عود لمشكلة كلية الطب جامعة السودان:: كنت كتبت قبل حوالي أسبوع هنا عن مشكلة كلية الطب بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا.. ليس باعتبارها مشكلة محدودة المكان والزمان بل لأنها تصلح للقياس و (النمذجة) لحل مشاكل بلادنا كلها، فالعبرة هنا ليس بحل المشكلة بل (منهج) حل المشكلة ليصبح أنموذجاً قابلاً للتداول في باقي مشهدنا السوداني المعتل بالأزمات.
عناصر المشكلة ثلاثة: الجامعة والطلاب والوضع السياسي في البلاد؛ وهي نموذجية بكل المقاييس، فجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا عمرها أكثر من 100 عام منذ أن كانت “معهد الكليات التكنلوجية” إذ نالت صيتاً أكاديمياً محترماً حتى قبل أن تتحول إلى جامعة، والآن هي واحدة من أكثر الكليات التي تهوي إليها رغبات الطلاب عند التقديم للجامعات. ولهذا زاد عدد طلابها عن 60 ألف، منهم حوالي 15 ألف في الدراسات العليا.
عود لمشكلة كلية الطب جامعة السودان::: أما العنصر الثاني في المشكلة فهم طلاب كلية الطب بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا وكلهم متفوقون دخلوا الكلية بدرجات عالية ويمثلون زبدة الطلاب..
والعنصر الثالث في المشكلة هو النظام السياسي في البلاد، البيئة الحاضنة للظرف الراهن.. فقد ولى عهد الدكتاتورية التي تفرض الأمر الواقع أو ترفع راية الحلول الأمنية فوق كل الحلول.
مزيج هذه العناصر الثلاثة في المشكلة يجعل الحل (انموذجا) تتوفر له مقومات الرشد المستبين.
لكن – وما أفجع لواكن البلد الملكون– القضية وصلت الآن إلى الراهن العجيب، قرار من ادارة الجامعة بتعليق الدراسة إلى “أجل غير مسمى”!!! و استمرار اعتصام طلاب كلية الطب أمام مقر كليتهم.
ومن مجرد مطالب أكاديمية مستحقة لتجويد وترفيع مستوى الدراسة العملية في الكلية ارتفع السقف لمطالب صريحة بإقالة ادارة الجامعة بعد أن انحسر منسوب الثقة إلى أدنى مستوياته..
عود لمشكلة كلية الطب جامعة السودان::: وبدلاً من حل المشكلة بمنهج “انموذج” تحولت إلى تعقيد أكبر يصلح ليكون درسا عنوانه (كيف تصنع مشكلة من لا مشكلة).
كلية الطب بجامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا تتوفر لها فرصة نادرة لتصبح في صدارة كليات الطب في السودان فعلاوة على أنها من رحم جامعة مرموقة فهي تحظى بأفضل مكان موقعا ومساحة ، وتتوفر لها امكانيات مادية كبيرة وسبق أن تقدمت مؤسسة طبية عربية مرموقة لتشييد مستشفى حديث لهذه الكلية.
ليس في يد ادارة الجامعة والطلاب إلا أن يرسموا لوحة الحل معا، حوار بناء بكل شفافية بمبدأ ( فوز– فوز) يفضي لالتزامات موثقة من الجامعة بالإيفاء بكل المطلوبات خلال فترة قصيرة وتبدأ مسيرة جديدة ليس لحل مشكلة نواقص أكاديمية بل لاستكمال صناعة نجاح مبهر يجعل الطالب فخور بانتمائه للكلية، بل وربما يتولوا هم يوما ادارتها.
ليس مطلوباًحل المشكلة فحسب، بل حل يصبح نموذجا يحتذى لكل مشاكل السودان.. نموذج الحوار البناء..
نأمل أن تواصل الكلية الدراسة بعد العيد إذا صح العزم والنوايا.
جريدة التيار