مبادرة التطبيع : الزيارات السرية لن تسهم في تطوير العلاقات بين البلدين
استاذة علاقات دولية : الزيارات الأخيرة ليست لها علاقة بقواعد البحر الأحمر
سفير : إسرائيل ضمن الخيارات المهمة لعلاقاتنا الخارجية وقرار التطبيع لا يمكن أن تتخذه حكومة انتقالية
أمين إسماعيل : إسرائيل موجودة في أكثر من 75 جزيرة بالبحر.. والزيارات للحصول على معلومات
قبل 56 عاماً، استضافت الخرطوم قمة عربية طارئة عُرفت بقمة “اللاءات الثلاث” ـ لا سلام لا اعتراف لا تفاوض مع إسرائيل، إلا أن حُكام الخرطوم الجدد انضموا إلى “اتفاقية ابراهام” التي صاغتها واشنطن في يناير من العام 2021م بعد سلسلة من الاتصالات والمحادثات التي شاركت فيها الخرطوم وتل أبيب، وجرت بوساطة أمريكية وإماراتية مكثفة.
واحتلت الخرطوم مكانة بارزة في “عقيدة المحيط” الإسرائيلية التي تبلورت في الخمسينيات، وتسارعت خطى تل أبيب لتطبيع العلاقات مع السودان مؤخراً.
وكشف متحدثون لـ(اليوم التالي) عن أن الزيارات السرية بين الخرطوم وتل أبيب تريد من ورائها الحصول على معلومات عن تنظيمات كانت موجودة في البلاد، ومساعدات قدمت لتنظيمات فلسطينية، وعن تصنيع كان في السودان لدولة إيران، وقطع المجلس المركزي للحرية والتغيير بأن حكومة حمدوك لم تطبع ولم تذهب إلى إسرائيل؛ إنما المكون العسكري قام بكل الأشياء سراً ، وقام الجانبان بـ(6) زيارات سرية منذ إعلان اتفاق التطبيع في العام 2020.
الحصول على معلومات
اسرائيل استغلت ظرف السودان، وقامت بزيارات أمنية تريد من ورائها الحصول على معلومات عن تنظيمات كانت موجودة في البلاد ومساعدات قدمت لتنظيمات فلسطينية، وعن تصنيع معين كان في السودان لدولة إيران، هكذا علق خبير العلاقات الدولية والشؤون العسكرية أمين اسماعيل، وأضاف.. هذا سبب الزيارات السرية المتبادلة التي تفصح عنها اجهزة الإعلام الاسرائيلية وقال لـ(اليوم التالي) إن التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب لم يصل إلى المستوى الرسمي، سياسي ثقافي او اجتماعي أمني، وما حدث من لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتنياهو والبرهان عبارة عن اتفاق على التطبيع، وحققت إسرائيل من خلاله مكسباً لعبور طيرانها الأجواء السودانية، وحول تداعيات الزيارات على المشهد السياسي يرى اسماعيل أن بعض الشخصيات في المشهد تعتمد على اسرائيل لاستقطاب الدعم والتقنيات الغربية، علاوة على فتح قنوات مع المحيط الإقليمي والدولي للحصول على اعتراف دولي لأي تشكيل حكومي مرتقب.
اندماج في المجتمع الدولي
وفي السياق ذاته.. أوضح خبير العلاقات الدولية أن الزيارات بين الجانبين لها حوالي عام ونصف مستمرة، وليست لها علاقة مباشرة بما جرى في روسيا، وأن إسرائيل لا تريد البحر الأحمر وليست بحاجة للساحل، مبيناً أنها موجودة في أكثر من 75 جزيرة بالبحر، وأن العلاقات الديمغرافية التي تربطها مع الفلاشا، يتم التعامل معها عبر القناة الإثيوبية، وطبقاً للخبير فإن الدول التي أقامت علاقة مع تل أبيب تسعى للاستفادة من التسهيلات التي يمكن أن يقدمها اللوبي اليهودي في الإدارة الأمريكية، علاوة على أن بعض الدول تبحث عن دور إقليمي في القضية الفلسطينية وتساعد في حلها، ويبحث السودان عن الدخول والاندماج في المجتمع الدولي عبر إسرائيل، واستشهد على ذلك برفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب التي اشترطت حينها الولايات المتحدة التطبيع مع إسرائيل، وعن القمة التي عقدت في إسرائيل بين دول التطبيع واسرائيل بحضور الولايات المتحدة قال أمين إنها قمة خاصة للتنسيق للخطوات القادمة في الشرق الأوسط بعد الحرب الروسية الأوكرانية، وبعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران وأن دول الخليج لها تحفظات فتم جمعها، مشيراً إلى أن الأردن و السودان لا يدخلان في هذه الملفات وليس لهما تأثير؛ لذلك لم تتم دعوتهما.
توطيد علاقة
فيما قال القيادي بالحرية والتغيير – المجلس المركزي المعز حضرة: إن الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك لم تطبع ولم تذهب إلى إسرائيل إنما المكون العسكري سراً قام بكل الأشياء، وأبان أنه لايملك الحق لجهة أنها أمور تتعلق بمصالح واستراتيجيات يجب أن تتم عبر حكومة منتخبة وفق تصريح حمدوك، وقال حضرة في إفادة لـ(اليوم التالي) إن المكون العسكري يريد توطيد علاقته مع تل ابيب من أجل تشكيل حماية له ضد المجتمع الدولي، واعتبر ذلك ضد مصالح السودان ولا يخدمها، وشدد على ضرورة أن تتم عبر حكومة مدنية، وتعلن للجميع وليس عبر المكون العسكري.
علاقة طبيعية
وفي الاتجاه ذاته يقول الأمين العام لمبادرة التطبيع مع إسرائيل نجم الدين آدم دريسة:- إنه لا يوجد مانع من خلق علاقة طبيعية بين الخرطوم وتل أبيب بعد حدوث تحولات كبيرة في الشرق الأوسط؛ فضلاً عن أن السودان ليس دولة مواجهة، في ظل بحث اسرائيل عن حلفاء لها في المنطقة، ووفقاً لدريسة في حديثه لـ(اليوم التالي).. إن السودان وقع ضحية الإعلام العربي الذي بث مفاهيم غير صحيحة في ظل الأنظمة الأيدلوجية بحسب حديثه، وأشار إلى أن رغبة الشعب في التطبيع نتيجة لاختلاف الوضع بعد الثورة، ولكن ليس بالصورة الحالية التي يقوم بها المكون العسكري، وأضاف.. أي دولة تتعامل مع الانقلاب فهي ضد الشعب السوداني، وطبقاً للأمين العام لمبادرة التطبيع؛ إن الزيارات السرية المتبادلة بين الجانبين لن تسهم في تطوير العلاقات. وأردف.. العسكريين غير مؤهلين للتعاطي مع المشهد الحالي، وليس لهم القدرة على الاختراق ولعب أدوار، والحديث عن خلق علاقة مع إسرائيل يضيف في المشهد السياسي، حديث غير صحيح.
مصالح ضيقة
ومن جهتها تقول أستاذة العلاقات الدولية بمعهد الدراسات الدبلوماسية جامعة الخرطوم د. تماضر الطيب إن الزيارة السرية التي تتم بها مصالح ضيقة؛ تعود للجهة التي قامت بالزيارة، وما يحدث بين السودان وإسرائيل مؤخراً علاقات استخباراتية وأمنية ليست لها علاقة بقواعد البحر الأحمر سيما وأن الدور الإسرائيلي في البحر تقوم به الولايات المتحدة لأن حمايتها من مصالحها في المنطقة، وبحسب الطيب في حديثها لـ(اليوم التالي) فإن هناك خلطاً بين سياسة المجموعة العسكرية الحاكمة في علاقاتها مع اسرائيل، وأكدت عدم استفادة الدول التي أقامت علاقة مع إسرائيل، وقالت: لا يوجد تبادل مصالح، إنما المصالح تعود لإسرائيل فقط.
خيارات مهمة
وفي الاتجاه ذاته.. اعتبر رئيس رابطة السفراء المعاشيين؛ السفير عبدالوهاب الصاوي؛ إسرائيل ضمن الخيارات المهمة لعلاقات السودان الخارجية، ولا يمكن أن تتخذ القرار فيها حكومة انتقالية محكومة بصلاحيات و فترة حكم محددة، سيما وأن الأوضاع قد تغيرت في العالم العربي منذ لاءات الخرطوم الثلاثة، وأصبحت لإسرائيل علاقات رسمية مع الفلسطينيين و سفارات ببلدان عربية، ووفقاً للسفير في تصريح خص به (اليوم التالي)، إن السياسة الخارجية تسعى لتأسيس علاقات مصالح متبادلة، وأن السودان يؤسس خلال الفترة الانتقالية لسودان جديد يمنح الشعب حرية اتخاذ القرار لا اتخاذه من قبل النخب نيابة عنه، وقال إن تثبيت فكرة حل قضايا السودان الكبرى بالخارج بيد أمريكا والمانحين من دول وبنوك في الرأي العام أول ما فعلته النخب بعد الثورة، بالإضافة إلى مخاطبة رئيس الوزراء الأمم المتحدة لإرسال بعثة لحماية الانتقال فى السودان، الأمر الذي قاد إلى سباق وتكالب الأطراف في البلاد على قضية التطبيع مع إسرائيل، والبحث عن مزيد من القوة فى التوازنات بين الأطراف .
إرضاء رافضين
وأشار الصاوي إلى أن لقاء عنتبي؛ بين الفريق أول البرهان ونتنياهو، كان ضمن عمليات تفكيك الصلاحيات لمؤسسات الانتقال وتحويل صلاحيات تنفيذية إلى المؤسسة، يفترض أن تكون سيادية قومية الطابع والأداء ، وأكد أن الاتصالات والزيارات السودانية و الإسرائيلية أصبحت عادية بسبب التكرار الفعلي والنشر الإعلامي الخجول، وأرجع تكثيف الزيارات لإسرائيل وسريتها، لإرضاء رافضين فى السودان، و علنية لإرضاء الناخب فى إسرائيل، لجهة أنها بفعل ضغوط خارجية ومصالح أمنية خليجية ودولية لها تأثيرها في تحالفات السلطة الحالية في البلاد، وقال إن إضعاف السودان بعدم مشاركته في القمم المهمة، فعل قديم ومستمر وأنه أمرٌ مرتب وقائم من دول الجوار وأصحاب النفوذ العالمي، سيما وأن تأثير السودان خطير في حال سمح له بأن يكون فعالاً في المنطقة.
تطور ومفاجآت كبيرة
وبحسب المحلل السياسي الفاتح محجوب فإن العلاقات بين السودان وإسرائيل ستشهد تطوراً، وقد تحدث مفاجآت كبيرة خلال الأيام القليلة القادمة وفقاً لما صرح به الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقال إن ما يجمع بين السودان وإسرائيل رغبته في المضي قدماً في دعم خيارات الدول الخليجية المطبعة، سيما وأن العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل تتطور وفق منظور المصلحة المشتركة والخوف من النفوذ المتزايد لإيران عسكرياً وسياسياً في الشرق الأوسط، فضلاً عن الاستفادة من إسرائيل في مجال تقنيات الزراعة والتعاون في الصناعات العسكرية، وأيضاً الاستفادة من نفوذ إسرائيل في أمريكا لدعم موقف السودان في المنظمات الدولية لضمان إعفاء ديونه والحصول على دعم مالي تنموي من الغرب والمنظمات المالية الدولية.
استثمار زراعي
بينما اعتبر استاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين مصعب محمد التنسيق الأمني والاستخباراتي وراء الزيارات المتبادلة بين السودان وإسرائيل، بالإضافة لرغبة إسرائيل في الاستثمار الزراعي في السوداني، وأن الزيارات لوضع الترتيبات النهائية للمشاريع، ونوه إلى تأثير الزيارات على المشهد السياسي عبر منع وعدم إتاحة الفرصة لصعود القوى المناهضة لإسرائيل؛ لسدة الحكم وستواجه تضييقاً في العمل السياسي مستقبلاً، وأوضح لـ(اليوم التالي) أن الدول التي أقامت علاقة مع إسرائيل لم تحقق مكاسب؛ لجهة أن علاقات بعضها اتخذ جانباً دبلوماسياً فقط، ولم يكن هناك تبادل تجاري واستثماري بينها، وأكد أن حكومة حمدوك السابقة لم تتخط في العلاقة مع إسرائيل انتهاج سياسة خارجية، وأن الملف لم يأخذ طابع الوضوح العلني، رغم الحديث الدائم عن أنه لابد من وجود مجلس تشريعي يقرر العلاقة.
زيارات سرية
وقد كانت أول زيارة سرية بين الخرطوم وتل ابيب في نوفمبر 2020 بعد إعلان الاتفاق، وفي يناير 2021، اتفقت الخرطوم وتل أبيب على تبادل فتح سفارات بأقرب وقت، خلال زيارة أجراها وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين إلى العاصمة الخرطوم، وفي أكتوبر 2021، زار وفد سوداني عسكري إسرائيل في زيارة سرية، وشهد العام الجاري أربع زيارات سرية بين البلدين 2022، آخرها مطلع ابريل الحالي لإجراء مباحثات مع القادة العسكريين والأمنيين السودانيين، وذلك استمراراً لسلسلة لقاءات دأبت الخرطوم وتل أبيب على تنظيمها منذ لقاء رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي الأوغندية فبراير 2020، وأعقبه تفاهم حول توقيع السودان على اتفاق ابرهام في 6 يناير 2021، وإعلان تطبيع العلاقات مع إسرائيل الذي تعثر بسبب الأوضاع التي تشهدها البلاد.
المصدر: اليوم التالي