أخبار السودان :
وقالت الباكستانية البالغة 43 عاماً لفرانس برس في لاهور «عندما تخسر وظيفتك، تنتهي حياتك». استُغني عن خدمات لبنى بابار، العاملة في أحد المصانع الباكستانية، مطلع العام لتكون ضحية أخرى لأزمة قطاع النسيج الذي يتراجع لصالح منافسين آسيويين أكثر حيوية.
وتابعت «عملنا في المصانع على مدى سنوات.. عندما يتمّ تسريحك، تكون النهاية».
يعاني قطاع التصنيع الباكستاني، على غرار الوضع في مختلف دول العالم، من تباطؤ الاستهلاك العالمي وارتفاع تكاليف الطاقة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.
لكن مع تدهور الوضع الاقتصادي والاضطرابات السياسية المستمرة منذ شهور، تفاقمت الصعوبات في قطاع النسيج الذي يساهم في 60 في المئة من صادرات باكستان.
وكان القطاع قد شهد تحسناً في المرحلة الأخيرة من أزمة كوفيد، عندما رُفعت القيود عنه في باكستان قبل بلدان منافسة مثل الهند وبنغلادش، كما أنه استفاد من مساعدات حكومية شملت أسعار طاقة مخفّضة.
لكن في 2022-2023 تراجعت صادرات الأنسجة بنسبة 15 في المئة إلى 16.5 مليار دولار.
وقال مدير «سارينا لصناعة الأنسجة» حميد زمان «قبل عامين، كنا على مسار نمو مرتفع للغاية.. شعرنا بالثقة بأن صادراتنا هذا العام ستصل إلى 25 مليار دولار».
وأفاد في حديث مع فرانس برس «للأسف، عندما يكون هناك عدم استقرار سياسي وتكون الأمور غير واضحة، وتُقلب سياسات الحكومة، ينتهي الأمر بمأزق».
وبدأت الاضطرابات السياسية في نيسان/أبريل العام الماضي، عندما أقيل عمران خان من منصب رئيس الوزراء عبر تصويت لسحب الثقة.
ولدى سعيه لتحويل الدعم الشعبي له إلى تحرّك يهدف لإجبار الحكومة على تنظيم انتخابات مبكرة، تم إيقاف عمران في أيار/مايو لتندلع أعمال عنف لم تنته إلا بحملة أمنية واسعة النطاق استهدفت حزبه وأنصاره. وأمس الأول أدين بالفساد وحُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
يذكر أن قطاع الأنسجة والملابس الباكستاني يقوم بتشغيل حوالي 40 في المئة من قوة العمل الصناعية التي تضم 20 مليون شخص.
وتشمل أسواق التصدير الرئيسية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وتركيا والإمارات العربية المتحدة، حيث توفر باكستان أقمشة قطنية ومنسوجات وأغطية أسرّة ومناشف وملابس جاهزة لعلامات تجارية عالمية على غرار «زارا» و»إتش أند إم» و»أديداس» و»جون لويس» و»تارغت» و»مايسيز».
لكن العديد من المصانع أغلقت أبوابها، على الأقل مؤقتا، خلال الأشهر الأخيرة أو لم تعد تعمل بطاقاتها الكاملة.
وأوضح زمان «أغلقت ما بين 25 و30 في المئة تقريباً من مصانع النسيج أبوابها. ويقدّر بأنه تمّ خسارة قرابة 700 ألف وظيفة في العام الماضي أو منذ عام ونصف العام».
اختبرت بابار لاهور ذلك بنفسها لدى محاولتها البحث عن عمل في مصانع أخرى، لتدرك بأنها تسرّح الموظفين أيضاً. وقالت «قالوا أنهم لم يعودوا يتلقون طلبات من الخارج».
وبعد فيضانات صيف 2020 المدمّرة، تراجع إنتاج القطن في باكستان إلى مستوى قياسي.
لم يكن بمقدور قطاع الأقمشة لاهور التعويض عبر الشراء من الخارج نظراً إلى تجميد الحكومة الواردات للمحافظة على احتياطاتها المتناقصة من العملات الأجنبية.
وعَلِقت بالتالي آلاف الحاويات المليئة بالمواد الخام والآليات الضرورية لصناعات البلاد لشهور في ميناء كراتشي (جنوب).
كما شهدت شركات النسيج ارتفاعاً كبيراً في كلفة رأس المال، مع تجاوز معدلات الفائدة نسبة 20 في المئة فيما سعى المصرف المركزي للحد من التضخم القياسي.
ونجحت باكستان أخيراً في تعزيز احتياطياتها من العملات الأجنبية عندما أُقرّ في منتصف تموز/يوليو قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من «صندوق النقد الدولي» ومساعدات إضافية من الصين والسعودية والإمارات تمثلت في إيداع مليارات الدولارات في بنكها المركزي.
لكن مدير «أقمشة غازي الدولية» لاهور كامران أرشاد رأى أن «ذلك ليس حلاً إذ أنه مجرّد إغراق بالمزي من الديون».
وشدد على أن «الطريقة الوحيدة للمضي قدما هي عبر زيادة صادرات باكستان وخلق بيئة مشجّعة على الاستثمار من شأنها تحفيز النشاط والإنتاج الصناعي».
وشملت شروط خطة الإنقاذ التي وضعها صندوق النقد إنهاء دعم الطاقة، ما أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف الكهرباء، وهو ما يؤثر على تنافسية شركات النسيج. وأفاد أرشاد أن «التحدي الأكبر الذي نواجهه هو أن أسعار الطاقة أعلى بكثير من تلك في الهند وبنغلادش وسريلانكا وفيتنام والصين.» وتابع القول «لا نطلب دعماَ. نطلب بشكل واقعي بأن تكون أسعار الطاقة الإقليمية تنافسية».
وفي ظل هذه التحديات، خسر مصنعو النسيج في البلاد زبائن على مستوى العالم.
وأوضح عامر فايز شيخ، الرئيس التنفيذي لـ»كوفينور ميلز»، أن «حصة باكستان السوقية الإجمالية في قطاع النسيج والملابس العالمي كانت 2.25 في المئة قبل عامين. تراجعت أمس إلى 1.7 في المئة».
ومع ذلك يرى شيخ بارقة أمل إذا استقر الوضع السياسي بعد الانتخابات المقررة قبل نهاية العام، وقال «بعد الانتخابات سيكون هناك المزيد من الوضوح السياسي وسيساعد ذلك في تحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي»
لكن بالنسبة لعمال عاديين مثل بابار، وهي أم لثلاثة أطفال، فالأمل ضئيل.
وقالت «الحياة تزداد صعوبة كل يوم.. نطهو مرة ونحرص على أن يكفينا الطعام ليومين. وإذا لم يكن لدينا طعام، نتدبر أمورنا بدون أن نشتكي».
المصدر : القدس العربي