تهدد تحركات الإسلاميين بتعكير صفو الأجواء الذي تمتع به شرق السودان منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وسط مخاوف من نشوب العنف عقب تداول تقارير سودانية معلومات حول نشاط كبير تقوم به قيادات في حزب المؤتمر الوطني المنحل والحركة الإسلامية لتجنيد عناصر من الشباب بهدف دعم الجيش الذي تكبّد خسائر فادحة.
وكشفت معلومات متداولة أن عددا من ضباط الجيش عقدوا اجتماعات مع قيادات في المؤتمر الوطني، أبرزها الهارب من سجن كوبر أحمد هارون، في ولايتي القضارف وكسلا بشرق السودان لتنظيم عملية التجنيد والاستفادة من القاعدة الشعبية التي تتمتع بها فلول الرئيس السابق عمر البشير في منطقة أيدت الكثير من قياداتها الجيش.
وأظهر زعماء قبائل وسياسيون في شرق السودان عداء سافرا للحكومة المدنية التي تولاها عبدالله حمدوك، ولعب هؤلاء دورا في عرقلتها عندما أشرفوا على عملية قطع الطريق الواصل بين بورتسودان على البحر الأحمر والعاصمة الخرطوم لعدة أشهر.
وأشارت المعلومات إلى أن هارون وقياديين من حزب المؤتمر الوطني التقوا عددا من أبناء القبائل في القضارف وكسلا ودعوهم إلى الانخراط في الحرب لإنقاذ الجيش، إذ يمثل هزْمه خسارة فادحة لكل أصحاب المصالح الذين ارتبطوا به خلال حكم البشير وحافظوا عليها آملين عودتهم إلى السلطة مرة أخرى.
ودفعت بلدية القضارف في جنوب شرق السودان، الخميس، بأعداد غفيرة من المواطنين ضمن ما يسمى بـ”النفرة الكبرى” لإسناد الجيش، ولعل اختيار الاسم يوضح الانتماءات السياسية والولاءات العقائدية.
وأكد والي القضارف محمد عبدالرحمن محجوب أن الولاية “انتقلت إلى مرحلة تعزيز صفوف الجيش بالمقاتلين بعد أن قدمت له الدعم المالي والعيني في معركة الكرامة. وتم فتح معسكرات التدريب للقادرين على حمل السلاح وتكوين اللجان المجتمعية”.
وأوضح اللواء ركن أحمد العماس، قائد المنطقة العسكرية الشرقية، أن هذا الاستنفار رسالة قوية تؤكد “أن البلاد محمية بشبابها وأن الولاية لم تتقاعس عن دعم الجيش”.
وذكر المحلل السوداني أحمد خليل لـ”العرب” أن “هناك نشاطا لافتا يقوم به الكيزان (جماعة الإخوان) في شرق السودان للتعبئة ومساندة الجيش”، وأشار إلى “تنامي الحراك الذي تقوم به قيادات محلية في المنطقة لدعم الجيش وتوسيع دائرة الحشد”.
وأوضح أن القاعدة الشعبية يمكن توظيفها في عمليات التجنيد، خاصة أن بعض القيادات القبلية المؤيدة لهذا التوجّه والمرتبطة برموز النظام السابق بدأت تجاهر بمواقفها وتحث على توفير دعم كبير للجيش في معركته الراهنة.
وتعتمد خطة هارون، المعروف بـ”ثعلب البشير”، في التجنيد على استثمار الولاءات السياسية لبعض الزعامات القبلية، حيث يحظى الجيش بدعم ناظر عموم الهدندوة محمد الأمين ترك الذي قام بتنظيم موكب أظهر فيه مساندته القوية للجيش.
كما أعلن قائد قوات تحالف أحزاب وحركات شرق السودان ضرار أحمد ضرار قبل أيام استعداده لتجهيز آلاف المقاتلين للانضمام إلى الجيش، ومعروف أنه كان من المقربين لمحمد طاهر أيلا والي البحر الأحمر وآخر رئيس حكومة في عهد البشير.
ولا يهدف مخطط فلول البشير وقياديّي الحركة الإسلامية السودانية إلى دحر قوات الدعم السريع بعد أن فشلوا في ذلك، بل يريدون منع التوصل إلى اتفاق بينها وبين الجيش، وقطع الطريق على اجتماعات جدة لتحقيق هذا الهدف الذي يعني ضياع فرصة يعول عليها حزب المؤتمر الوطني لاسترداد دوره السياسي في البلاد.
ويتيح قطع الطريق على التفاهم بين الجيش وقوات الدعم السريع من خلال الوساطة السعودية – الأميركية، أو أي مبادرة أخرى من الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد) أو مصر، عدم العودة إلى العملية السياسية التي تمخضت عن اتفاق إطاري استبعد أتباع البشير وقياديّي الحركة الإسلامية، ومنْع تشكيل حكومة مدنية تستعيد مشهد الحرب السابق الذي كانت فيه فلول البشير خارج اللعبة.
وتسعى تحركات هارون ورفاقه إلى حث جميع المكونات التابعة للحركة الإسلامية، وأبرزها كتائب المجاهدين بمختلف أنواعها، وكل من يؤمن بتوجهات الحركة من الشباب على المشاركة في الحرب لإطالة أمدها وإضعاف معنويات الوسطاء، وتقديم معلومات مغلوطة ومتضاربة حول الجيش والعملية التفاوضية الجارية من خلال منبر جدة.
ويقود تسخين جبهة شرق السودان عسكريا إلى انخراط آخر بقعة هادئة في الحرب، وزيادة قلق جهات إقليمية ودولية لها مصالح في موانئ السودان على البحر الأحمر وتريد أن تظل هذه المنطقة بعيدة عن الحرب التي امتدت من الخرطوم إلى دارفور ثم جنوب كردفان ولن يكون من المستبعد وصولها إلى شرق السودان.
ويعني المزيد من تدهور الوضع في الشرق اشتعال عدد كبير من الجبهات في غالبية أنحاء السودان، فلا توجد منطقة أصبحت بعيدة عن الالتحاق بالحرب، ما يهدد حياة الكثير من المواطنين الذين زحفوا ناحية الشرق بعد اندلاع المعارك باعتباره منطقة آمنة ويمكن الانتقال منها إلى دول أخرى، بحرا وجوا وبرا.
ويقول مراقبون إن ما تقوم به عناصر حزب المؤتمر الوطني في الشرق ربما يكون سببا للمزيد من استنفار مصر التي تعتبر استقرار وأمن شرق السودان من استقرارها وأمنها، وأن هذا الشرق مهم لحركة السفن التي تمر عبر البحر الأحمر من وإلى قناة السويس.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن إريتريا لن ترتاح للتصعيد المتوقع في شرق السودان، خاصة عندما يعتمد على عناصر إخوانية، وقد يفضي إلى استنهاض عناصر إريترية كامنة لها ميول إسلامية وحضور في المنطقة الحدودية وحافظت على هدوئها خلال الفترة الماضية.
المصدر: العرب