تتضاءل آمال قطاع الأعمال في إمكانية انتشال الصناعات من مأزق الحرب في ظل الضبابية حول التوصل إلى حل ينهي للأزمة، ووسط يأس من أصحاب المشاريع والمستثمرين من قدرتهم على إحصاء الخسائر مع تواصل استفحال المشكلة بشكل متسارع.
القاهرة – تصاعدت استغاثات قطاع الأعمال في السودان للتعجيل بإنقاذه بعد أن وقع ضحية الحرب المستمرة منذ أكثر من سنة، مع ظهور مؤشرات خطيرة على دخوله في دوامة الركود الإجباري جراء استفحال الأزمة الاقتصادية الخانقة.
وعمّقت الضغوط المالية التي تسببت في شلل أغلب الأنشطة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية في البلد من محنة أصحاب الأعمال، ما دفع اتحاد الغرف الصناعية السودانية إلى مطالبة السلطات بالتدخل العاجل لإنقاذ الوضع قبل فوات الأوان. واستنكر عباس علي السيد، الأمين العام للاتحاد، الدمار والتخريب اللذين حدثا لسلسلة العمل الاقتصادي ببلاده من قطاع صناعي وبنوك وغيرهما، الأمر الذي تسبب في خسائر لا يمكن إحصاؤها بشكل دقيق.
وقال خلال حديثه الاثنين الماضي في ورشة إعادة بناء وتأهيل القطاع الصناعي الذي تحتضنه العاصمة المصرية القاهرة إنه “لا يمكن تقييم خسائر القطاع الصناعي لأن التخريب والنهب والتدمير مازالت مستمرة حتى الآن بولايتي (محافظتي) الخرطوم والجزيرة”.
كما تحدث عن التدمير الذي طال البنية التحية لشبكة الكهرباء والآلات، فضلا عن النهب والتدمير لكافة السيارات الخاصة بالإنتاج الصناعي، وذكر أن هنالك تدميرا وتخريبا لبعض مزارع قصب السكر ومصانع السكر بالبلاد.
ويقدّر خبراء عدد المصانع بالبلاد بنحو 6660 مصنعا، تنتج سلعا مختلفة، أبرزها السكر والإسمنت والمواد الغذائية وصهر الحديد وتعدين الذهب، إضافة إلى صناعة الزيوت والتغليف والجلود والبعض من الصناعات الهندسية. ويسهم القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي السنوي للسودان بنحو 20 في المئة من إجمالي مساهمات بقية القطاعات الإنتاجية الأخرى.
ودمرت الحرب المناطق الصناعية والأسواق وسبل العيش في كافة أنحاء البلاد، ودفعت الملايين من السودانيين إلى دوامة الفقر بعد تعطل أعمالهم وتجارتهم، وأحالت البلاد إلى بقعة من الأزمات في كل مناحي الحياة إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا.
وتركت هذه الأزمة آثارا كارثية على الاقتصاد بشكل عام قد تمتد لسنوات مقبلة، خاصة وأنه ظل لسنوات يحاول أن يتعافى من عقبات مزمنة لازمته، وسط سعي الحكومات المتلاحقة لتحقيق استقرار اقتصادي من خلال استغلال الموارد الطبيعية.
ولكن القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تسبب في نكسة كبيرة لكل القطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية وعطل التجارة الخارجية للبلاد. ويقدر الخبراء أن الاقتصاد السوداني تكبد خسائر بأكثر من 100 مليار دولار مع إكمال سنة منذ اندلاع الحرب، لكن جهات أخرى تعتقد أنها أكبر من ذلك.
وفي حين أكد السيد حاجة البلاد إلى جهات ذات مصداقية عالمية لتحديد حجم الخسائر للقطاع الصناعي، شدد على صمود رجال الأعمال السودانيين واستعدادهم لإعادة الإعمار وتأهيل الصناعات التي تدمرت جراء الحرب.
ونسبت وكالة الأنباء السودانية الرسمية عن السيد قوله “لا بد من وضع خطط وبرامج وهيئة المجتمع وأصدقاء وأشقاء السودان بالدول العربية والإسلامية والأفريقية لعمل مشترك للخروج من هذه الأزمة”.
وتسببت الحرب في تعثر الصادرات السودانية، وتبع ذلك انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية بشكل متسارع، ووصلت إلى أرقام قياسية متدنية عند 1800 جنيه مقابل الدولار، والذي كان قبل الحرب 560 جنيها مقابل الدولار. وتوقع صندوق النقد الدولي في وقت سابق هذا العام انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 18.3 في المئة بسبب الحرب.
وخلال الأسابيع الماضية، تزايدت الدعوات الأممية والدولية إلى تجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 ولاية من أصل 18.
وقال وزير التجارة الفاتح عبدالله يوسف الشهر الماضي إن “العجز التجاري في الربع الأول لهذا العام بلغ 4.8 مليار دولار”، مشيرا إلى أن الصادرات بلغت 3.8 مليار دولار فيما بلغت الواردات 8.6 مليار دولار. وكان العجز التجاري في العام 2022 قد بلغ 6.7 مليار دولار، ليرتفع في العام الماضي إلى سبعة مليارات دولار، بحسب الأرقام الرسمية.
وكشف يوسف خلال تصريحات صحفية حينها أن الحرب دمرت قرابة 85 في المئة من المصانع، مما دفع وزارة التجارة إلى استيراد السلع لسد الفجوة خاصة السكر والشاي واللبن والدقيق.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) قد نبهت مرارا إلى أن مع استمرار الحرب وانخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 40 في المئة واقتراب ما يقرب من 5 ملايين شخص من حافة المجاعة، يحتاج السودان إلى دعم عاجل قبل موسم الزراعة الذي بدأ هذا الشهر.
ووفقا لأحدث التقييمات الصادرة عن المنظمات الدولية، يواجه قرابة 18 مليون سوداني، من أصل 47 مليون نسمة هم تعداد السكان، مستويات حادة من الجوع، وقد ناشدت فاو مؤخرا توفير نحو 104 ملايين دولار كمساعدات للبلاد.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 256.17 في المئة، وهو ما يعنى ارتفاعه بنسبة 117.4 في المئة عن مستويات ما قبل الحرب، فيما لم تصدر الحكومة أي تقارير بشأن مؤشر أسعار الاستهلاك في ظل الحرب.
ونتيجة لحالة الشلل رفعت الحرب معدل البطالة بالبلاد من 32.14 في المئة خلال 2022 إلى 47.2 في المئة عام 2024، فيما توقعت دراسة لمعهد سياسات الأغذية الأميركي، خسارة 5 ملايين وظيفة في السودان بسبب الحرب.
وتبدو صناعة الذهب بعيدة بعض الشيء عن تأثيرات الأزمة، إذ تشير إحصائيات حديثة إلى أن السودان حقق نموا غير متوقع في إيرادات صادرات هذا المعدن خلال الربع الأول من العام الحالي.
وتظهر أرقام الشركة السودانية للموارد المعدنية الحكومية أن حصيلة تجارة المعدن الأصفر في الفترة بين يناير ومارس الماضيين بلغت 428 مليون دولار من خلال تصدير أكثر من سبعة أطنان.
وفي مقارنة مع الفترة المقابلة من 2023، فقد تضاعفت الإيرادات ثلاث مرات من خلال إنتاج الذهب من سبع ولايات قياسا بإنتاج من نحو 13 ولاية قبل عام.
المصدر:العرب