لاقى قرار مجلس النواب الليبي القاضي بتشكيل محكمة دستورية، كبديل عن الدائرة الدستورية في طرابلس، رفضا واسعا في الأوساط الليبية المختلفة، باعتباره محاولة للانفراد بالسلطات القضائية والتشريعية في البلاد، في حين فند خبير قانوني القرار واعتبره “عبثيا”، وغير قانوني.
وأقر مجلس النواب في طبرق بشرق البلاد الثلاثاء بالغالبية، مقترح قانون قدّمه رئيس المجلس عقيلة صالح لتشكيل محكمة دستورية في بنغازي تتكون من 13 عضوًا يعيّنهم المجلس في أول تشكيل لها.
وإزاء حالة الرفض والجدل التي أثارها؛ دافع عقيلة صالح، عن مقترحه قائلا، إن إنشاء محكمة دستورية هو تأكيد لما تضمنته المواد، من 138 إلى 145، في مسودة الدستور، التي توافق عليها أعضاء لجنة المسار الدستوري المشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ولم يعترض عليها أحد.
لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري علق التواصل مع عقيلة صالح وأعمال اللجان المشتركة بينهما، إلى حين إلغاء قانون إنشاء محكمة دستورية بمدينة بنغازي شرق البلاد، بدلاً من الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بالعاصمة طرابلس غرب ليبيا.
وقال المشري في رسالة وجّهها إلى صالح: “لا نعتبر قانون إنشاء محكمة دستورية من ضمن الصلاحيات التشريعية، بل هو شأن دستوري”.
واعتبر رئيس مجلس الدولة أن “إجراء مجلس النواب يزعزع الثقة التي نحاول أن نبنيها بين مجلسي الدولة والنواب ويهدم جهود الوصول إلى توافق حول المسار الدستوري ويعمق الانقسام المؤسسي في البلاد”.
وفي رسالته، دعا المشري رئيس ومستشاري المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء وأعضاء الهيئات القضائية، إلى عدم الاعتداد أو العمل بقرار البرلمان، محذّرا الجهات القضائية من “خطورة إقدام أي جهة قضائية على تسمية أي من رجال القضاء لعضوية المحكمة المستحدثة”.
ووصف خطوة مجلس النواب بأنها “التفاف على ما تم التوافق عليه لإخضاع المحكمة الدستورية لرغبات خاصة لا تخدم الوطن وتعطيل الدائرة الدستورية حتى لا تنظر في الطعون المقدمة أمامها”.
بدورها، قالت عضو الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور نادية عمران، إن استحداث محكمة دستورية ينبغي أن يكون عبر أساس دستوري ودستور دائم للبلاد لا أن تقوم وسط مماحكات سياسية وأزمة قائمة.
ورأت في تصريح لقناة تلفزة محلية أن مجلس النواب قام بخطوة استباقية لنزع الاختصاصات من المحكمة العليا، لأنه يريد التفرد بالسلطتين التنفيذية والقضائية، لكي لا يقف أمام قراراته شيء وهذه سابقة خطيرة.
وفي رأي قانوني للخطوة، قال أستاذ القانون، الكوني عبودة، إن أي قانون يتعلق بمحكمة دستورية صار خارج الولاية التشريعية من تاريخ انتخاب هيئة صياغة مشروع الدستور، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن البلاد تفتقر للظروف المناسبة لخطوة كهذه.
واعتبر عبودة، في منشور عبر صفحته على “فيسبوك”، أن مجلس النواب بإصداره قرار استحداث محكمة دستورية لا يتردد في “صب الزيت على النار، لزيادة المشهد تعقيدا”، مذكرا بتنبيهه منذ فترة طويلة بـ”عبثية قرارات السلطات في ليبيا”.
وأضاف أن إقرار قانون يتعلق بمحكمة دستورية هو شأن دستوري بامتياز، منوها إلى أن الاختصاص الدستوري للمحكمة العليا الليبية ورد في دستور المملكة وأن لجوء النظام السابق إلى إعادة تنظيم المحكمة العليا “كان لغاية في نفس يعقوب”، وكانت أساسا إلغاء الاختصاص المذكور، والذي ظل كذلك لعدم إصدار اللائحة الداخلية للمحكمة العليا التي فوضها المُشرِّع في وضع إجراءات الطعن.
وتابع أن القضاء المتخصص “لا يأتي بجرة قلم أو بمجرد الرغبة، وإنما هو عملية تراكمية تتطلب تأهيلا أساسيا وآخر مستمرا، وهو ما يتطلب زمنا واستقرارا تفتقر ليبيا لهما في الوقت الحالي”، معتبرا أن “ما ينقصنا ليس المحكمة الدستورية، بل شرعية جديدة لجميع السلطات ورحيل متصدري المشهد، لأنهم كانوا وراء وصول ليبيا إلى ما وصلت إليه وتحولها إلى دولة فاشلة بامتياز”.
ورأى أن “الفائدة الوحيدة التي حصل عليها الليبيون من المراحل الانتقالية، هي ضرورة التفكير قبل الإدلاء بالصوت في الصندوق؛ لكي لا تتكرر المسرحية التي مل الليبيون مشاهدتها لعدميتها”.
الكاتب والمحلل السياسي، صلاح البكوش قال إن عقيلة صالح اختطف صلاحية مراقبة دستورية القوانين من المحكمة العليا وأعطاها لـ “محكمة دستورية” اختلقها من عدم مبررا عملية السطو بمواد في “مسودة الدستور” التي يرفض طرحها للاستفتاء منذ 2017.
أما مفتي ليبيا، الصادق الغرياني فقد قال في تصريحات: “يريدون إنشاء محكمة دستورية على مقاس حفتر وعقيلة ويجعلون من يريدون هو من يديرها”، مشيرا إلى أن “عنوان عمل مجلسي النواب والدولة على مدى سنوات هو التمديد للفساد والإفساد وتخريب البلاد برعاية دولية”، مضيفا: “هؤلاء يتحكم فيهم شخص أو شخصان أو مجموعة قليلة تشتغل وفق مصالحها الخاصة”.
أما الجمعية الليبية لأعضاء الهيئات القضائية فعبرت في بيان لها عن رفضها قانون المحكمة الدستورية ووصفته بالانحراف التشريعي الذي يستعمله مجلس النواب لاختراق السلطة القضائية.
وقالت الجمعية في بيان لها، إن القرار يستهدف تعطيل عمل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا عن طريق إنشاء محكمة دستورية بقرار غير دستوري.
المصدر: عربي21