أقيمت يوم أمس الأربعاء الندوة الدورية لمنتدى السرد و النقد في صالون الإبداع بمقرة في الملازمين و التى تناول فيها بالنقد و التحليل المجموعة القصصية كافينول للكاتب و الطبيب المهاجر محمد مصطفى موسى .
و قدمت خلال الندوة أربعة أوراق نقدية قدمها كل من النقاد مصطفى الصاوى و الذي جاءت ورقتة بعنوان قراءة أولية في مجموعة كافينول و الأستاذ عز الدين ميرغني الذي قدم ورقة بعنوان التجريب و التجديد و الواقعية الجديدة في مجموعة كافينول و الأستاذ صديق الحلو الذي قدم ورقة بعنوان تراجيديا الغياب .. سرد الحياة في زمن متقلب و الأستاذ أبو طالب محمد الذي جاءت ورقتة بعنوان كافينول قراءة في تركيب البنية السردية .
و تعتبر مجموعة كافينول و التى صدرت في العام 2021م عن دار المصوارت في مائة و ثمانين صفحة حيث ضمت ثلاثة عشر قصة قصيرة و هي تعد الكتاب الثالث الذي يصدر عن المؤلف حيث سبقها في الصدور مجموعة أوراق و منضدة التى صدرت عن دار المصورات التى صدرت في العام 2018م تلاها كتابه الموسوم الأصداء العالمية للثورة المهدية الذي صدر أيضا عن دار المصورات للنشر في العام 2020م .
إبتدرت الجلسة بكلمة ترحيب قدمها الأمين العام لصالون الإبداع عبد الرحمن الشبلي والذى إعتبر أن إستضافة الصالون للمنتدى تعد فتحا كبيرا ، من ثمة قدم القاص و الكاتب صديق الحلو ورقتة النقدية المشار إليها سابقا مركزا فيها عن التقدم الملحوض في بنية السرد في هذة المجموعة مقارنة بالمجموعة الأولى للكاتب . منوها الى الجرأة في التجريب التى إنتظمت معظم قصصها و تساءل في ورقتة عن بطل القصة التى أخذ عنها عنوان المجموعة (عبد الكافي ضوينا عبد الكافي ) أو كما هو ملقب كافينول المولود بالرديف في مدينة كوستى في النيل اللأبيض حفيد عبد الكافي المحارب السابق في قوة دفاع السودان الذي حارب في الكفرة بليبيا و كرن بإريتيريا و العلمين في مصر هل هو مقاتل أم مرتزق ؟.
ووصف الأستاذ الحلو قصة كافينول و هي أولى قصص المجموعة بأنها قصة سياسية من الطراز الأول و عن قصة تراجيديا الغياب و هي القصة التاسعة في هذة المجموعة قال ” تعتبر من أمتع القصص في المجموعة و كان يمكن أن يسمى الكتاب بها لقوتها و براءتها ” .
وركز عز الدين ميرغني في ورقته التى قدمها بعد تهنئة الكاتب بصدور محموعتة الثانية قائلا أنها قامت على التجريب و رصد الواقع من الخارج من منظور مستقيم أو معكوس و بإسلوب خاص حيث أدخل الكاتب اللغة في معمله الخاص فجاءت كنسيج شعري متناغم و عبر عز الدين بأن اللغة في هذة المجموعة من أهم العناصر الأدبية و أن الكتابة بحد ذاتها ليست عملا إبداعيا فحسب بل نتيجة و تحصيل للمعرفة فأنت إن قرأت له تجد لغة مليئة بالمعرفة و هي لغة جديدة و بأساليب متطورة و تقنيات تعبير متفردة حيت أن الكتابة هنا ليست مجرد إبداع و إنما هي كتابة معرفة.
وحول قصة كافينول قال عز الدين ميرغني أن الكاتب قد إبتعد عن التقليد و المحاكاها و إنتهج إسلوبا متفردا واصفا لها بقصص الواقعية الجديدة بإبتعادها عن البناء التقليدي ، بداية _ وسط_ نهاية وقد إستفادت من تقنيات الحكي الشعبي و الأحاجي كما إستفادت من تقنيات اللصق والتقطيع و الإسترجاع و أن القصة المذكورة قد إقتربت من النفس الروائي بما فيها من تداعي حر و سرد مما يجعلها في مصاف قصص الحداثة .
و أشار عز الدين إلى أن دور الراوي في القصة لم يكن كراويا عالما على الإطلاق و بدلا من ذالك إستخدم الكاتب تقنية يمكن تسميتها بتقنية العهدة على الراوي حيث أن الراوي كان إما مراقبا أو مشاركا في الأحداث مما أعطاه حرية واسعة في التداعي و أضاف إن مما أثار إعجابي في هذة المجموعة محاولة تناولها لقضايا الجماعات المغمورة .
و كانت الورقة الثالثة مقدمة من الناقد أبو طالب محمد عبد المنطلب و تعرضت الورقة لمقاربة إسم المجموعة القصصية كافينول و الإسم التجاري للمركب الدوائي المعروف و أعادت تدويره في المجال ، وكما يستخدم المركب العلاجي لعلاج أعراض معينة من خلال مركبات طبيعية و كيميائية فإن المجموعة القصصية التى حملت ذات الإسم قد عالجت عبر تراكيبها الفنية قضايا إجتماعية و تاريخية و سياسية و فنية و أدبية و إعتمدت المعالجة على ما يعرف بالكتابه الملحمية و التى عرف بها الكاتب الألماني برتولد برخت في مجال الكتابة في للمسرح
وإستعرض الناقد أبو طالب كيف عرف عبد الكافي ضوينا كافينول نفسة تعريفا إجتماعيا و تاريخيا ثم إنبرى ليكشف زيف المؤسسة الدينية الرسمية متمثلة في شخص إمام المسجد في فضاء بيت العزاء و كيف يتعرض الكاتب في هذة المجموعة من خلال قصة هذة لعبتي لفضح حادثة معسكر العيلفون الشهيرة حيث إستخدم الكاتب إسلوب التقطيع بعكس ما حدث في القصة الأولى و التى إستخدمت إسلوب التناسل حيث إسترسل الكاتب في السرد دون أن يجعل بين أحداثها فواصل قطع معينة كالأرقام مثلا في قصة هذة لعبتى .
و في قصة أخرى مثل دندنات على وتر المنافي نجد أن الكاتب يستخدم تقنية بها نوع من الذكاء حيث تسرد القصة من خلال رسائل إلكترونية يبعثها يبعثها الشخص من أراضي المهاجر إلى شخص في أرض الوطن حيث تصور الرسائل أوضاع الراوي و كذلك أوضاع المهاجرين في المنفى و عبر سلسلة من الرسائل في أماكن مختلفة تحكي و تسرد قصص أشخاص و جنسيات مختلفة إختارت لنفسها مصير الهجرة .
ركزت الورقة النقدية الأخيرة التى قدمها الناقد مصطفى الصاوي على سعي الكاتب الواضح للتعبير عن جيل كامل في تلميعات سردية مختلفة و أن القصة عنده ليست عدد من الصفحات تقراء في وقت محدد بفدر ما هي تبيان حريص على توضيح صراع عميق بين ماضي و مستقبل مجتمع معين .
و ركزت الورقة أيضا على تقديم قراءة و إعطاء صورة عامة لبدايات القصص في مجموعة كافينول لإستكشاف مواقع البداية في كل قصة و كيفية تكونها و التعريف بأنماطها و أكدت على أن معظم البدايات في المجموعة جاءت عبر التعريف بالشخوص وإبتداء بعضها للتعريف عن أمكنة كما إستخدم الكاتب في بعضها ما يعرف بالبدايات التنبؤية و في وصف عام ذكرت الورقة أن القصة عند القاص محمد المصطفى موسى عادة ما تكون مجدولة من أكثر من قصة واحدة و هذا ما يضفي عليها ملمح الرواية .
و من جانب آخر فقد عبر المتداخلون عن سعادتهم بحضور المنتدي فقد قال الأستاذ أحمد قربين رئيس صالون الإبداع بعد ترحيبه بالضيوف أنها لفرصة كبيرة تلك التى وفرها منتدي النقد و السرد في تقديم مجموعة كافينول عبر منبر ( الصالون) .
كما عبر الأستاذ عمر القنديل متداخلا قرأت المجموعة بمتعة بالغة حيث إرتفعت أستار المسرح القصصي عن شخصية عبد الكافي بوصف بالغ الجمال .
و قال محمد نصر الدين لا أحب أن أتكلم عن الكاتب فهو أخ و زميل عمل و قد إطلعت على كتابية الأصداء العالمية على الثورة المهدية و أوراق و منضدة و هما يتميزان بإسلوب سردي ووصف دقيق .
و تحدث الأستاذ عبد الرحمن الحلو شاكرا الصالون و المنتدى لإتاحتهم الفرصة له بالإدلاء في موضوع أدبي ، و إختارت أن أتحدث عن القصة قبل الأخيرة في المجموعة (يا أيها النمل .. إخرجو من مخابئكم ) لما لها من علاقة بعلم التاريخ حيث تسرد القصة بعيون النمل بطولة المهدي و أنصارة أمام الغزاة المستعمرين و عن إنتصار معركة شيكان الشهيرة.
ختاما و في رد الكاتب محمد المصطفى موسى على سؤال لماذا يكتب عن قاع مدينة على شواطئ النيل الأبيض البعيدة و هو ابن مدينة أم درمان و من أين اتى بكل هذة المعرفة بقاعها و مجتمعها و إيقاع حياتها قال بعد تقديمه الشكر لمقدمي الأوراق و منظمي المنتدى قائلا أن القصة و السرد هما خليط من الفنون و أن له فنونه أيضا مثمنا ما قدموه من نقد ومن سبر لأغوار القصص ، وقال أنا لست ببعيد عن النيل الأبيض والدي من مدينة الكَوة و لم تكن كوستي و الرديف بغريبة علينا فقد كنت أسمع من أهلي و من ممن هم حولي الكثير عنها و قد زرتها مرة في حياتي لكنني عرفتها أيضا من خلال حكايات و قراءات و تخيلات كثيرة .
الجدير بالذكر أن الكاتب محمد المصطفى موسى من مواليد مدينة أم درمان و قد تلقى تعليمه في مدينة أم درمان و تخرج في كلية الطب بجامعة جوبا في العام 2005م و قد عمل طبيبا بأقسام الجراحة في مدن عديدة بجمهورية ايرلندا و يعمل حاليا نائب إختصاصي في طب الأسرة و المجتمع بالمملكة المتحدة و قد صدر له في العام 2018م أوراق و منضدة و هي مجموعتة القصصية الأولى كما صدر له كتاب الأصداء العالمية للثورة المهدية للعام 2020م و قد صدرت كلها من دار نشر واحدة وله إصدارة مشتركة مع مجموعة من الكتاب العرب باسم مرآة السرد و صدى الحكي كما له إسهامات مكتوبة و منشورة بالصحف و المواقع الإلكترونية .