كشف عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق، محمد الفكي سليمان لـ”الترا سودان”، عن الإرهاصات التي سبقت انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي. وأكد سليمان علمهم منذ أيلول/سبتمبر 2021، بأن العسكريين كانوا يتجهون للانقلاب. وقال سليمان في حوار مع “الترا سودان” بمناسبة مرور عام على قرارات حل مجلس السيادة ومجلس الوزراء، إن أبرز مظاهر الانقلاب تمثلت في التعاطي مع قضية شرق السودان.
وقال سليمان: “كان الانقلاب واضحًا في التعاطي مع ملف شرق السودان ومحاولة خنق الحكومة المدنية بإغلاق الشرق، كذلك مكونات الحكومة لم تكن تعمل مع بعضها البعض لإنهاء المشكلة. وكان هناك اجتماع لمجلس الأمن والدفاع، وعندما طلب مني أن أكون ضمن الوفد المتجه إلى شرق السودان للحديث مع المعتصمين الذين يغلقون الطريق، رفضت وقلت لن أذهب لأن المشكلة حقيقةً لم تكن في شرق السودان، بل في الطاولة التي نجلس حولها، والخلافات هنا في الخرطوم”.
توسيع قاعدة المشاركة!
وأوضح محمد الفكي أن كل طرف كان يريد تعزيز مواقف سياسية محددة، سواء كان الحديث الذي يقول به العسكريون حول توسيع المشاركة وإبعاد الحرية والتغيير أو جعلها ضمن مكونات عديدة للحكومة في الخرطوم. وتابع: “كنا نتجه بسرعة نحو الانقلاب، ثم جاءت أحداث انقلاب بكراوي وما تبعها من مواجهات ابتدأت وذهبت إلى الإعلام وكل طرف يريد تحميل الطرف الآخر، وكان هناك اتهام من قبل العسكريين بأن الحكومة المدنية هي سبب الفشل، ولم يكن هناك أي مبرر لهذا الحديث؛ كانت الحكومة تعمل بصورة جيدة جدًا وكان أداؤها في تقدم مطرد، واستطاع وزراء القطاع الاقتصادي تحقيق أداء كبير في هذا الملف وانعكس في استقرار البلد”.
وزاد: “صحيح كانت هناك صعوبات بسبب أن هناك كثير من القضايا الاقتصادية المؤجلة والتي تم اتخاذ قرارات متتابعة فيها، وكان الأجدى اتخاذ القرارات خلال سنتين، ولكن تم تأجيلها واتخذت في الأشهر الأخيرة، مثل تحرير سعر الجنيه وتحرير الوقود وغيرها من القرارات التي أتت تباعًا، ومع ذلك، في الشهور الأخيرة استقر الاقتصاد وبدأت البشريات تلوح وكان هناك أمل كبير، وكان العام الذي ينطوي حاليًا بكل هذه المرارات والفشل، كان واعدًا جدًا وكانت هناك أموال ضخمة مرصودة للصحة والتعليم ورفع الرواتب مع استقرار سعر الجنيه، والحصاد الكبير في مجال الزراعة، خصوصًا زراعة القطن، والتدفقات النقدية الموعودة لقطاعات حيوية مثل قطاع الكهرباء، وتوسيع واستعادة قطاع النفط لتغطية الاحتياجات وتمزيق فاتورة استيراد النفط”.
ويؤكد سليمان أن كل هذه الأشياء تقول بأنه لا يوجد فشل في الحكومة، بل كانت هنالك رغبة للاستفراد بالسلطة وتغيير المعادلة السياسية. وبالنسبة لهم في المكون المدني عندما تأكدوا من المعلومات، قرروا المواجهة مبكرًا وليس انتظار اللحظات الأخيرة. وأضاف: “كان هناك تحشيد كبير بدأ في الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي الموالية للعسكريين، بالإضافة إلى حشد العشائر الأهلية والمجموعات التي تساند دائمًا الحكومات الشمولية، وكذلك عادت الوجوه القديمة إلى السطح مرة أخرى. كانت كل المؤشرات تقول بأن هناك انقلاب قادم، وبالتالي قررنا أن نبتدئ بالمواجهة مبكرًا، وهذا ساهم بصورة قوية في أن نكون متيقظين للانقلاب”.
مدى صحة المطالب باستخدام القوة لفض اعتصام شرق السودان
ونفى سليمان صحة ما يتم تداوله بأن المكون المدني في مجلس السيادة طالب باستخدام القوة لفض اعتصام ميناء بورتسودان، وأكد بأن هذه الاتهامات بطلبهم استخدام القوة ضد معتصمي شرق السودان غير صحيحة، مشيرًا إلى حديث وزير الداخلية حينها، الفريق عز الدين الشيخ، الذي ذكر بأنه طالب قبل شهر من الانقلاب بمنحه تفويضًا لتأمين شرق السودان، وزاد: “كانت هناك معلومات بأن يوم 17 أيلول/سبتمبر سيتم إغلاق الميناء، وقال إنه بوصفه الشخص المسؤول عن حماية الأمن الداخلي يجب أن لا يسمح بإغلاق الميناء الرئيسي في البلاد من قبل مجموعات أهلية، وتم الرد عليه بأن هذه المشكلة سيتم معالجتها داخل مجلس الأمن والدفاع، وفي الآخر تم اختلاق معلومات حول هذه الرواية من أشخاص لم يكونوا حضورًا في الاجتماع إطلاقًا، والحديث الذي دار داخل الاجتماع مسجل وموثق بالصوت، وبالتالي هذه المعلومات غير حقيقية”.
موكب 21 تشرين الأول/أكتوبر 2021
ووصف سليمان خروج السودانيين في 21 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بأنه للتأكيد على مدنية الدولة، وأنهم لم يخرجوا مؤيدين للحرية والتغيير، ولا لحكومتها كما يقول سليمان، بل “خرجوا للدفاع عن حلمهم في مدنية الدولة، ولم يسمحوا بأن تنتكس هذه المسيرة، وأن الفترة الانتقالية يجب أن تمضي لقيادة حكومة مدنية وصولًا إلى ديمقراطية كاملة”.
ويرى محمد الفكي بأن هذا العدد الكبير كان مؤشرًا واضحًا لما يريده السودانيون، وأنهم عندما حدث الانقلاب في 25 تشرين الأول/أكتوبر كانوا واثقين من أن السودانيين سيخرجون للدفاع عن حلمهم بالديموقراطية والتبادل السلمي للسلطة.
وتابع سليمان: “اعتقلنا مبكرًا في 25 أكتوبر، ومكثنا شهرًا واحدًا، وهذا جاء نتيجة لنضالات السودانيين في الشارع لأنهم أجهضوا الانقلاب في اللحظة الأولى قبل إذاعة البيان، وخرجنا عقب الاعتقال وسمعنا قصص البسالات والملاحم المسطرة في تاريخ السودان. هذا الجيل هو الذي سيطوي صفحة الانقلابات العسكرية في السودان إلى الأبد، وسيؤسس لحكومة ديمقراطية”.
وقطع سليمان بأنهم كانوا قبل أكثر من شهر من وقوع الانقلاب على علم بأن حلم السودانيين بالديموقراطية سيتعرض لانتكاسة كبيرة، وكبوة قادمة في الطريق في شكل انقلاب عسكري، وقال: “كنا متأكدين تمامًا من ذلك، ولكن هذا لم يمنعنا من التحرك مع أبناء الشعب السوداني للدفاع عن هذا الحلم الكبير. ما زال هذا الأمر متواصلًا حتى يتكلل بالانتصار”.
المصدر: الترا سودان