أخبار السودان :
قراءة في موقف ايران من حرب السودان
كثر الحديث اخيرا عن تقديم ايران دعما عسكريا للجيش في حربه التي يخوضها ضد الدعم السريع ، وتبارى مناصرو طرفا الحرب في تحليلاتهم لنفي او تاكيد الخبر دون ان يدعي اي احد انه ينطلق من معلومة وانما هي تحليلات قد تصح او تخالف الواقع.
ومن جميل ماكتب في هذا الموضوع مساهمة احد المتداخلين في قروب للواتساب ، وننقلها لرصانتها ومنطقيتها واتفاقنا مع ما جاء فيها.
كتب يقول:
لاستكشاف موقف ايران ازاء السودان وما يجري فيه، نطرح عدة أسئلة، تعيننا على تبيُّن ذلك، بعيداً عن التحليلات التي تنطلق من موقف العداء لايران وشيطنتها، أو تلك التي تنظر إلى إيران بعين الرضا المطلقة.
ما هي استراتيجية ايران بالمنطقة والعالم؟
استراتيجية ايران المعلنة هي العمل من أجل تقويض نظام السلطة الإستكباري وإزالة إسرائيل ومنع تمددها سياسياً واقتصادياً وأمنياً بالمنطقة من خلال التطبيع، وآلياتها لذلك:
– تقوية المجموعات العقائدية التي تشاركها الرؤية الإستراتيجية على مستوى العالم الإسلامي، بلحاظ انتشار الوجود العسكري والمصالح الاستكبارية.
– تمتين العلاقة مع الأنظمة السياسية التي تناهض الامبريالية بآسيا وأمريكا اللاتينية ودعم صمودها.
– العمل مع الروس والصينيين على مواجهة النظام الأمريكي الذي يقف منهم جميعاً موقفاً عدوانياً، والاستفادة منهما اقتصادياً لإضعاف آثار العقوبات الإقتصادية الأمريكية عليها.
– محاولة تحييد انشطة الدول والحكومات المرتبطة بالغرب في المنطقة، من أن يتم استثمارها غربياً ضدها.
– خلق علاقات سياسية واقتصادية مع مختلف دول العالم، لرعاية مصالحها السياسية والإقتصادية قدر الإمكان.
ماذا تريد ايران، للسودان ومن السودان؟
بحسب سيرة ايران بالمنطقة، فإنّها تناهض قدر الإمكان السياسة الصهيوغربية وأدواتها لتفتيت دول المنطقة وتقسيمها، كون ذلك يصب في مصلحة الكيان الغاصب، لذا وقفت ولا تزال ضد تقسيم العراق وسوريا واليمن وافغانستان. وهي بحسب ما تعلنه ضد التقسيم الذي جرى للسودان بانفصال الجنوب وضد أي تقسيم جديد.. وضد أن تكون المنطقة منخرطة بحرب غير الحرب الرئيسية ضد العدو الصهيوني، لأنّ ذلك يفسح المجال للصهيوني والغربي بالتدخل، ويضعف هذه الدول التي تراهن ايران على ثوابت شعوبها في مقاومة الصهيوني ، عليه تريد الاستقرار والوحدة والسلام للسودان، وتريد منه -على الأقل- ألا يكون بصف الصهاينة والأمريكان، إن لم يكن في صف المقاومة.
ما الذي بإمكان البرهان تقديمه لايران؟
الجيش السوداني الذي ربطته بايران علاقات تدريب استخباراتي وتطوير تقنيات الصناعة العسكرية خلال حقبة حكومة عمر البشير لما يزيد عن 20 عاماً، حتى 2013م. مكشوف بالنسبة للايرانيين، من عدة زوايا؛ قوة أو ضعف بنيته، قدراته التسليحية، كفاءته العسكرية والإستخبارية، عقيدته القتالية وتوجهات قياداته الكبيرة.
في 2010م قال ضابط ايراني، إنّه يستغرب أن يكون بالجيش السوداني هذا العدد الكبير من الجنرالات، دون أن يكون بناء الجيش في تعداد جنوده متسقاً مع ذلك! والرتب الكبيرة التي تمنح دون ضوابط وتأهيل حقيقي لضباطه، وقارن ذلك بجيش بلاده الذي يزيد في عديده بأربعة أضعاف وتجربة حربية وإمكانات تسليحية لا تقارن، أن أكبر الرتب فيه عميد، وأن بكل بلده حينها شخصان برتبة لواء وهما خارج الخدمة العسكرية بالجيش، ويعملان كخبراء مستشارين..
في الوقت الذي كان جيش السودان يعج بمن هم في رتبة فريق وفريق أول وربما مشير..
هذا يوضّح أن الجيش السوداني بنظر الإيرانيين ضعيف البناء، وغير مؤهل بالشكل اللازم ليكون أحد الجيوش التي يمكن المراهنة عليها في مشروع ايران محاربة الصهاينة ، ثم أن انخراط الجيش السوداني بحرب اليمن كمرتزق، وضعف أداءه العسكري فيها، كشف عن هشاشة حربية أكثر، ولا مبدئية مُسقطة لصاحبها.. عمر البشير ونظامه المتحول نحو المحور الخليجي الصهيوني، أجاب الدكتور ولايتي عن سؤال وجه له بندوة سياسية في 2012م عن تبرير وقوف ايران مع نظام الإخوان بالسودان، مع الرفض الشعبي لنظامهم لفساده وظلمه؟ قال: أنّنا نعلم مدى فسادهم وفشلهم الكبير داخل بلدهم، ونحن نمسك به اضطراراً، دون دعم حقيقي إلا في التأهيل الأمني، كيلا نزيدَ دولة أخرى لمعسكر الانبطاح..
وقبل ذلك وبحضور وفد اعلامي سوداني بطهران فيه عدد من رؤساء تحرير صحف واعلاميين، في 2008م وجهوا للشيخ رفسنجاني سؤالاً عن صحة ما كان ذكره الترابي في خطرفاته وهذياناته بأنّ رفسنجاني أسرّ إليه أنهم لا يؤمنون بالمهدي المنتظر، وإنّما يتمسكون بذلك لأجل العامة؟ فقال: هو رجل ساقط وكلامه لا يستحق الرد…
وقال أحدهم عن عمر البشير حينما بدأ بتغيير تحالفاته إنّه يشتري الذل باتباع الخليجيين ببيع العزة في علاقتهم له. وأنهم خلال 20 سنة لم يطلبوا منه أو يملوا عليه موقفاً، وكانت كل ملاحظاتهم تأتيه كمشورات واقتراحات..
البرهان قائد الجيش الذي ذهب لملاقاة نتنياهو، غطت قناة العالم الايرانية عبر مدير مكتبها وفريقه بالخرطوم تظاهرات الشارع ضده بانحياز واضح لمطالب الجماهير، خصوصاً عقب انقلابه في 25 اكتوبر..
الآن والجيش المتهالك أصلاً في أضعف حالاته ولا يسيطر على عاصمته و60-70% من تراب السودان خارج قبضته، والبرهان الذي مدّ يده للصهاينة باللقاء أولاً، وادخالهم لمراكز تسليح جيشه التي بناها له الإيرانيون ثانياً، والمُصِرّ على مواصلة الحرب ثالثاً والمشارك بحرب اليمن رابعاً، ما الذي يمكنه أن يقدّمه للإيرانيين ويجعلهم يقبلون بتسليحه؟ مع وضوح موقفهم تجاه الحرب؟
أظن عودة العلاقات الدبلوماسية هي التي يمكن أن يقوم بها البرهان، وقد فعل، وهي مطلوب ايراني، غير أنّ الإيرانيين تركوها كمكسب تحقق لهم لحين انجلاء موقف الحرب بالبلد. وكانوا قد رفضوا سالفاً تسليحهم رغم تكرار الإلحاح الكيزاني، وأوقفوا بيع درونز ومسيرات قتالية لتركيا لأنها زودت بها البرهان..
من البعيد جداً أن تقدم ايران على خطوة تسليحية كهذه، لتعارضها مع رؤيتها ومصالحها.
ما المحذورات الإيرانية في تسليح البرهان؟
– زيادة حدة الصراع المسلح بالبلد وإزهاق أرواح في حرب طرفاها باطل.
– تجربة مريرة في التعامل مع الجيش السوداني وتسليحه، ثم الخيانة الكبيرة من الجيش بفتح تلك المقار للصهاينة.
– عدم وجود رؤية مشتركة بين ايران والبرهان حيال قضايا المنطقة والعالم والأزمة السودانية الداخلية.
– عدم قناعة الإيرانيين بوجود تفاوت بين البرهان وحميدتي، الواقعين جميعاً تحت الارادة الصهيونية..
كل هذا وغيره مما طوينا عنه كشحاً، يجعل تسليح الإيرانيين للبرهان، يمثل مشكلةً لهم…
كيف تنظر ايران للإخوان حالياً؟
سعت ايران عقب انتصار الثورة الإسلامية، لتمتين علاقاتها بمجموعات الإخوان المسلمين، لوحدة الشعار بين الطرفين، وأسباب أخرى.
لكنّهم على مستوى الواقع لم يبادلوها إحساس الإخاء، والعمل بمقتضياته، بل تمترسوا خلف الخلاف المذهبي والطائفي الذي كانت تسعى هي جاهدةً، لتجاوزه في التعامل معهم على قاعدة وحدة المصير والتحديات المشتركة وكثير المشتركات التي تجعلهم يتناسون نقاط الخلاف المذهبي وعذر بعضهم بعضاً فيها.
كانوا متمترسين في مذهبية تتماهى مع الإتجاه السلفي، ويمكنهم أن يصطفوا ضد ايران ويقفوا مع السعودية، مخالفين بذاك شعاراتهم ودعاويهم. بل يصل الحد أن يحاربوا ضد حلفائها باليمن وسوريا والعراق وباكستان والسودان ومصر وتركيا ولبنان والاردن كتفاً بكتف إلى جانب الأمريكي والصهيوني والسعودي.. وتخلي الإخوان عملياً عن أهمّ ما بربطهم بايران وهو العداء للصهيونية والموقف المبدئي الداعم للفلسطينيين
، حتى الإخوان الحمساويين وحربهم ضدها وحلفاءها في سوريا، تثبت أنّ الإخوان، يعيشون فضاءً مذهبياً مغلقاً، ما يصعب معه التعاطي معهم في قضايا الأمة.
ولولا وجود حماس بخط النار مع الصهيونية والتزامها بمحاربتها، وتناسي الايرانيون وحلفاؤهم وتعاليهم على الجراح، لكانت العلاقة الايرانية بجميع الإخوان في الحضيض، ولا توجد أي دوافع للتعامل معهم، كونهم نفعيين جداً، وبعيدين كل البعد عن المبدئية..
طبعاً، لا نقول هذا على أساس الاستغراق الكامل لكل من تسمى بالإخوانية، وإنما على مستوى تنطيماتهم، أما على مستوى الأفراد فقد تكون هناك علاقات جيدة، لا أكثر..
ما موقعية حميدتي بنظر ايران والموقف منه؟
حميدتي والدعم السريع قوة عسكرية سودانية طبيعتها الارتزاق والقتل، ولا عقيدة قتالية خاصة تجمعهم.. ثم هو ومجموعته مرتبطون بالصهاينة والاماراتيبن.. وبالتالي فهو وقوته شخصية غير موثوقة ولا يمكن دعمها..
القوى المدنية السودانية من أحزاب وتكنوقراط، في الذهن الإيراني
تفكك ايران بين المدنيين السودانيين، اذ تنظر لبعضهم كحزب الأمة والناصريين والشيوعي وربما الاتحادي بعنوانها أحزاب وطنية، أما التكنوقراط فتنظر إليهم بعين الريبة بعنوانهم شخصيات مستَغَلَّة غربيا بعلمهم أو بدونه..
هل لايران حليف سياسي بالسودان؟
الخارطة السياسية السودانية سواءً الأطراف العسكرية أو المدنية، مخدوعين في الغرب، ولا يمتلكون بصيرةً ووعياً يجعلهم يبنون بلدهم، وهم متفاوتون في ذلك، ما بين مؤمن بالغرب ومتماه ومتعاون معه تماماً، إلى مفتون ومتعامل معه، إلى شاكّ فيه، لكنه فاقد للثقة في إمكانياته أو مفتقد للرؤية، الجميع مُعَوِّل على الغرب في نجاة بلدهم، وهم بذلك يسعون في تخريبها وهدمها، إذ إنّ الذي يجري بالسودان ما هو في حقيقته إلا خطة غربية، ويسهم فيها السودانيون عسكريين بدرجة أولى ومدنيين بدرجة ثانية..
هذا يبيّن أنّ الساحة السياسية السودانية تخلو من حليف للإيرانيين، حتى الشيعة السودانيين قليلو العدد، والذين لا تجمعهم رؤية سياسية واحدة حيال بلدهم، وإن اتفقوا مع ايران في الكليات إلّا أن التفاصيل تفرقهم لأكثر من مجموعة، فضلاً عن حضورهم بالسودان لا يحظى باعتراف من الجهات المتحاربة ولا الاتجاهات المدنية.
سليمان منصور