أخبار السودان:
ما يعانيه السودان اليوم من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية؛ هو نتيجة تاريخ طويل من الفشل السياسي امتد لـ65 سنة، هيئأت له البيئة فئاتاً من الشعب تفتقر إلى الوعي والحِكمة والنزاهة حكمت البلد على هواها، وتعتقد أنه لا يوجد من هو أهدى منها، وما زالت رغم تاريخها الخالي من النجاح تصر على الاستمرار ولا تريد الاستماع للنصح والإرشاد أو الانفتاح والتطور، وهذه هي أزمة السودان وأُس مصائبه، وأغلب السياسيون الآن هم أبناء هذه الثقافة، لذلك يعملون دون وعي للمحافظة عليها، وثورة ديسمبر يجب أن يكون هدفها الأسمى هو تغييرها بأخرى تسمح بنمو الحلول الجذرية التي تنتج لنا سياسين مختلفين لهم القدرة على رؤية مشاكل السودان بوعي ونزاهة، والآن يجب أن ينصب اهتمام الشعب على تحقيق هذا الهدف بوسائل ثورية متطورة غير تلك التي استخدمت لإسقاط النظام المخلوع، فحلول أزماتنا يكمن في إصلاح البيئة السياسية والسياسيين.
المشهد السياسي الحالي يضج بهذه الفئة التي تتنافس على المناصب غير مهتمة بمعاناة الشعب، ولذلك المطلوب الآن من خلال استمرار الثورة هو الضغط لمعالجة ثقافة الفشل والضلال التاريخية، والتي أنتجت لنا ساسة عاجزين عن حل أبسط الأزمات، ولذلك لابد من تغيير استراتيجية تتريس الشوارع وكذلك المظاهرات، فهي أصبحت غير مناسبة لأنها تتسبب في زيادة المعاناة على الناس، وتستهلك طاقة الجماهير، والكثير من الوقت الذي يهدر بلا فلائدة، كما أنها تزيد الطين بلة، لأنها تسمح لغير المؤهلين نفسياً وعقلياً أن يصبحوا جزءاً من المشهد، ويتقدموا الصفوف ويصبحوا قادة فاشلين في المستقبل، وبهذا نكون ألحقنا الضرر بأنفسنا وساهمنا في الحفاظ على ثقافة الضلال السياسي ودعمناها بشكل جديد.
لابد من ابتداع وسائل جديدة تعمل في اتجاهين، الأول الضغط على الحكومة وحمل شركائها السياسيين على التغيير والتطور وتصعيد ساسة جدد من الشباب، والثاني مساعدتها في الحلول من خلال تحريك المجتمع وتوجيهه ليكون إيجابياً فاعلاً وواعياً، فمثلاً يمكن تكوين مجموعات عمل اجتماعية وسياسية نشطة، ولدينا نموذج جاهز هو لجان المقاومة التي كونها الشباب، ولكن لوحدها لا تسطيع أن تفعل شيئاً، لذلك نحتاج إلى المزيد من المجموعات ومن كل الفئات، فمثلاً للضغط من أجل تشكيل الحكومة والبرلمان يمكن تكوين برلمان شعبي مختار من كل أقاليم السودان بعدد أعضاء البرلمان المزمع تكوينه، وهؤلاء يمكنهم الاعتصام أمام البرلمان إنابة عن الشعب الذي عليه دعمهم والقيام بمهام أخرى، وفي الأحياء يحتاج الناس إلى مجموعات تضغط من أجل الاستجابة لتقديم الخدمات وتطويرها، مع هذا كله يجب أن يتخلى المواطنون عن الجشع والسمسرة والمضاربة في العملة والاحتكار وكل الأعمال التي تسهم في زيادة الأزمات والتفكير في الإنتاج، وكذلك الاستفادة من وسائل التواصل بشكل أفضل، وبهذا ستجد الحكومة نفسها مضغوطة بشكل أكبر فتعمل باجتهاد وتستجيب بسرعة ويحصد المواطن نتائج أفضل.
عموماً، يجب أن تكون للجماهير استراتيجية جديدة لإخراج السودان من أزمته الحقيقية وليس فقط الضغط على الحكومة لمعالجة أزمة الخبز والوقود وغيرها من مشاكل يمكن معالجتها بنفس طريقة النظام المخلوع لتبقى الأزمة الحقيقية ويستمر المناخ الملائم لبقاء الفشل ونموه، لذلك وسائل الضغط الثوري يجب أن تتطور، فالترس والمظاهرات لا يكفيان لتحقيق طموحات الشعب.
جريدة الديمقراطي