أخبار السودان:
عندما ظهرت الحركات المسلحة في دارفور؛ دارت حرب إعلامية انتصرت فيها هي على النظام المخلوع، وقد أدت إلى حدوث شرخ نفسي في المجتمع أعمق بكثير مما حدث على أرض الواقع، وحين اشتدت رحى الحرب تدخل مجلس الأمن ووضع السودان تحت البند السابع ونشر قوات أممية في دارفور (اليونميد)، وهي اليوم بصدد الانسحاب ابتداء من هذا الشهر بعد 15 سنة من التواجد المستمر، انتهت الحرب السياسية ولكنها خلفت أسباباً كثيرة لحدوث الصراعات القبلية، وهذا ما لا تسطيع القوات الأممية حسمه بوجودها، ولابد من علاج الأسباب الجذرية، وهذا شأن سوداني ودارفوري بشكل خاص.
خلال فترة وجود القوات الأممية في دارفور تمكن مجلس الأمن من فهم دارفور وطبيعتها وتعقداتها الاجتماعية جيداً، ولا شك أنه اقتنع أنَّ المشكلة الأساسة تكمن في الاستغلال السياسي الذي قام به النظام المخلوع والحركات المسلحة، وتداعياته هي التي تؤدي إلى إنتاج الصراعات اليومية، ومشكلة غرب دارفور الحالية تعتبر خير مثال، وعلاجها ليس لدى مجلس الأمن بل عند أهل المنطقة.
يوم الخميس الماضي؛ اجتمع مجلس الأمن بشأن أحداث الجنينة، وتوقع الكثيرون أن يخرج بقرار، ولكنه فشل بل تعمد وقال إن ما يحدث في دارفور شأن داخلي، وفي الحقيقة “هو فعلاً شأن داخلي”، فالقوات الأممية موجودة منذ 15 سنة ولكنها لم تستطع حماية المواطنين أو وقف الصراعات والانفلات الأمني، وكيف لها أن تحمي المواطنين من بعضهم في بلدهم، هذا يتطلب وجودها في كل مكان، بالقرب من “ستات الشاي” وفي الأسواق وفي الأحياء وغيرها، وأن تتواجد في كل تفاصيل حياة المواطنين لتراقب تحركاتهم فرداً فرداً، لأن التصرفات الصبيانية التي يقوم بها بعض الشباب وتفجر الصراعات لا يمكن السيطرة عليها إلا بالحراسة الشخصية، وهذا ما لا يمكنها القيام به، بل مستحيل، لذلك قرر مجلس الأمن أن يبتعد ليتحمَّل المواطنون مسؤولية حماية أرواحهم بأنفسهم، وهذا يعتمد على رغبتهم في العيش بسلام.
مجلس الأمن لم يخطئ، وهو إنما يرسل رسالة واضحة إلى أهل دارفور، مفادها أنَّ عليهم ألا يبنوا آمالهم على المجتمع الدولي الذي التزم بدعم التغيير الشامل في السودان، وهذا أجدى وأفيد حتى لا يعود إلى محطة النظام المخلوع، هذا غير أن هناك صراعات دولية وإقليمية أكثر خطورة تنظره. وهذا لا يعني أن ما وقع في غرب دارفور ليس خطيراً، بل هو كذلك ولكن بناء السلام الاجتماعي يحتاج إلى تحرك الدولة مع أفراد المجتمع، ذلك الشرخ الذي أحدثه صراع الحركات مع النظام المخلوع لا يمكنه علاجه إلا بالعمل الوطني الخالص، ولذلك لابد من أن يساعد الناس بعضهم وأنفسهم، ويقدموا حلولاً مبتكرة للخروج من هذه الورطة إلى الأبد.
أعتقد أنه قد آن الأوان لأهل دارفور أن يغادروا المحطة التي توقفوا فيها طويلاً دون أن يتحركوا إلى الأمام، فلن يجدي نفعاً البحث عن وسيط يحل لهم مشاكلهم، ولا عمَّن يحميهم من بعضهم، يجب أن يعودوا لإرثهم القديم، وينطلقوا إلى الأمام، وإعادة بنان دارفور جديدة ومختلفة، وأعتقد أن قرار مجلس الأمن في مصلحتهم وليس ضدها، وهي رسالة يجب أن تُفهم بشكل جيد.
جريدة الديمقراطي