مصلحة بایدن في مقترحه لوقف إطلاق النار في غزة
اقترح الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الجمعة خطة لوقف إطلاق النار في الحرب في غزة، تتضمن ثلاث مراحل: التفاوض على تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، تحقيق وقف دائم للأعمال العدائية، وإعادة بناء المنازل والمرافق العامة. دعا بايدن إسرائيل وحماس إلى قبول الصفقة فورًا والعمل بسرعة نحو حل كامل للصراع، مشيرًا إلى استثماره الشخصي في نجاحها ودفعه نحو وقف إطلاق نار طويل الأمد.
وفيما يتعلق بالمبادرة، وصف بايدن الاقتراح بأنه عرض إسرائيلي لحماس، إلا أنه قد يكون مبادرة أمريكية نُسبت لإسرائيل أو اقتراحًا من حماس أعيد تغليفه لجذب مؤيدي الحرب.
تعتبر الخطة بارزة لأنها تتناول المحركات الرئيسية للصراع وحلولها: إنهاء القتال، الإفراج عن المعتقلين، إخراج إسرائيل من غزة، القضاء على دوافع حماس للهجمات، وإعادة بناء القطاع. رأت حماس الاقتراح بإيجابية، بينما ردت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتبجح والغموض المعتادين، مشيرة إلى أنها ستوقف الهجمات وتغادر غزة فقط بعد تحقيق نصر كامل على حماس، رغم احتمال الإفراج عن الأسرى. وأوضح بايدن أن القوة العسكرية لحماس قد تضاءلت، مما يعني أن إسرائيل حققت هدفها ويمكنها الآن مغادرة غزة.
لكن لماذا غيّر بايدن ونتنياهو موقفيهما بعد تجاهلهما السابق لمقترحات وقف إطلاق النار الطويلة الأمد؟ ربما السبب هو اليأس؛ إذ تضررت سمعتهما ومواقعهما السياسية في خطر، مما يدفعهما للبحث عن حلول مبتكرة. يخشى بايدن خسارة الانتخابات في نوفمبر، بينما يخشى نتنياهو السجن بسبب الفساد من قبل محكمة إسرائيلية أو بسبب الإشراف على إبادة جماعية من قبل المحكمة الجنائية الدولية. يهدف بايدن إلى تحقيق الفضل في تعزيز السلام، على الرغم من دعمه المستمر لإجراءات إسرائيل في غزة على مدى ثمانية أشهر من خلال التمويل والتسليح والدعم الدبلوماسي، مما أكسبه لقب “جو الإبادة الجماعية”.
يواجه نتنياهو ضغوطًا متضاربة للبقاء في السلطة وتجنب العواقب القانونية. يتعارض اقتراح بايدن مع أجندة الحرب اليمينية المتطرفة في حكومة نتنياهو، حيث قدم نتنياهو وعودًا متناقضة لمجموعات مختلفة للحفاظ على السلطة، لكن خطة بايدن تقدم له مخرجًا محتملاً من مأزقه.
رغم مظاهرهما العلنية، ستواجه جهود بايدن ونتنياهو لدفع خطة السلام تحديات كبيرة. يتطلب حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مفاوضات تشمل العديد من اللاعبين ذوي الدوافع والاحتياجات المتنوعة عبر دول متعددة.
حل التوترات بين اللاعبين الرئيسيين أمر حاسم: الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية؛ بايدن ونتنياهو؛ نتنياهو والمتطرفون اليهود اليمينيون في حكومته؛ الحكومة الإسرائيلية والمواطنين الذين عارضوا أيديولوجيتها قبل 7 أكتوبر؛ الحكومة الإسرائيلية والمواطنين الذين يريدون إنهاء الحرب لتحرير الأسرى؛ بايدن وقاعدة الحزب الديمقراطي التي تطالب بتغيير موقفه الداعم لأفعال إسرائيل في غزة؛ بايدن وأولئك الذين يريدون استمرار الصراع؛ القيادة الأمريكية والداعمين العالميين لحقوق متساوية للفلسطينيين والإسرائيليين؛ الحكومة الإسرائيلية وحماس، التي تلبي أهدافها جزئيًا من خلال اقتراح بايدن؛ والحكومة الأمريكية وحماس، اللتين لا تزالان في حالة عداء.
إذا نجحت المرحلة الأولى من الخطة، ستتناول المفاوضات الصعبة قضايا مثل الحكم الفلسطيني في غزة، وضمانات الأمن، وحل القضايا الأساسية مثل اللاجئين الفلسطينيين، والاستيطان الصهيوني الاستعماري، والتعايش السلمي للسيادات.
أشار بايدن إلى أن حماس لم تعد قادرة على شن هجوم مثل الذي وقع في 7 أكتوبر، مما يشير إلى أن إسرائيل يمكنها إيقاف الحرب والخروج من غزة. قد تكون الولايات المتحدة تستعد للتعامل مع حماس في مرحلة ما بعد الحرب، كما فعلت سابقًا مع طالبان والفيت كونغ.
لتحقيق سلام دائم، يجب أن تكون حماس أو كيان مشابه جزءًا من الحكم الجديد في فلسطين، جنبًا إلى جنب مع الفصائل المستعدة للتعايش السلمي مع إسرائيل. يتطلب ذلك من إسرائيل والولايات المتحدة الموافقة بصدق على الحرية الكاملة وتقرير المصير للفلسطينيين، والتعايش السلمي مع الإسرائيليين في فلسطين التاريخية.
خطوة جريئة حقًا نحو السلام الدائم ستكون إذا اتبع رئيس أمريكي هذا المسار بصدق، وهي صفة يصعب تمييزها في الوقت الحالي.
أحمد هيثم