تسعى مصر أخيراً لفرض نفسها طرفاً رئيسياً فاعلاً ضمن التحركات الدولية والإقليمية الرامية للوصول إلى حل للأزمة السودانية، وذلك من منطلق تأمين مصالحها المشتركة مع الجار الجنوبي. وتتحرك عبر عدة مسارات، تأتي في مقدمتها آلية تجمع دول الجوار السوداني، التي انعقدت قمتها الأولى في القاهرة في 13 يوليو/تموز الماضي، وذلك بخلاف دعمها للجيش السوداني النظامي، حسبما أكدت مصادر خاصة لـ”العربي الجديد”.
وقالت المصادر المصرية إن القاهرة “لبت أخيراً، مطالب عاجلة تقدم بها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، لدعم موقف قواته في صراعها مع قوات الدعم السريع، بقيادة نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو (حميدتي)”.
وبحسب مصدر مصري مطلع على تفاصيل العلاقة بين القاهرة والبرهان، فإن رئيس مجلس السيادة “طلب دعماً لوجستياً وعسكرياً مصرياً، في محاولة لتعديل ميزان القوى على أرض الميدان، وذلك خلال زيارته الأخيرة لمصر في 29 أغسطس/آب الماضي، التي التقى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي بمدينة العلمين الجديدة، في أول زيارة خارجية له منذ اندلاع المواجهات في الخرطوم منتصف إبريل/نيسان الماضي”.
وكشف المصدر أن البرهان وقتها “أطلع الرئيس المصري على التفاصيل الدقيقة بشأن موقف قواته على الأرض، مؤكداً خلال زيارته، أن المسافة ليست بعيدة بين قواته وقوات الدعم السريع في الميدان، وهو ما يتطلب دعماً مصرياً، طالباً تزويد قواته بذخائر وطيران مسير للاستطلاع”.
وقال المصدر إن “الدعم المصري الأخير يهدف بالأساس لزيادة مساحة السيطرة الميدانية لقوات الجيش، مما يجعله صاحب الكلمة الأهم خلال عمليات التفاوض بشأن أية حلول للأزمة”. وأضاف أن “موقف القاهرة الراهن لا يمثل دعماً لشخص البرهان، بقدر ما هو دعم للمؤسسة العسكرية النظامية في السودان، التي تعول عليها القاهرة كثيراً بحكم ما يجمعها بها من علاقات، في الحفاظ على مصالحها”.
وكشف المصدر المصري أن “الشهر الماضي كان هناك استهداف متعمد لمصالح واستثمارات مصرية في السودان من جانب قوات الدعم السريع”. وقال: “إن الأمر تجاوز الصدفة، وبدا أن الاستهدافات تأتي ضمن عمل ممنهج، وحتى الآن لم ينس المسؤولون في القاهرة، ما حدث بحق القوات والطائرات الحربية المصرية في قاعدة مروي من جانب قوات الدعم السريع عند اندلاع المعارك”.
يأتي ذلك في الوقت الذي أكدت فيه الولايات المتحدة، الثلاثاء الماضي، أنها “تبذل جهوداً مكثفة في الوقت الحالي لحمل طرفي الصراع في السودان على وقف القتال”. وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إن الولايات المتحدة “تتواصل مع كل الأطراف في المنطقة وجيران السودان والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي والسعودية ومصر وإيغاد (الهيئة الحكومية للتنمية) لتوحيد الجهود والضغط على الجانبين لإنهاء الحرب”.
وأضافت: “قلنا بكل وضوح للأطراف في جميع أنحاء المنطقة إنه عليهم ألا يدعموا أيا من الجانبين في السودان في هذه الحرب غير المعقولة”. وفي السياق، اعتبر المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، محمد العرابي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أنه “ليس من الضرورة أن تستجيب مصر للضغوط الدولية أو الأميركية لوقف الدعم المقدم للدولة السودانية، بما فيها الدعم العسكري”.
من جهته، قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، لـ”العربي الجديد” إن “مصر تقدم دعماً في كافة الاتجاهات والمستويات للسودان، بحكم الروابط التي تجمع الطرفين، وبناء على طلبات مقدمة من البرهان للسيسي خلال الزيارة الأخيرة للعلمين، ربما يشمل ذلك الدعم العسكري للمجلس السيادي، ولكن لا يمكن الجزم بذلك، طالما لا يوجد إعلان مصري”.
وأضاف: “لا يمكن لأي طرف أن يضغط على مصر لوقف دعمها للسودان، طالما أنها تقدم الدعم للسلطات الرسمية، فمصر تعتبر السودان جزءاً أساسياً في أمنها القومي، بحكم الجغرافيا والتاريخ، وبالتالي من الواجب عليها الوقوف إلى جانب الدولة السودانية في وجه التمرد”.
أما الكاتب السوداني، فيصل يوسف، فرأى في حديث لـ”العربي الجديد” أنه “بالنسبة لمصر، فإن بين الدولتين علاقات تاريخية ومصالح عضوية تحتاج إلى المزيد من الاهتمام.
وتبرز أهمية زيارة مصر بأن كل القوى السياسية السودانية زارت مصر قبل البرهان، وهذا يشير إلى محورية الدور المصري، في الملفات السودانية المختلفة، لا سيما الصراع القائم”، مؤكداً أن “التطور السياسي الذي ستظهر توابعه في أعقاب جولة البرهان الخارجية، ستنعكس على الواقع العملياتي في الخرطوم، والذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى الوصول لاتفاق بين البرهان وحميدتي خلال الشهر المقبل”.
وشدّد يوسف على أن هناك “حديثاً سودانياً متزايداً عن إيجابية زيارة البرهان إلى مصر ودول أخرى، وانعكاسها على قوة موقف الجيش في مواجهة الدعم السريع، لا سيما في ظل فتح واجهة سياسية جديدة للمجلس السيادي في بورتسودان خلال الأيام الماضية، بالإضافة إلى استجلاب دعم للجيش والدولة السودانية خلال الجولة الخارجية للبرهان”.
من ناحيته، رأى مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، أحمد المفتي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “مصر هي أكثر دول العالم معرفة وتأثراً، بما يجري في السودان، وعلى الرغم من ذلك تم تهميشها، في المرحلة السابقة، وهي مرحلة الاتفاق الإطاري، على الرغم من أن عشرات الدول قد شاركت في تلك المرحلة. وبعد التوقيع على الاتفاق الإطاري، الذي اتضح فشله، اغتنمت مصر الفرصة وأثبتت وجودها بصورة رمزية من خلال عقد ورشة عمل للقوى السياسية السودانية، غير الموقعة على الاتفاق، ولكن من دون نتائج عملية”.
واعتبر المفتي أنه “بعد تعثر الجهود السعودية ـ الأميركية في إبرام اتفاقيات وقف إطلاق نار في مدينة جدة، بسبب عدم التزام الطرفين بها، تأكدت الدولتان بأن لا أمل في اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي بسبب احتمال استخدام روسيا والصين الفيتو، تحركت الولايات المتحدة للعمل من خلال الاتحاد الأفريقي وإيغاد، لكن السودان أحبط هذا التحرك”.
وأشار إلى أن مصر “لم تترك تلك الفرصة الذهبية تضيع منها، وعقدت مؤتمراً دولياً للجوار السوداني بالقاهرة، وبادرت الولايات المتحدة والسعودية وكل المسهلين الدوليين، مجبرين، للاعتراف بالجهود المصرية”.
المصدر: العربي الجديد