سؤال يبدو مثيرا للدهشة، لماذا تَفاوت الاهتمام الدولي بين ما يجري في السودان حاليا، وما تواجهه جارته الشرقية إثيوبيا.
في السودان مجرد خلاف سياسي أدى لتدخل المؤسسة العسكرية، لكن في إثيوبيا حرب أهلية بالغة الخطورة وصلت مرحلة حصار العاصمة أديس أبابا وهواجس تفتيت واحد من أعرق البلاد الأفريقية تبدو شاخصة وبقوة في المشهد العام، مع ذلك الاهتمام وردود الفعل الدولية أقوى تجاه السودان، رغم أن إثيوبيا بلد مثقل بالحمولة السكانية، أكثر من مائة مليون نسمة تتجاوز ثلاثة أضعاف السودان.
الإجابة- في تقديري- تجذب الانتباه إلى ما يغفل عنه كثير من النخب السودانية، خاصة الذين بيدهم القرار في مختلف المستويات.
السودان دولة محورية، إقليميا ودوليا، له مزايا جيوبوليتكية كافية لتجعله ”صانع ألعاب“ لا مجرد متلقي للمنح والهبات الدولية.
الاهتمام الدولي بالقارة الأفريقية نشط كثيرا خلال فترة التسعينيات وبعد الألفية الثانية، ويبدو ذلك واضحا في الحرص الدولي على تبني علاقات مباشرة مع القارة الأفريقية كاملة، أوروبا تعقد مؤتمرا دوريا تحت اسم (أوروبا وأفريقيا) وكذلك تفعل أمريكا الجنوبية وكثير من الدول الكبرى مثل فرنسا وروسيا والصين والهند.
بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي أعادت النظر في سياساتها الخارجية وغيرت اسم وزارة الخارجية لتضيف إليها كلمة (والتنمية) في دلالة على طبيعة العلاقات الدولية التي تنظر إليها في المرحلة الجديدة. وابتدر وزير خارجية بريطانيا زياراته الخارجية بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي بجولة أفريقية شملت السودان وكينيا وإثيوبيا، كتب بعدها مقالا في صحيفة لندنية حدد فيه استراتيجية بلاده في المنطقة، ركز فيها على التعاون والشراكة الاقتصادية.
في زخم هذا التوجه العالمي نحو أفريقيا تبحث الدول الكبرى عن ”قاعدة انطلاق“ استراتيجية توفر لها أفضل الفرص والتأثير في أفريقيا.
قائد قوات ”الأفريكوم“ الأمريكية زار السودان مفتتح هذا العام 2021 وشملت زيارته ميناء بورتسودان المطل على البحر الأحمر، في إشارة واضحة لسباق مع النفوذ الروسي_ الذي بدأ في تفاهمات لبناء قاعدة بحرية في المنطقة_ والمحاولات التركية أيضا لاستعادة الدور التاريخي في ميناء ”سواكن“ السوداني.
وزير الشؤون الأفريقية بالمملكة العربية السعودية زار السودان في فبراير 2021، وتحدث في مؤتمر صحفي عن منظومة أمنية استراتيجية للدول المطلة على البحر الأحمر.
ولمجرد التذكير؛ السودان من أهم معابر تجارة الجريمة عابرة الحدود المختصة بالاتجار بالبشر والمخدرات والسلاح، فحتى عصابات الجريمة المنظمة دوليا أدركت الأهمية الكبرى لموقع السودان الجغرافي في منطقة وسط بين شمال وجنوب أفريقيا من جهة وشرق وغرب أفريقيا أيضا، وحلقة وصل بين الإقليم العربي الممتد من الخليج إلى المحيط وعمق القارة الأفريقية.
الأبعاد الجيوبوليتيكية للسودان تتزاحم مع موارده الطبيعية الهائلة، خاصة في الزراعة بشقيها النباتي والحيواني وموارد المياه والمعادن والطاقات المتجددة.
لهذا يحظى السودان باهتمام دولي يفوق غيره من الدول الأفريقية؛ ما يرفع حرارة ردود الأفعال الدولية لما يجري داخله.
ولكن في السياق ذاته، فإن النظرة الدولية للسودان براجماتية تتخطى قواعد القيم التي ترفعها رايات المنظمات الدولية، مثل الديمقراطية وغيرها، بما يجعل التغيرات في المشهد السوداني قابلة للنظر على ضوء الواقع على الأرض، أشبه براكب في قطار سريع يرى من النافذة في كل حين وآخر لافتة محطة جديدة.
المجتمع الدولي رفع البطاقة الصفراء منذ بدأت الترتيبات العسكرية الراهنة، لكنه يدرك أن رفع البطاقة الحمراء مرتبط بما يحدث على الأرض في السودان، بالمشهد الواقعي لا الافتراضي، وعلى ذلك يرهن لون بطاقته المدخرة.
المصدر السودان الان