لم تكن الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى الخرطوم الخميس الماضي، التي التقى خلالها رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، هي الأولى من نوعها ففي يناير عام 2021م زار كوهين السودان لأول مرة و كان حينها يشغل منصب وزير الاستخبارات، وتم تعينه في 29ديسمبر 2022م وزيرا للخارجية .
يرى كثير من المتابعين للشان السوداني الإسرائيلي، ان كوهين كان مهندس اللقاء الأول الذي جمع بين البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية، فبراير عام 2020م.
وبعد أقل من عام على ذلك اللقاء، وصل كوهين للسودان في زيارة غير معلنة ، وكان وقتها وزيرا للاستخبارات في حكومة نتنياهو السابقة، ونقلت وكالة “فرانس برس” حينها عن مسؤول في مكتب كوهين القول إنها “المرة الأولى التي يقود فيها وزير إسرائيلي وفدا إلى السودان”، بينما قال كوهين بعد عودته إلى إسرائيل بأن نقاشاته في السودان “أرست أساسا للتعاون المشترك والاستقرار في المنطقة”.
مهندس التطبيع:
رجح مراقبون كثر ان التطبيع واتفاق السلام الذى نوه اليه ايلي كوهين في زيارته الاخيرة عندما صرح بأن السودان وإسرائيل اقتربا من التوقيع على اتفاق سلام يوقع خلال هذا العام بعد تكوين الحكومة المدنية، قد تم بالفعل في العام 2021م، وبين هؤلاء كان الصحفي الإسرائيلي الشهير باراك رافيد الذى كتب 10نقاط حول العلاقة بين السودان وإسرائيل بعد زيارة ايلي الأخيرة للسودان، وجزم في احد النقاط بأن السودان لن ينضم أو يوقع على اتفاقيات أبراهام لأنه انضم بالفعل ووقع عليها في 5 يناير 2021 بحضور وزير الخزانة الأمريكي ستيف منوشين. كما لفت الصحفي ايضا الى اهتمام وزير الخارجية الإسرائيلي كوهين بالسودان. وأضاف لقد كان أول وزير يزور السودان، وجلب معه الخبير الأعظم في شؤون السودان في إسرائيل – رونان ليفي (ماعوز) إلى منصب مدير وزارة الخارجية، وهو قريب جداً من الجنرال البرهان. وبلا شك عودته إلى المنصب ستعطي دفعة متجددة لكل شيء.
مساعدات ومشاريع:
بحسب تقارير نشرت بمواقع عديدة، فإنّ كوهين، قدّم للمسؤولين السودانيين، في المداولات بين الوفدَين، خطّة مساعدة إسرائيلية للسودان، ستركّز على “مشاريع وبناء قدرات في مجالات متنوعة”. من بينها الزراعة والتجارة والمياه والتعليم والجانب العسكري والأمني وبعد عودته من الخرطوم، شغل كوهين الإعلام بتصريح لافت قال: فيه إنّ “الخرطوم هي المكان الذي منه قرّرت الدول العربية اللاءات الثلاث التاريخية، ونحن نبني مع السودانيين واقعاً جديداً تتحوّل فيه الّلاءات الثلاث إلى: نعم للمفاوضات بين إسرائيل والسودان وللسلام والاعتراف باسرائيل”. ونوه الى ان الزيارة السودان ترسي الأسس لاتفاق سلام تاريخي مع دولة عربية وإسلامية استراتيجية، و ستعزز الاستقرار الإقليمي وتسهم في الأمن القومي لدولة إسرائيل.
و ستكون بمثابة فرصة لإقامة علاقات مع دول أخرى في إفريقيا، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات القائمة مع الدول الإفريقية. و بدورها اوضحت مواقع اخبارية ان إيلي كوهين، لعب دورا مهما في تطبيع العلاقات بين الدولة العبرية وعدد من البلدان العربية،
ووقعت الدولة العبرية في 2020 اتفاقيات لتطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب ثم السودان في /يناير 2021.
علاقات سرية:
في العام 2020م عين نتنياهو كوهين وزيراً للاستخبارات وعضواً في«الكابينيت» (المجلس الوزاري المصغر لشؤون السياسة والأمن في الحكومة).
وجعل ايلي من الاستخبارات قناة أساسية لبناء علاقات سرية مع بعض الدول التي لا تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل. وركز على العلاقات مع السودان، . كما أقام علاقات وثيقة مع كل من تشاد والمغرب.
وفي الانتخابات الأخيرة فاز بالمرتبة الثالثة على لائحة المرشحين لحزب الليكود، وكان عوناً لنتنياهو، الذي اختاره لمنصب وزير الخارجية. وعرف عنه انه لا يخفي وقوفه على يمين اليمين في حزب «الليكود»، غير أنه كان يلتزم بسياسة رئيس الوزراء نتنياهو، ومثله يضع الملف الإيراني على رأس سلم الاهتمام. ولقد اتخذ موقفاً متشدداً ضد الاتفاق النووي.
سيرة ومسيرة:
وفقا لما نشرته جريدة الشرق الأوسط في عددها (6118) ان اسم كوهين الأصلي هو إلياهو كوهين، لكنه اختصر إلياهو بالاسم إيلي، لادراكه لمغزى هذا الاسم. وذكرت الجريدة أن أشهر من يحمل هذا الاسم (إيلي كوهين) هو الجاسوس الإسرائيلي، الذي تمكن من إخفاء هويته اليهودية وتكوين شخصية رجل أعمال عربي، ثم الولوج إلى أروقة الحكم في سوريا والوصول إلى أرفع الشخصيات في دمشق. وعندما اكتُشف أمره أُعدم عام 1965. وهو يعتبر في إسرائيل بطلاً قومياً، لذا رغب الوزير الجديد في أخذ اسمه. وقالت ان ضمن مهامه الدبلوماسية الآن مع روسيا محاولة معرفة المكان الدقيق لدفنه، وإعادة رفاته حتى يدفن في مقبرة إسرائيلية. وذكرت ان إيلي كوهين ولد في يوم 3 أكتوبر عام 1972م في أحد أحياء الفقر بمدينة حولون، الواقعة جنوب تل أبيب. إلا أنه شخصياً لم يعش حالة فقر، بل كانت له معاناة أخرى. فهو وحيد والديه، ووالده الذي كان صاحب حانوت صغيرة لبيع الملابس، توفي بعد إصابته بالسرطان في سن الـ43. وفي ذلك الوقت كان إيلي جندياً يؤدي الخدمة الإلزامية.
أما والدته فكانت تعمل مراقبة حسابات في شركة خاصة، وقد كرست حياتها لمرافقته في حياته أباً وأماً في آن. وهو يعتبرها سنده الأول حتى اليوم.
مابين الاقتصاد والجيش:
وفي الجيش بدأ إيلي يرسم طريقه ، علماً بأنه لم يكن في الحي الذي يقطنه كثير من الجنود. إذ إن قسماً من الشباب حصلوا على إعفاءات بسبب التدين، والقسم الآخر تهرب من الخدمة بسبب الفقر والتدهور الاجتماعي. أما هو فتوجه كما ذكرت الجريدة للخدمة في وحدة صواريخ الدفاع ضد الطائرات في سلاح الجو، وفي سن الـ28 تسرّح وهو يحمل رتبة رائد. ومن ثم تحول إلى شخصية قيادية في الحي وفي المدينة. ثم استغل فرص تشجيع التعليم الجامعي في الجيش، فحصل على شهادة أولى في الاقتصاد، وشهادة ثانية في إدارة الحسابات وفي إدارة الأعمال.
عندما ترك كوهين الجيش واختار التوجه إلى عالم الاقتصاد والحسابات، وأصبح مديراً عاماً لشركة التأمين «هخشرات هيشوف»، براتب يصل إلى نحو 70 ألف دولار في الشهر. لكن «فيروس» السياسة تسلل إلى حياته بقوة، حسب تعبيره، فتنازل عن الراتب الضخم ليقبض أقل من ربعه في العمل السياسي.
وبالفعل، وضعه كحلون في المرتبة الثانية بعده. وعيّن وزيراً للاقتصاد عام 2018، وبرز مع مشروعات إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع كل من كندا والنرويج وأوكرانيا وآيسلندا وبنما وليختنشتاين. وهنا أيضاً وضع سلسلة تصحيحات للقوانين، وفي عهده هبطت البطالة إلى أدنى مستوى لها في تاريخ إسرائيل (3.4 في المائة) وارتفع الدخل القومي من الصادرات بنسبة 10 في المائة (من 100 إلى 110 مليارات دولار في السنة).
رهان وتطلعات:
ونقلت عنه مواقع ووكالات، إنه يريد أن يرى إسرائيل في المكان العاشر، أو الخامس عشر على الأكثر، في سلم الدول ذات الدخل العالي. ويستند في هذا الحساب إلى خطط تطوير للتكنولوجيا وتوسيع للعلاقات الإقليمية والدولية، . وفي هذا المجال، يراهن كثيراً على العلاقات مع الدول العربية.وفي أول اجتماع له مع رؤساء الدوائر وكبار المسؤولين في وزارته، قال إنه يتطلع بحماسة شديدة لاجتماع القمة، المتوقع أن يلتئم في المغرب خلال مارس المقبل، للدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية من إسرائيل.
وأردف: «توسيع الاتفاقيات لضم دول أخرى ليس مسألة (إذا)، بل مسألة (متى)»
كوهين وامريكا:
وفي شان كوهين والتطبيع اشار الخبير الأمني الفاتح عثمان محجوب لارتباط التطبيع وفقا لاتفاقيات ابراهام اساسا بشخصية بنيامين نتنياهو الذي استغل علاقاته القوية بالرئيس الأمريكي السابق ترامب الذي كان بتمتع بعلاقات وثيقة مع دول الخليج العربي لتنظيم اتفاقيات تطبيع تنهي عزلة إسرائيل عن العالم العربي عامة ودول الخليج خاصة .
واكد الخبير الأمني لليوم التالي ان التطبيع مع إسرائيل كان شرطا اساسيا وضعته ادارة ترامب للحكومة الانتقالية السودانية مقابل سحب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب والبدء في مشروع اعفاء الديون الخارجية وأضاف: لقد صوت مجلس الوزراء في عهد د عبدالله حمدوك بالاغلبية لصالح التطبيع الا ان حكومة باليدين مارست ضغوطا سابقة علي اسرائيل لايقاف التطبيع بعد ان اطاح الفريق أول عبدالفتاح البرهان بحكومة قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي التي كان بتقاسم معها السلطة .
ويرى الفاتح ان خطوة زيارة ايلي كوهين وزير الخارجية الإسرائيلي للسودان جاءت بالتنسيق مع أمريكا التي اشترطت ان تكون مجرد تمهيد للتطبيع علي ان يتم التطبيع الحقيقي مع حكومة قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي في وقت لاحق من العام الحالي وتم اخطار قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي مسبقا بالزيارة وما بعدها من اجراءات .
ونوه الى ان الدوافع الحقيقية لزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي ايلي كوهين، الدعاية وهي موجهة اساسا للراي العام الإسرائيلي الذي بات متشككا في نجاعة حكومة نتياهو بعد العمليات الفدائية الناجحة للفلسطينيين في القدس والضفة الغربية ولهذا قال ايلي كوهين في مؤتمر صحفي عقده في القدس ان زبارته معناها الغاء كامل للاءات الثلاث في إشارة لمؤتمر القمة العربية في الخرطوم وابتداء نعم للتطبيع ونعم للسلام ونعم للتعاون مع إسرائيل.
وقال بالرغم من ان ايلي كوهين يعتبر شخصية متميزة وصاحب باع طويل في العمل العسكري والأمني، لكن عمليات التطبيع تحمل بصمة بنيامين نتنياهو الذي يعتبر العقل المفكر وصاحب الرؤية خلف اتفاقيات ابراهام.
المصدر: اليوم التالي