقوم رئيس الجمهورية بهذه المهمة.
الدستور الجديد
وأثار غياب الرئيس التونسي عن الظهور وأداء مهامه جدلا بشأن الوضع القانوني لمنصب رئيس الجمهورية، حيث تشير المادة 107 من الدستور، الذي أقره سعيّد في 25 تموز/ يوليو الماضي عبر استفتاء شعبي، إلى أنه “إذا تعذر على رئيس الجمهوّرية القيام بمهامه بصفة وقتية، يفوّض بأمر وظائفه إلى رئيس الحكومة باستثناء حق حل مجلس نواب الشعب أو المجلس الوطني للجهات والأقاليم (لم يُنتخبا بعد)”.
وأثناء مدة التعذر، تبقى الحكومة قائمة إلى حين زوال التعذر حتى وإن تعرضت إلى لائحة لوم، ويعلم رئيس الجمهورية رئيس مجلس نوّاب الشعب ورئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم بتفويضه المؤقت لاختصاصاته، بحسب المادة 108 من الدستور.
وبحسب المادة 109، فإنه “عند شغور منصب رئاسة الجمهورية لوفاة أو لاستقالة أو لعجز تام أو لأي سبب من الأسباب، يتولى فورا رئيس المحكمة الدستورية (لم تُشكل بعد) مهامّ رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما”.
ويؤدي القائم بمهام رئيس الجمهورية اليمين الدستورية أمام مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم مجتمعين، وإن تعذر ذلك، فأمام المحكمة الدستورية، فيما لا يجوز له الترشح لرئاسة الجمهورية ولو في حالة تقديم استقالته.
ويمارس القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة الوظائف الرئاسية ولا يجوز له اللّجوء إلى الاستفتاء أو إنهاء مهام الحكومة أو حلّ مجلس نواب الشعب أو المجلس الوطني للجهات والأقاليم أو اتخاذ تدابير استثنائية.
ولا يجوز لمجلس نواب الشعب خلال المدة الرئاسية الوقتية تقديم لائحة لوم ضد الحكومة، على أن يتم انتخاب رئيس جمهوّرية جديد لمدّة خمس سنوات، خلال المدة الرئاسية الوقتية.
ولرئيس الجمهورية الجديد أن يحل مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أو أحدهما ويدعو إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
المحكمة الدستورية
والمحكمة الدستورية أحدثها دستور 2014، الذي ألغاه سعيّد، تختص بمراقبة دستورية القوانين، لكن لم يقع تشكيلها من قبل مجلسي النواب (2014- 2019)، و(2019- 2024)، الذي حلّه الرئيس العام الماضي.
ويُعد غياب المحكمة الدستورية أحد الأسباب التي برر بها سعيّد إجراءاته الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو 2021، حيث أعلن حل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين (محكمة دستورية وقتية منذ 2014).
وتنص المادة 125 من الدستور الجديد على أن “المحكمة الدستورية تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر في محكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية في المحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات. ويَنتخب أعضاء المحكمة الدستورية من بينهم رئيساً لها، طبقاً لما يضبطه القانون”.
ويحصر الدستور الجديد صلاحيات المحكمة الدستورية في “الرقابة على دستورية القوانين، على عكس المحاكم الدستورية في القوانين المقارنة، التي تمثل مراقبة دستورية القوانين فيها جزءاً من العدالة الدستورية، عبر مراقبة بقية السلطات، وفرض احترامها للدستور”.
ويمنح الدستور الجديد سعيّد اختصاصاً لم يخوّله دستور 2014 للمحكمة الدستورية، حيث إنه سحب من رئيس البرلمان، في حالات الشغور النهائي في رئاسة الجمهورية، نيابة الرئيس وقتياً، حتى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومنحها لرئيس المحكمة الدستورية.
المصدر: عربي21