لطالما تشدقت قوى الحرية والتغير او تنسيقية قوى الحرية والتغير أسم الدلع الجديد لها بالديمقراطية، ودعوتها للمدنية والحكم المدني في السودان، ونبذها للصراع الدائر حالياً في البلاد، ووقوفها على خط واحد من طرفي النزاع في السودان كما يحلو لها، ودعوتها لإيقاف الحرب، وجلب السلام الذي بات ينتظره كل الشعب السوداني، ولكن هل “تقدم” فعلاً تقف على مسافة واحدة من طرفي النزاع؟ ام هي تكيل بمكيالين… كما تفعله الكثير من منظمات المجتمع الدولي التي تدعم “تقدم” وتقف بجانبها لتفتيت السودان الحبيب.
وحتى لا نذهب بعيداً عن مؤتمر “تقدم” الذي عقد بالأمس القريب بالعاصمة الإثيوبية أديس ابا ابا، حيث كان الهدف من هذا المؤتمر، جمع أكبر تجمع من القوى السياسية السودانية الفاعلة، وذلك لتشكيل جبهة سياسية عريضة تدعو إلى ايقاف الحرب، وإلزام القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع بوقف القتال في السودان.
ولكن الذي يلفت النظر في هذا المؤتمر هو قلة الأحزاب السودانية المشاركة فيه، كما أنه لم يشارك الحزب الإتحادي الأصل، الذي قالت “تقدم” أنها أحد المشاركين، وأعتبر الحزب مشاركة إبراهيم الميرغني لا تمثل الحزب بل تمثل إبراهيم في شخصه فقط.
وقد صادر عبد الله حمدوك قرار هذه الأحزاب بتنصيبه نفسه رئيساً لـ” تقدم” ضارباً بالديمقراطية عرض الحائط.
وقد كانت كلمات الحضور تارة تدعو لإيقاف الحرب، وتارة تجرم الجيش وهنا طبعاً يأتي التصفيق الحار من الحضور على مثل هذه كلمات تصب مصلحة التنسيقية، وتارة أخرى تدعو لتشكيل حكومة منفى موازية لحكومة بورتسودان كما دعى إلى ذلك ممثل مليشيا الدعم السريع.
والذي لفت إنتاه الكثير من المتابعين لهذا المؤتمر كلمة ممثل المزارعين إبراهيم رانفي، هذا الرجل الذي جاء بسرد الأوضاع الزراعية في السودان مبتدأًً بوضع الغابات في السودان، وما لحقها من دمار وخصوصاً أشجار الهشاب التي منها ينتج الصمغ العربي، الذي يعتبر السودان المصدر الأول له على مستوى العالم، وكيف أن الحرب دمرت مساحات كبيرة من هذا القطاع، ثم عرج على مشروع الجزيرة، الذي طالته إيضاً يد المليشيا المتمردة والتي سعت فيه فساداً كبيراً، ثم ذكر أوضاع المواطنين في الجزيرة والمعناة التي وجدوها من عصابات الدعم السريع، وكيف أن هذه المليشيا عاست في هذه الأرض الطيبة الفساد، من إغتصاب، وقتل ونهب ثروات المواطن الأعزل، وما إلى ذلك، وهذه حقيقة يعلمها كل الشعب السوداني، بل والعالم أجمع، ولكن الحضور لم يسمحوا له بمواصلة حديثه عن هذه الإنتهاكات وبمجرد ذكر انتهاكات الدعم السريع في الجزيرة قطعوا عنه المايكرفون، وطلبوا منه الكف عن هذا، ومع إصراره على توضيح فكرته، وإقحامه القوات المسلحة في هذه الإدانة إلا انها لم تشفع له عند هؤلاء القوم الذين يرون أن الجيش السوداني عبارة عن جيش كيزاني فلولي، وأن قوات الدعم السريع هي الحامي الحقيقي للديمقراطية التي فشلوا في الحصول عليها بالطرق السلمية، فلجؤا إلى قوة السلاح للحصول على ذلك.
ولا يخفى على عاقل أن هذه القوى لا تمثل تطلعات الشعب السوداني، لا في وقف الحرب، وإحلال السلام، ولا حتى في تحقيق الديمقراطية والعدالة.
نعم تمت مقاطعته وربما تم بعد ذلك شجبه وتعنيفه، لأنه خالف أصل الفكرة القائمة على دعم المليشيا والترويج لها على أنها حمامة سلام، وأنها الحامي الرئيسي للديمقراطية كما أسلفنا.
ولكن على كل حال كلمة الحق هذه لخصت كل ما هو في المؤتمر وكل ما يدور في جعبة جبهة “تقدم” والسلام.
بقلم: يوسف الصديق