أخبار السودان:
من الواضح أن تركيز الحكومة وجهودها باتت منصبة على الخرطوم ، وتركت الولايات (تآكل نارا) ، فلوقدر لك أن تستمع لمواطن قادم من الولايات لبلغت من الحيرة ما بلغت ووقفت على حقيقة المعاناة التي تمشي على أربع.
أكد لي أحد الأصدقاء من الأبيض أنه إتصل بأسرته هناك وقال لهم إنه سيزورهم ليمكث بينهم أيام بغرض الراحة والاستجمام، فكانت دهشته بأن اهله لم يرحبوا به، مبررين ومعددين له الأزمات التي تراوح مكانها (ماء شرب ، وقود ، خبز) ، وزادوا عليه بأن كل لفافات الصبر قطعوها ولم تعد هناك أخرى تمكنهم تطويع حياتهم ، صاحبنا أدرك حجم اليأس والقنوط ، وإعتبر أن هذه الظاهرة ممتدة في كل الولايات وبالفعل هذه حقيقة لا تحتاج لسبر أغوار لاكتشافها.
مهما كانت حكومة حمدوك منشغلة بقضايا مركزية إلا أن تجاهلها للولايات سيؤثر عليها بشكل كبير ، ولعل سقوط البشير بدأ بالتذمر والسخط والغضب العارم للمواطنين في الولايات فخرجوا في عطبرة وبورتسودان وقبلهم انطلقت الشرارة من الدمازين.
والغريب وفي خضم هذه المعاناة أقرت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي الخميس زيادة سعر لتر البنزين من 127 إلى 150 جنيه، ولتر الجازولين من 115 إلى 125 جنيها، فضلاً عن رفع الدولار الجمركي من 20 إلى 28 جنيها.
الزيادات تؤكد إصرار الطاقم الاقتصادي على الرضوخ لتنفيذ إملاءات المقرضين والدائنين وبلغت في أسعار البنزين نسبة 23% والديزل بنسبة 8%، وإن كانت هذه الزيادة سياسات عامة لا بد منها ، فهي توضح أن الحكومة لا تكترث لنتائجها على ذوي الدخل المحدود والمنتجين، مع العلم أنها لا تسهم في ايجاد حلول رغم تصويرها وكأنها لا بديل لها.
قضايا مركزية… وفي المقابل زيادة ضريبة الجمارك بنسبة 40% بذات الذهنية التي تتهيب السيطرة على قطاع المعادن وانفاذ البورصات وتأهيل شركات المساهمة العامة والقطاع التعاوني واصلاح الجهاز المصرفي واسترداد أموال المودعين المنهوبة وتولي الدولة مسؤولية توفير السلع الأساسية “القمح والمحروقات والدواء” تعني الانكماش والتضخم.
كان الأجدى إصلاح النظام الضريبي واتباع أسلوب الضرائب النوعية والتصاعدية وفي قلب ذلك اصلاح ضريبة الاتصالات لتكون على أرباح الأعمال وبما لا يقل عن 60% كما هو حادث في دول الإقليم عوضا عن 7% على المبيعات.
عموما نعود إلى موضوعنا ولكن هذه السياسات ليست منفصلة عنه فالزيادات في الخرطوم ليست كما هي في الولايات وقد تصل إلى أضعافها ، وفي ذلك تجفيف لمناطق الانتاج ومواصلة الهجرة العكسية من الريف نحو المدن ونحو العاصمة التي إبتلعت دولة بأكملها، ستشفط الخرطوم كل سكان الولايات وجيوش الحركات يجب أن تدرك حكومة الثورة أنها حتى الآن تواصل في ذات سياسات النظام البائد، وتسحب الريف من مراقده المتبقية نحو المدن وتدفع المدن قسرا نحو العاصمة فلقد باع أرباب الصناعة والتجارة أملاكهم، ورحلوا إلى العاصمة.
قضايا مركزية.. طبعاً كثير من الناس يبررون بأن الامكانيات تقف حائلاً أمام الحلول ولكن صدقوني أموال الشركات الرمادية والتي حازت عليها المليشيات في غفلة من الزمان كافية لتحقيق تنمية بالولايات.
الجريدة