كشفت مصادر مصرية داخل الحركة المدنية الديمقراطية (أكبر كيان معارض داخل البلاد)، أن هناك خلافات داخلية كبيرة بين أحزاب وشخصيات الحركة بشأن الموقف من استمرار المشاركة في الحوار الوطني الذي دعا إليه رئيس النظام، عبد الفتاح السيسي، قبل نحو ثلاثة أشهر، حول أولويات العمل الوطني.
وأوضحت المصادر، ان هناك اتجاهان داخل الحركة؛ الأول يرى ضرورة المشاركة في جلسات الحوار الوطني، التي لم تبدأ بعد، لمحاولة الحصول على أي مكتسبات حتى لو كانت محدودة للغاية، ورغم تجاهل النظام للمطالب التي تحدثت عنها الحركة في بيان 8 أيار/ مايو الماضي”.
بينما يرى الفريق الثاني داخل الحركة المدنية “ضرورة المقاطعة، أو على الأقل تعليق المشاركة في جلسات الحوار الوطني، لحين استجابة السلطة لبعض المطالب التي رفعوها سابقا، لإثبات حسن نيتها وجديتها في إنجاح هذا الحوار، فضلا عن حالة الضبابية النسبية لمسار الحوار كلها، بحسب المصادر التي رفضت الإفصاح عن هويتها”.
فيما عبّرت المصادر عن “خيبة أمل معظم أحزاب وشخصيات الحركة المدنية من مجريات الحوار الوطني، وأسلوب تعاطي النظام مع تلك الخطوة، خاصة في ظل رفض إطلاق سراح عدد مُعتبر من المعتقلين وسجناء الرأي كبداية ضرورية قبل انطلاق الحوار الوطني”.
وكانت الحركة المدنية تقدمت، مؤخرا، بقائمة أولى شملت الإفراج عن 1074 معتقلا، بمن فيهم سجناء الرأي البارزون من قيادات الأحزاب وبعض النشطاء، لكن النظام ضرب عرض الحائط بتلك القائمة، ولم يفرج إلا عن أعداد أقل بكثير جدا مما جاء في تلك القائمة.
ولطالما قيل إن النظام في مصر بصدد الإفراج عن أعداد “كبيرة” من المعتقلين، وستكون هناك قوائم عفو رئاسية في مناسبات مختلفة، كان آخرها في 30 حزيران/ يونيو، وعيد الأضحى، إلا أن ذلك لم يحدث حتى الآن.
في هذا الإطار، تبحث بعض أحزاب الحركة المدنية خلال أيام تعليق وتجميد مشاركتها في جلسات الحوار، وهناك محاولات لاتخاذ قرار موحد داخل الحركة المدنية رغم صعوبة ذلك، وفقا للمصادر ذاتها.
اجتماع الحركة المدنية
من جانبه، أوضح المتحدث الرسمي السابق باسم الجبهة الوطنية للتغيير، سمير عليش، أن هناك اجتماعا هاما للحركة المدنية في وقت لاحق من اليوم الأحد، لحسم الموقف الأخير من الانسحاب أو المشاركة في الحوار الوطني”، مشدّدا على أن “الحركة المدنية لن تشارك في الحوار، إلا بعد تنفيذ المطالب التي أعلنتها سابقا، فلن نتراجع عن تلك المطالب”.
ولفت، في تصريح خاص لـ”عربي21″، إلى أن “المجريات العامة للحوار غير واضحة بالمرة، وبالتالي فنحن غير راضين عنها، خاصة أن النظام لم يفِ بوعوده بإطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين، بل إن الانتخابات العمالية التي أجريت خلال شهر أيار/ مايو الماضي جرى التلاعب الفجّ بها، وشابتها انتهاكات مختلفة”.
وفي 8 أيار/ مايو الماضي، أعلنت “الحركة المدنية” قبول دعوة السيسي إلى حوار سياسي، مُحددة 7 ضوابط قالت إنها يجب أن تتوفر في الحوار، وعلى رأسها أن يكون تحت مظلة مؤسسة الرئاسة، وأن يجري الحوار بين عدد متساو ممن يمثلون السلطة والمعارضة، وأن يكون الحوار بين شركاء متكافئين بلا مصادرة ولا مكايدة ولا تخوين، مشدّدة على ضرورة الإفراج عن كافة سجناء الرأي.
غموض بشأن موعد بدء الحوار
وتابع عليش، وهو أحد قادة التيار المدني في مصر: “حتى الآن لا نعلم موعد بدء الحوار الذي قالوا إنه سينطلق في الأسبوع الأول من شهر تموز/ يوليو الجاري، بينما نحن دخلنا في الأسبوع الثالث وليس الأول، والأجواء العامة غير مشجعة على المشاركة، وأصيب الكثيرون بخيبة أمل”.
وكشف مصدر بالأمانة العامة للحوار الوطني (مجلس الأمناء) لـ”عربي21″، في 2 تموز/ يوليو، أنه تقرر بشكل فعلي تأجيل انطلاق الحوار، وذلك على خلفية ما وصفه بالارتباك والتعثر والخلاف الذي يواجه إدارة الحوار، خاصة أنه لم يتم الانتهاء بعد من كل الاستعدادات والتجهيزات المتعلقة بهذا الأمر.
وتوقع عليش “عدم مشاركة الحركة المدنية الديمقراطية في جلسات الحوار في ظل المعطيات الراهنة على أرض الواقع، وهو ما سيمثل فشلا ذريعا للحوار الذي لن يكون له أي معنى حال انسحاب أحزاب وشخصيات الحركة”، مؤكدا أن “مصداقية وجدية النظام بشأن دعوة الحوار باتت على المحك، لكننا نرجو ألا تنتهي إلى مبدأ جورج الخامس يفاوض جورج الخامس”.
بينما أوضح عليش أن الحركة ربما لن تلجأ إلى الانسحاب الكامل من الحوار، بل قد تأخذ خطوات تدريجية، من بينها الانسحاب من عضوية مجلس الأمناء أو تعليق مشاركة بعض الأحزاب، وتصعيد لهجة الانتقادات، وغيرها من الإجراءات التي ربما تسبق قرار الانسحاب من الحوار كله.
واستطرد قائلا: “السيسي تحدث في قمة جدة عن أن الديمقراطية هي أساس الاستقرار، ونحن ننتظر تفعيل مثل هذا الكلام على أرض الواقع، لأن هناك هوّة كبيرة بين المعارضة والسلطة في ظل غياب الثقة. لذا هناك حاجة ماسة لجسر تلك الهوّة، واتخاذ أفعال حقيقية تكون جدية السلطة وتعاطيها المسؤول مع دعوة الحوار الوطني”.
استقالة أحمد الطنطاوي
بدوره، أعلن رئيس حزب الكرامة، أحمد الطنطاوي، استقالته من منصبه كرئيس للحزب، قائلا: “منذ هذه اللحظة لم يعد لي أي موفع بالحزب”، داعيا لعقد مؤتمر عام للحزب لاختيار رئيس جديد يوم 19 آب/ أغسطس المقبل، وذلك على وقع الخلافات المُشار إليه.
على إثر ذلك، كلّف رئيس حزب الكرامة المستقبل نائبه بكافة اختصاصاته ومسؤولياته، وذلك لحين انعقاد المؤتمر العام للحزب لانتخاب رئيس جديد.
وخلال الأسابيع الماضية، تراجع الإعلام المصري عن استضافة رموز المعارضة على شاشات القنوات المحلية.
واستنكر رئيس حزب الدستور والقيادي بالحركة المدنية، علاء الخيام، هذا الأمر، وقال: “لقد قاموا فجأة بإيقاف هذا الظهور النادر لأسباب لا نعلمها، واكتفوا باستضافة أحزاب الموالاة، وبالتأكيد هذا لا يصب في صالح الحوار الوطني”.
اقرأ أيضا: “حزب الدستور” المصري: لا نعلم موعد انطلاق الحوار حتى الآن
يأتي ذلك في ظل وجود توجه كبير وواضح لدى السلطة باستبعاد بعض الشخصيات، على رأسها رئيس حزب الكرامة السابق أحمد الطنطاوي، ورئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، ورئيس حزب المحافظين أكمل قرطام، وآخرين.
غضب واستقالات
من جهته، أعلن رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والقيادي بالحركة المدنية، مدحت الزاهد، أن “هناك حالة من الغضب أحدثها النكوص عن الوعود بشان إخلاء سبيل سجناء الرأي في عدة مناسبات”، موضحا أن حالة الغضب والإحباط امتدت إلى الأحزاب والمجال السياسي بشكل عام، ووصل الأمر إلى حد استقالات محدودة بين بعص أعضاء الأحزاب، وعلى الأخص من الشباب”.
وشدّد الزاهد، في تصريحات صحفية، على “وجود مطالب بتجميد المشاركة في الحوار إلى حين ظهور علامات جديدة، وذلك وسط حملة نقد حادة ضد القيادات التي دعت إلى اغتنام فرصة الحوار الوطني لمحاولة تطبيع الحياة السياسية والحزبية”.
وقال: “خلال أيام، سوف يجتمع المكتب السياسي لحزب التحالف لبحث مطالب تعليق مشاركتنا في الحوار إلى حين تحقيق الوعود، وذلك بعد التشاور مع الحركة المدنية، ومع استمرار تحضير الأوراق الخاصة بتوجيهاتنا التي نشارك بها إذا تحققت الأجواء المناسبة للحوار”.
في غضون ذلك، من المقرر أن تجتمع الأمانة العامة للحوار (مجلس الأمناء) للمرة الثانية يوم الثلاثاء المقبل، وأنه من المقرر تسمية رؤساء وأعضاء اللجان الأساسية للحوار.
وكان السيسي قد دعا في 26 نيسان/ أبريل الماضي، خلال مشاركته في حفل “إفطار الأسرة المصرية” السنوي، إلى إطلاق حوار بين القوى السياسية كافة، “دون تمييز ولا استثناء”، وذلك في دعوة هي الأولى من نوعها منذ وصوله إلى السلطة في صيف 2014، مُعلنا عن إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تشكلت أواخر 2016.
وحينها تباينت ردود الفعل من القوى السياسية المختلفة ورموز المعارضة في الداخل والخارج إزاء تلك الدعوة؛ بين التأييد والرفض والتحفظ المشروط، فضلا عن الترقب الحذر.
المصدر: عربي21