في اليوم التاسع والعشرين من يونيو الماضي، حطت أجنحة الحرب على مدينة سنجة بولاية سنار، بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع المدينة إثر قصف مدفعي وجوي مدمر، تاركةً وراءها مدينة غارقة في الظلام.
ومع انقطاع الكهرباء، توقفت عجلة الحياة تمامًا، فأصبح المواطنون معزولين وكأن العالم الخارجي قد أُغلق أمامهم، وغدا التواصل بين الناس مجرد حلم بعيد.
في حين أصبحت الهواتف المحمولة بمثابة طوق نجاة، ليس فقط للتواصل، بل أيضًا لتحويل الأموال من المغتربين، وهي الشريان الذي يغذي الأسر ويمنحها بصيصًا من الأمل.
لكن مع غياب الكهرباء، تحول شحن الهواتف إلى معضلة يومية تعاني منها كل أسرة في مدينة سنار، ما دفع السكان إلى البحث عن أي مصدر للطاقة، ولو كان ذلك عبر الأفران ” المخابز “، حسبما أكد الصحفي نصر الدين عبد القادر الذي نزح إلى المدينة منذ عدة أشهر، فارًا من جحيم الحرب في الخرطوم.
الأفران.. نقطة التجمع والنجاة
فمنذ ساعات الفجر الباكرة، يصطف الناس حاملين أجهزتهم وشواحنهم في انتظار فرصة شحنها أمام الأفران.
إذ تحولت تلك الأماكن التي كانت سابقا مصدرًا لرغيف العيش، إلى محطة أساسية لتغذية هواتفهم بالطاقة.
مع ذلك، يضع نقص الوقود مزيدًا من الضغوط، إذ يضطر البعض إلى قطع مسافات طويلة بحثًا عن فرن يعمل.
ورغم الظروف القاسية، بدا أن السكان قد اعتادوا على هذا الوضع، حيث أصبحت تلك الطوابير أمام الأفران مشهدًا يوميًا.
الفلافل والخبز
في الوقت ذاته، تحول الانتظار الطويل أمام المخابز إلى فرصة لمزيد من التبادل التجاري، إذ انتعشت مبيعات الفلافل والخبز على الرغم من تضاعف الأسعار، حيث وصل سعر الرغيف إلى 200 جنيه سوداني أي مايعادل 60 سنتا أمريكيا تقريبًا مما أضاف عبئًا آخر إلى كاهل المواطنين.
لكن هذه الحلول المؤقتة لم تأتِ دون مخاطر، فالمولدات الكهربائية الرديئة التي يعتمد عليها البعض شحنت الهواتف بثمن باهظ، حيث أدى التيار غير المستقر إلى تلف العديد من البطاريات.
لكن رغم ذلك، لم يكن أمام الناس من خيار سوى الاستمرار في هذه العملية رغم المخاطر، وباتوا بين نارين: البقاء على اتصال بالعالم أو فقدان هواتفهم.
مدينة مظلمة
إذ يتجول العديد من السودانيين ليلًا ونهارًا، بحثًا عن بصيص أمل، عن فرن أو مؤسسة تتيح لهم شحن هواتفهم وإعادة الحياة إليها مرة أخرى.
لاسيما أن انقطاع التيار الكهربائي لم يقتصر على مشكلة شحن الهواتف فقط، بل ضرب كل نواحي الحياة في سنار والقرى المحيطة.
إذ توقفت الثلاجات عن العمل، وتعطلت الأجهزة الكهربائية التي كانت جزءًا من الروتين اليومي، لتعيد الحياة في المدينة إلى ما قبل عصر اكتشاف الكهرباء.
أما اللحظات النادرة التي يعود فيها التيار الكهربائي إلى السوق أو المستشفى، فتشكل محطة تهليل من الناس وكأنهم استعادوا جزءًا من حضارتهم المفقودة.
كيف تنتشر الشائعات؟
إلى ذلك، ومع غياب وسائل الإعلام التقليدية بسبب انقطاع الكهرباء، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي النافذة الوحيدة للمعلومات، لكنها شكلت أيضًا بابًا واسعًا لانتشار الشائعات. إذ في غياب المصادر الموثوقة، انتشرت الأخبار المضللة كالنار في الهشيم، وصارت الحكايات الخيالية تُتداول في الأسواق والمجالس، حيث يقسم البعض بصدقها قبل أن تتكشف الحقيقة لاحقًا، تاركةً خلفها حالة من الإرباك والتشتت.
يشار إلى أن مدينة سنار، تقع جنوب شرق السودان على بعد حوالي 300 كيلومتر من العاصمة الخرطوم، وتعد مهدًا لأول دولة إسلامية موحدة في السودان (1504-1821م).
كما جعلها موقعها الجغرافي جسرًا يربط بين وسط البلاد وجنوبها الشرقي، الذي يسيطر عليه الجيش.
كذلك تتميز ولاية سنار التي تحمل اسم المدينة نفسها بمشاريع زراعية ضخمة تعتمد على الري من خزان سنار، أحد أكبر وأقدم السدود في السودان، الواقع على ضفاف النيل الأزرق، ما يجعلها منطقة زراعية مهمة على الرغم من الأزمات المتلاحقة
ومنذ أواخر يونيو الماضي، تعاني تلك الولاية من أوضاع إنسانية كارثية بسبب الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
كما تسببت الاشتباكات الأخيرة في نزوح حوالي 726 ألف شخص، وفقًا لتقارير المنظمة الدولية للهجرة، ما جعل عدد النازحين في سنار يفوق المليون، إذ كانت الولاية تستضيف بالفعل أكثر من نصف مليون نازح قبل اندلاع المعارك.
المصدر: العربية نت