أخبار السودان:
في العام 2019 قالت منظمة الصحة العالمية إن هناك شخصا يموت منتحرا كل 40 ثانية في العالم، وإن ظاهرة الانتحار في تزايد مستمر وإن نسبة 79% من حالات الانتحار توجد في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل مثل السودان يعني، وذكرت في آخر إحصائية سنوية لها أن مصر تأتي في مقدمة الدول العربية حيث شهدت 3799 حالة انتحار يليها السودان الذي بلغ عدد المنتحرين فيه ـ3205، وإذا قارنا هذا الرقم مع عدد سكان السودان الذي يساوي ثلث سكان مصر سيكون السودان أسوأ، وبصفة عامة هو ضمن أكثر الدول التي ترتفع فيها نسبة الانتحار عالميا خلال السنوات الماضية، والسبب طبعا سياسات النظام المخلوع التي جعلت الشعب السوداني يعيش في حالة حرمان ويأس وإحباط مستمرة وبلا بارقة أمل، وكان يمكن لثورة ديسمبر أن تقلب الموازين ولكن صراع العسكر والأحزاب والحركات تسبب في أن يبقى الحال كما هو.
في شهر يوليو 2017 كشف مدير مستشفى الأنف والأذن والحنجرة الخرطوم عن استقبال المستشفى 226 حالة انتحار بالصبغة في النصف الأول من العام نفسه أي ما يساوي 452 حالة في السنة بمعدل 37 حالة شهريا معظمها فتيات أعمارهن بين 17 و24 سنة، استخدمن الصبغة بهدف الانتحار، وطبعا الأمر مبرر فما زال المجتمع السوداني عنيفا مع البنات ويواجهن الكثير من المشاكل الاجتماعية التي تتعلق بهن وحين لا يجدن الدعم والمساعدة يضعن حدا لمعاناتهن بالانتحار، وحقيقة يشتهر المجتمع السوداني بانتحار الفتيات بالصبغة ولكن لا يذكر أبدا أن الذكور يقومون بنفس الفعل وهذا هو الجديد.
في تقرير جديد عن موقف الانتحار بالصبغة في السودان للعام 2020 كشف مستشفى الخرطوم الأنف والأذن والحنجرة في تقريره لهذا العام والذي صدر قبل ثلاثة أيام يقول إن الرجال في العام 2020 هم الأكثر تناولا للصبغة من النساء في الفئة العمرية بين 25-44 سنة تحيدا، وإن العام شهد تسجيل (350) محاولة انتحار منها 31 حالات ذكور و33 حالة إناث تتراوح أعمارهم بين 5-14، أي أطفال ومن سن( 15-24 )عدد الذكور 24 والإناث 45 ، أي أطفال وشباب صغار، والفئة العمرية من( 25-44 ) سنة فإن عدد الحالات بلغ (45) ذكور و(40) إناث، وفي الفئة العمرية ( 45- 59) سنة بلغت 20 حالة ذكور و 25 حالة إناث، ولفت إلى أن مجموع حالات الذكور الذين تناولوا الصبغة (157) حالة، فيما بلغ عدد الإناث (193) حالة، بمجموع كلي (350) حالة، فيما بلغ عدد الوفيات (10) إناث في الفئة العمرية بين 25-44 سنة، هذا غير 77 طفلا تناولوها عن طريق الخطأ .
وهذا ليس كل شيء فحسب التقرير قبل جائحة كورونا كان المستشفى يستقبل حالات أكثر من هذا العدد، ويجري يوميا ما بين 20 – 30 عملية. وقد شكا المدير الطبي لمستشفى الأنف والأذن والحنجرة من الضغط الذي تواجهه المستشفى في ظل ضعف الإمكانات فهو أيضا يستقبل أضعاف هذا العدد بكثير من المرضى الآخرين.
تخيلوا هذا الرقم في مستشفى الخرطوم فقط، وبلا شك هناك مستشفيات أخرى في الخرطوم وبقية مدن السودان استقبلت أعدادا أخرى إذا أضفناها لإحصائية مستشفى الخرطوم مؤكد سيكون العدد أكبر بكثير وربما يضع السودان في صدارة دول العالم، والملاحظ ارتفاع عدد الأطفال الذين حاولوا الانتحار في أعمار صغيرة جدا ما بين 5 سنوات وحتى 15 سنة وشباب صغار، والملاحظ أيضا أن غالبية المنتحرين من سن 59 وأقل أي أنها الفئة المنتجة، وهذا مؤشر خطير .
عموما تقرير مستشفى الخرطوم يعتبر دراسة وجرس إنذار لتنتبه الدولة لهذه الظاهرة الخطيرة والتعامل معها بشكل جيد وسريع من خلال محاربة أسباب اليأس والإحباط وضيق الأفق التي أصبحت حالة عامة، وللمجتمع أيضا دور يجب أن يقوم به ولكن ينقصه الوعي، غدا سنتحدث عن هذا الموضوع .
جريدة الديمقراطي