الأحداث الدامية التى شهدتها ولاية النيل الأزرق والتطورات السالبة التى نتجت عن الفتنة القبلية المقيتة ، هذه الأوضاع المؤسفة كشفت عن أهمية تحلى الجميع بروح المسؤولية التامة والابتعاد عن كل ما من شانه ان يعمق الجراح ويثير النفوس ، وتترتب عليه نتائج سيئة تدفع باتجاه مزيد من التازيم.
وبحمد الله كان التعاطى العام مع الاحداث منطلقا من روح الشعور بالمسؤولية ، وهذا هو المأمول ، ونرجو ان يستمر الدفع الإيجابى بهذا الاتجاه ، والدعوة لتجاوز الفتنة ووأدها فى مهدها ، ومنعها من التمدد إلى مناطق أخرى ، مع الحرص على معالجة جذورها واثارها ليعود الصفاء والوئام إلى أهلنا فى النيل الأزرق.
ومن بين الكتابات الكثيرة التى تطرقت لهذه القضية نختار نموذجا نعتبره الأجمل والافضل (على الاقل فى ما اطلعنا عليه فى هذه القضية) ونعيد نشر مقال متداول فى الوسائط
مذيل باسم خالد كرنكى ، وسواء اكان المقال يحكى عن وقائع حقيقية ام انه نوع من المعالجة فى قالب قصصى ، فهو فى الحالين جدير باختياره واعادة نشره
وننقله أدناه كما هو دون حاجة إلى اى اضافة عليه فهو كاف بتقديرنا.
كتب يقول
أوقفوا السيارة وسألوني من أي القبائل أنت؟
سدوا الطرقات، كانوا فرادا وجماعات، يحملون العصي والألم، والسكاكين والحزن، والأسلحة والندم.
أوقفوا تلك السيارة التشاركية التي تقلنا، كان السائق خائفا لا يريد أن يتوقف، وقفوا أمامه كالبنيان المرصوص، لم يستطع أن يهرب بتلك السيارة بعيدا.
الأطفال داخل السيارة لا يعرفون شيئا، فرحوا عندما توقفت السيارة، قال أحدهم:
“يا أمي حاننزل نشوف موية الخور”
وقال آخر:
“انا جيعان يا أمي، نازلين عشان نأكل”
وقال ثالث:
“يمة في حاجة سمحة الناس دي كتيرة كدا”
لم يعلموا أنهم ذاهبون بلا رجعة، راحلون بلا وجع أو ألم، يتبخرون بلا خوف أو ندم، يموتون فقط لأن الموت أراد أن يسلبهم الحياة بلا سبب.
كنت أجلس في الكنبة الأخيرة، متكئا على يدي اليسرى، مستمتعا بجمال المناظر الخلابة على طول الطريق.
ما إن توقفت السيارة حتى أتيت إلى المقدمة، فتحوا الباب عنوة، خرجت لهم كجني من جرة ساحر.
كانت أصواتهم تتداخل، كل شخص يصيح بما يراه.
“أقتلوهم”
“إنهم من تلك #القبيلة”
“لا أسئلوهم أولا”
“يجب أن يخرجوا كلهم أولا”
“فليتحدثوا بلهجتهم وسنعرفهم”
“اهدوا يا ناس”
“اضرب بس”
مئات الأصوات تتداخل فيما بينها، لم ينتابني الخوف، كنت أعلم إن الموت قد حل بنا، فجأة ظهر شخصا كأنه يقودهم، بادرني بالسؤال:
“قبيلتك شنو؟ يا زول هوي قول الحقيقة، نحنا بنعرفك لو كضبت”
قلت له:
“هذا السؤال لا يصح في هذا المكان وهذا الزمان”
قال لي:
“شكلكم عاوزين تموتوا”
كان بقربنا أحدهم يحمل سكينا، قلت له:
“ما تخاف، بوريك قبيلتي بس أديني سكينك دي”
قال لي:
“بنكتلك لو عملت ليك حركة جاي جاي”
أخذت السكين وجرحت بها يدي، وأصبح الدم ينزل بغذارة، وصحت بأعلى صوتي:
“ما هذا؟
أليس بدم مثل الذي عندكم، فصيلته هي نفس الفصيلة التي عندكم.
هل تحملون شيئا غير ذلك؟
وهذا الجلد الذي قطعته أليس هو نفسه الذي عندكم؟
كان الناس مذهولين كبيرهم وصغيرهم، ثم أخذت السكين ووضعتها في يد قائدهم، ثم رفعت صوتي:
“الآن سيشق هذا الشخص صدري، ليخرج من داخله قلبي، فلتروه هل هو قلب من الماس أم من ذهب، حتى يكون غنيمة لكم”
ثم تابعت حديثي وصوتي يزداد ويتعدى الجمع:
“لقد جن جنونكم، نحن مثلنا مثلكم، لا يفرقنا شيء عنكم، كلنا أتينا من أبا واحدا وأما واحدة، تلك المسميات التي نسميها قبائل ليست سوى من أجل التعارف وتسهيل الحياة.
هل تسمعون؟
إنها من أجل تسهيل الحياة فقط وليس تعقيدها وتدميرها وقتل بعضنا البعض.”
ساد الصمت المكان، ولم أعرف كيف فعلت كل ذلك، كنت لا أحس بجرحي في يدي، فقد كان القلب أكثر جرحا، أستدرت إلى السيارة وقلت لهم بصوت هاديء:
“حانزل ليكم الأطفال أولا عشان تقتلوهم وما يشوفوا أي حاجة من الموت البجي لي أهلهم، وبعدهم حاننزل الأمهات، وبعدهم يأتي الدور على الرجال”
ما إن ألتفت بعد حديثي وإذا بقائدهم قد نزلت دمعة منه، لم أكن أظن يوما أن أناس مثلهم لهم دموع، كنت أظن أن قلوبهم تحت أرجلهم يطئون عليها كلما تحركوا، لم أكن أظنهم كما كل الناس.
فجأة صاح فيهم:
“افتحوا الطريق”
“قلت ليكم افتحوا الطريق”
ثم قال لي:
“لقد أحييت اليوم إنسانا، اذهبوا فأنتم الأخوان الأحرار”
#خالد_كرنكي
#لا_للقبلية
#لا_للفتنة
#لا_للعنصرية
#لا_للجهوية
سليمان منصور