اعترفت الولايات المتحدة رسميا بتسلم المتهم الليبي الأخير في قضية حادثة “لوكربي”، بوعجيلة المريمي، فاتحة بذلك الباب أمام تساؤلات حول ملابسات اختطافه وتسليمه، والمتورطين في الحادثة، والمستفيد في فتح قضيت جرى إغلاقها بالكامل قبل سنوات، وسط اتهامات لحكومة عبد الحميد الدبيبة بالضلوع بعقد صفقة لتسليم المتهم، الذي كان ضابط مخابرات سابق في عهد القذافي.
وأعلنت وزارة العدل الأمريكية، الأحد، أنها تحتجز ليبيًا يدعي “بوعجيلة مسعود المريمي”، ويشتبه في قيامه بتصنيع القنبلة التي استخدمت في تفجير طائرة أمريكية فوق مدينة لوكربي في أسكتلندا عام 1988.
وقال مسؤول في الوزارة؛ إن الرجل سيمثل أمام محكمة اتحادية في واشنطن قريبا، دون أن يحدد تاريخا لذلك.
ووجهت الولايات المتحدة الاتهام لمسعود قبل عامين على خلفية قضية لوكربي، وكان قد احتُجز سابقا في ليبيا لضلوعه المفترض في هجوم عام 1986 على ملهى ليلي في برلين.
اختطاف “بوعجيلة المريمي”
وكان المريمي اختطف من منزله في منطقة بوسليم في العاصمة طرابلس يوم السابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، من قبل قوة مسلحة مجهولة، تبين لا حقا أنها القوة المشتركة التابعة للحكومة برئاسة الدبيبة، وقد أودع في مقر لها في مدينة مصراتة.
بدوره، قال عبد المنعم المريمي ابن شقيق “بوعجيلة”، إنه جرى إبلاغهم بقرب إطلاق سراحه، لكنهم تفاجأوا بتسليمه للولايات المتحدة الأمريكية.
ولفت إلى أن أفراد من عائلة المريمي كانوا قد زاروه في مقر احتجازه بمدينة مصراتة، مشددا على أنهم خاطبوا النائب العام ووزارة العدل والمحامي العام والمجلس الرئاسي وحصلوا على وعود وتطمينات، متهما عناصر من القوة المشتركة التابعة للدبيبة باعتقال “عمه”، ومن ثم احتجازه في أحد مقراتها في مصراته، قبل أن يتم تسليمه.
وقضية لوكربي هي حادثة سقوط طائرة ركاب أمريكية فوق قرية لوكربي في أسكتلندا عام 1988، ما أسفر عن مقتل 259 شخصا هم جميع من كان على متنها إضافة إلى 11 شخصا من سكان القرية. وبعد أزمة سياسية بين ليبيا والولايات المتحدة لسنوات أدين بالحادث في 31 كانون الثاني/ يناير 2001 مواطن ليبي يدعى عبد الباسط المقرحي، الأمر الذي دعا نظام معمر القذافي في 2008 إلى القبول بالتسوية ودفع أكثر من ملياري دولار لأهالي الضحايا لإقفال القضية.
نص اتفاق إغلاق القضية
وعلى إثر حادثة تسليم “بوعجيلة”، فإن إبراهيم بوشناف مستشار الأمن القومي الليبي، نشر نص الاتفاق على قفل قضية لوكربي نهائيًا، وقال في تصريحات في صفحته على “فيسبوك”، إن الاتفاق نص على قبول الطرفين للتسوية المادية مقابل تلك القضايا على أن تعتبر الأموال المدفوعة تسوية كاملة ونهائية تمامًا.
وأضاف: “الاتفاق نص على أنه لا يجوز بعد هذه التسوية فتح أي مطالبات جديدة عن أي أفعال ارتكبت من الطرفين بحق الآخر قبل تاريخ 30 كانون الثاني/ يونيو 2006 (موعد إبرام الاتفاق).
وشدد على أن “الاتفاق نص على التزام الولايات المتحدة بتوفير الحصانة السيادية والدبلوماسية لليبيا وبأن لا يستلم أهالي الضحايا أي تعويضات من الصندوق المشترك المخصص للغرض إلا بعد توفير هذه الحصانة وهو ما تم بالفعل عبر مراسيم رئاسية وتشريعية أمريكية”.
وأكد أن “الكونغرس الأمريكي أصدر القانون رقم 110/301 الصادر في آب/ أغسطس من 2008، بأن “تكون الممتلكات الليبية والأفراد الليبيين المعنيين في مأمن من الحجز أو أي إجراء قضائي آخر عن طريق النائب بالكونغرس جو بايدن في حينه، والذي تقدم بهذا التشريع”.
وتابع: “في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2008 وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش الصغير، مرسومًا رئاسياً برقم 13477 ينص على التزام الولايات المتحدة بتسوية الالتزامات المطلوبة منها والتي ارتكبها مواطنوها، على أن تلتزم ليبيا بنفس المبدأ مع الإنهاء التام لأي مطالبات مستقبلية وإقفال أي قضايا مفتوحة من قبل عائلات الضحايا سواء أمام المحاكم المحلية أو الأجنبية”.
باشاغا: خرق قانوني
وفي تعليق له، أبدى رئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا، خشيته من أن تكون عملية تسليم بوعجيلة تمت خارج الأطر القانونية ودون إشراف القضاء الليبي. وقال في تصريحات له، إن تسليم بوعجيلة خارج الأطر القانونية يشكل خرقاً قانونيًا فاضحًا ومساساً بسيادة الدولة الليبية واستقلال قضائها الوطني”.
وأضاف: “نرفض الدكتاتورية والاستبداد ونتطلع إلى ترسيخ دعائم الديمقراطية، ودولة القانون تحتم علينا جميعًا ضرورة احترام حقوق الإنسان ومحاكمة أي متهم تحت مظلة قانونية”. وذكر أن “كل من ساهم في مخالفة القانون وانتهاك سيادة الدولة والمساس باستقلال القضاء تطاله المسؤولية الأخلاقية والوطنية التي لن يمحوها التاريخ الوطني من الذاكرة”.
ترجيح صفقة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي عبد الله الكبير ، أن هناك غموضا حول عملية التسليم، إذ لم تصدر أي بيانات توضيحية من أي جهة، لكن الرواية الشائعة تفيد بأن “القوة المشتركة”، تقف خلف الحادث.
وشدد الكاتب في حديث خاص لـ”عربي21” على أن كل تهم التسليم موجهة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والتي يتعين عليها التوضيح.
وذكر أن “الملف أغلق بشكل نهائي بالاتفاق بين ليبيا وأمريكا وتمت التسوية بالتعويض مع التأكيد على عدم المطالبة بأي إجراءات أو مطالب أخرى”. ولفت إلى “احتمال أن تكون هناك صفقة لتسليم المريمي، لأن حالة الصراع الداخلي تحتم لجوء أطراف الصراع إلى طلب العون من الخارج، وسيبحث هو أيضا عن ثمن مقابل هذا العون”.
من جهته، قال الخبير العسكري، عادل عبد الكافي، إن الأجسام السياسية في ليبيا تحاول التلاعب في ملف لوكربي واستغلاله فى صفقات لمكاسب ومصالح سياسية.
وأضاف في حديث لـ”عربي21 ” أن اختطاف بوعجيلة بهذه الطريقة، وعدم إعلان أي جهة محلية مسؤوليتها عن هذا الأمر، يشير إلى أن هناك جهة خارجية مسؤولة عن هذه العملية بالتعاون مع عناصر محلية، وهذا بالتأكيد يمس السيادة الليبية ويضعها في موقف مخزي دوليا ومحليا بعد عقد صفقات مشبوهة خارج إطار القانون.
عضوة ملتقى الحوار السياسي الزهراء لنقي، علقت على تسليم المواطن الليبي المُختطف، بوعجيلة مسعود، إلى واشنطن بالقول: “حكومة الدبيبات تبيع كل شيء من أجل الاستمرار في السلطة”.
وأضافت في تغريدة لها: “ليبيا ليست موقعة على اتفاقية تسليم مجرمين/متهمين مع الولايات المتحدة، فما هو المقابل الذي تلقته حكومة الدبيبات نظير هذا التسليم؟”.
عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة، قال في تصريحات صحفية: “إن تسليم مواطن في قضية انتهت منذ ما يقارب الثلاثة عقود يصل إلى الخيانة، وذلك عقب تسوية وصرف تعويضات بحوالي ثلاثة مليارات دولار، وكلفت الليبيين تسع سنوات من الحصار”.
وأضاف: “اليوم يُفتح تحقيق بأيد ليبية بتسليم مواطن ليبي بعد تصريحات خارجية الدبيبة التي تصب في نفس الموضوع قبل أن تتم عملية تسليم أبوعجيلة”. متابعا بأنه “شيء مؤسف للغاية ويجب الآن على الشعب الليبي أن يطالب بمعرفة الثمن في قضية أغلقت منذ سنوات طويلة”.
“خيانة عظمى”
عضو مجلس النواب جبريل أوحيدة، قال إن “تسليم بوعجيلة صفقة بين حكومة الدبيبة و الولايات المتحدة”، مؤكدا أن مجلس النواب “استنكر تسليم المريمي وأصدر قرارا بأن كل من يعيد فتح ملف قضية لوكربي توجه له تهمة الخيانة العظمى”.
وتابع: “المنقوش أعلنت سابقًا تعاون حكومتها مع السلطات الأمريكية وإعادة فتح ملف لوكربي من جديد”. ودعا النائب العام إلى “التحرك والبدء بالتحقيق في ملابسات تسليم بوعجيلة للولايات المتحدة”.
يذكر أن وزيرة الخارجية بحكومة الدبيبة، نجلاء المنقوش، كانت قد تحدثت في مقابلة مع “بي بي سي” حول إمكانية تسليم المريمي.
المصدر: عربي21