منذ اعفائه من منصبه بوزارة الصناعة والتجارة، في حكومة رئيس مجلس الوزراء الأولى، في فبراير 2021م، ظل مدني عباس مدني، بعيداً عن الأضواء، بعد أن ملأ المشهد السياسي جدلاً كثيفاً، فيما يتصل بملف التجارة والقمح.
لينخرط بعدها في المساهمة مع رفاقه بالحرية والتغيير في إدارة الملف السياسي، الذي تعقد في اعقاب انقلاب العسكريين على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر من العام الماضي، مدني يعمل في صمت، للحد الذي جعل البعض يظن أنه بعيد عن العمل السياسي، وهو قريب منه وفعال.
(الحراك السياسي)، أجرت حواراً مع مدني، تحدث فيه حول عدد من القضايا في الراهن السياسي، وقدم اجابات وقراءات حول مآلات الأوضاع في البلاد بعد انقلاب 25 أكتوبر، والخطوات التي من شأنها استعادة الانتقال الديمقراطي لمساره.
حوار: مهيبة محمد بيّن
بداية كيف تقرأ الراهن السياسي ؟
اربك انقلاب 25 اكتوبر الواقع السياسي في السودان وقام بتعقيده، فقد أجهض الانقلاب مسار الانتقال الديمقراطي الذي بدأ منذ ابريل ٢٠١٩ , لم ينجح الانقلاب في اخضاع المقاومة الشعبية له، ولكنه في المقابل عطل مشروع الانتقال الديمقراطي ، وعلى ما يبدو عليه الانقلابيون من ضعف سياسي وعزلة من المؤسسات الدولية إلا أنهم استفادوا من عدم توحد القوى المقاومة للانقلاب (قوى التحول المدني الديمقراطي)، ويعمل الانقلاب على خلق وضع سياسي جديد بحيث يتحكم هو وحواضنه السياسية والاجتماعية التي يخلق فيها من تنظيم الإسلاميين، والقيادات الأهلية والاجتماعية المنتفعة وأحزاب التوالي.
والان يمضي الى تخفيف القيود الدولية عليه عبر المضي الى انتخابات متحكم في نتائجها تكسبه بعض الشرعية، وبالمقابل فإن قوى مقاومة الانقلاب على الرغم من وجود المشاركات بينها الا أن تجربة السنوات الثلاث السابقة خلقت حالة من عدم الثقة بينها ، والمطلوب هو توحد قوى المقاومة المدنية الديمقراطية فذلك أقصر الطرق للإطاحة بالانقلاب.
قوى المجتمع المدني التي تنتمي لها بعيدة عن الشارع ؟
على الرغم من الدور المهم الذي لعبته قوى المجتمع المدني بمفهومها الواسع ، والدور الذي لعبه تجمع القوى المدنية إبان الثورة وعقب سقوط البشير الا أن أداء المجتمع المدني بشكل عام لم يكن بمستوى الطموح في الفترة الانتقالية، وقد كان من المعول عليه بحكم المعرفة والموارد المتاحة له أن يلعب دوراً أكبر في تحصين الانتقال الديمقراطي ، وفي الارتباط بالشارع السوداني .
رؤيتك لحل الأزمة السياسية ؟
الأزمة السياسية هي نتاج انقلاب 25 اكتوبر ، ونتاج تآمر الإسلاميين على الانتقال الديمقراطي، ونتاج حرص القادة العسكريين على السيطرة السياسية والاقتصادية ، ونتاج تدخل محاور إقليمية ودولية معادية للانتقال في السودان ، وايضا نتاج ابتعاد القوى السياسية والمدنية عن حركة الجماهير، حل الازمة السياسية بالضرورة يقتضي اسقاط الانقلاب وخلق مسار انتقال ديمقراطي جديد، تبتعد فيه المؤسسة العسكرية عن لعب أدوار اقتصادية أو سياسية ، ويتم التأسيس لجيش مهني وقومي موحد ، والعمل على تفكيك بنية نظام الثلاثين من يونيو ، وقيام القوى السياسية والمدنية بأدوارها في تمكين الفضاء المدني والسياسي.
برأيك كيف السبيل لاستعادة المسار الديمقراطي ؟
توحد قوى مقاومة الانقلاب والمنادين بالتحول المدني الديمقراطي هو العتبة الأساسية لبلوغ هذا الهدف ، وحدة مبنية على تصور للانتقال الديمقراطي وقد طرحت المواثيق المختلفة سواء من لجان المقاومة أو غيرها أساسا جيدا يمكن البناء عليه ، أيضا من المهم تطوير وتنويع ادوات العمل المقاوم لاسقاط الانقلاب ، وهذا يقتضي اضافة ادوات أخرى للعمل الميداني الحالي وصولا لمرحلة الاضراب السياسي والعصيان المدني الشامل ، يقتضي تطوير أدوات العمل الإعلامي المقاوم في ظل استفادة الانقلابيين من أدوات الدولة الإعلامية ومن جهات إقليمية داعمة ومن شركات دولية متخصصة في العبث بالرأي العام وتضليله ، كما يتطلب الأمر تطوير العمل الخارجي والتواصل مع الدول والمؤسسات لعزل الانقلاب العسكري والضغط عليه ،والخطوة الأولى والأهم هي توحيد قوى المقاومة.
البرهان وحميدتي أعلنا صراحة زهدهما في الحكم وإفساح المحال للمدنيين .. كيف تقرأ ذلك ؟
لا يمكن بعد تجربة القادة العسكريين منذ ابريل ٢٠١٩ والتي تميزت بالمناورة وعدم الجدية في الانتقال الديمقراطي النظر لحديثهما بجدية، ويقصد البرهان وحميدتي برسائلهما المجتمع الدولي وهما على الاختلافات التي تحدث بينهما تجمعهما الرغبة في التحايل على مسار الانتقال الديمقراطي ، هما لم يكونا ولن يكونا زاهدين في السلطة هذه خطابات مناورة من أجل اظهار المدنيين بالجهة غير المساعدة أو الراغبة في التحول الديمقراطي ، يرغب القادة الانقلابيون في الانتقال لمرحلة سياسية جديدة عبر الدعوة لانتخابات بحجة الاختلاف السياسي ، انتخابات مسيطر عليها بالكامل كما يتم في كل الأنظمة الاستبدادية ، التقط الشارع السوداني مرامي وحيل خطابات البرهان وحميدتي وبالتأكيد لن ينجح مسعاهما في تخطي ورطة انقلابهما.
أين مدني عباس ..وماذا يعمل ؟
اساهم كغيري من أبناء الوطن في مقاومة انقلاب ٢٥ اكتوبر والعمل على اسقاطه من خلال الأنشطة السياسية والمدنية المختلفة، إذا كان سبب السؤال هو عدم الظهور الإعلامي أو بالادق قلة الظهور الإعلامي مقارنة بالسابق، فذلك شيء طبيعي فعقب الثورة كنت الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير، وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية الأولي كنت وزيراً بها وكل ذلك كان يستدعي ظهوراً اعلامياً مكثفاً، اشارك أيضا بالكتابة شبه المنتظمة في وسائل التواصل الاجتماعي ، واشارك في ندوات على أرض الواقع واسفيرية ، أنشط في مجال المجتمع المدني في الإطارين المحلي والإقليمي ولكن اظن قضيتي الرئيسية التي اهتم بها كما هو حال بقية السودانيين العمل على استعادة المسار الديمقراطي.
ماذا وراء الغياب الطويل من المشهد السياسي ؟
لا اظن أن هنالك غياباً عن المشهد السياسي، عقب مغادرتي التشكيل الوزاري في فبراير ٢٠٢١ عملت مباشرة في المجلس المركزي للحرية والتغيير وحتى خروج كتلة تجمع القوى المدنية من الحرية والتغيير في يناير ٢٠٢٢، عقب الانقلاب، وظللت مشاركاً بشكل متواصل في الأنشطة السياسية حتى تاريخ هذا اللقاء، قد يكون بمساحات ظهور اعلامي أقل ، ولكن بدون ابتعاد عن العمل السياسي المقاوم بالتأكيد.
المصدر: الحراك السياسي