صورة قاتمة من التاريخ الفرنسي
بعض الدول التى تتشدق اليوم بحماية الحريات والدفاع عن حقوق الانسان هى نفسها التى تلطخ تاريخها بظلم الشعوب وممارسة ابشع أنواعه ، وبدون حياء تأتى لتنتقد هذا أو ذاك ، وتطالبهم برعاية حقوق الإنسان وحماية الحريات.
كثيرة هى الدول التى يمثل تاريخها نقطة سوداء مظلمة كالحة ، واغلبها – ان لم نقل كلها – ما زالت تمارس نفس السوء ، وما الاستكبار الذى تمثله بعض الدول اليوم الا ظلم واستعلاء وقبح وعدم أخلاق.
نتحدث فى هذه المساحة عن فرنسا التى كانت وما زالت تمارس الظلم والاستكبار ، إذ مثلت حقبة الاستعمار إحدى أقبح صور ظلم الإنسان لأخيه فى تاريخ البشرية الطويل ، والان تمارس فرنسا الظلم والسرقة والتعدى على الآخرين ، فتسرق موارد أفريقيا ، وتستعبد أبناءها ، وترفض منحهم الحق فى الاستقلال الحقيقى ، وتظل هى المتحكمة فى اقتصادهم وطبع عملتهم الوطنية ، وفى بعض البلدان تحتفظ بقواعدها العسكرية ، بل تمنع الجيوش الوطنية لبعض البلدان من تحليق طائراتها فوق هذه القواعد ، مما يعتبر شكلا من أشكال الاستعمار وانتهاك السيادة.
ونريد الإشارة قليلا إلى صورة سوداء قاتمة من تاريخ فرنسا الاستعمارى القبيح للجزائر ، إذ عمدت بشتى السبل لتغيير هوية الشعب العربى المسلم ، وسعت الى طمس هذه الهوية ، وابدالها بأخرى مشوهة مسخ ، وليس حديثنا عن فرض اللغة الفرنسية على الكل ، ومحاربة العربية وغيرها من اللهجات المحلية ، ولا الهجمة الشرسة والمنظمة على التوجهات الدينية ، وإنما نتناول ملمحا من ملامح التغيير الثقافى الذى سعت سلطات الاستعمار الفرنسى الى تكريسه فى الجزائر فنراها مثلا عمدت إلى تغيير اسماء العوائل والأسر حتى يتم فصل الاجيال اللاحقة عن تاريخ اسلافها ، فهناك عوائل مثلا تحمل اسماء بو بقرة بو بغلة ، الخامج ، ابن الكلب ، المجراب وغير ذلك من الأسماء القبيحة والالقاب المشينة والتى تلاحق بعض العائلات الجزائرية منذ قرن وربع تقريبا ، ولم يختر الجزائريون فى الحاضر ولا الماضى هذه الأسماء ولا الالقاب ، بل فرضها عليهم الاستعمار الفرنسى ليهينهم ، ويحدث تغييرا جذريا فى القاب شريحة واسعة من المجتمع الجزائرى ، ويقطع انتسابهم لشجرة العائلة.
فى العام 1882 سجلت الادارة الفرنسية اسماء الجزائريين وفتحت سجل الحالة المدنية الذى عبره يتم حصر وتسجيل وتعريف الجزائريين وشرعت فى تسجيل ابناء البلد بأسماء محرفة ، والقاب تدل على الاذلال والاحتقار والاستهزاء ، واختار موظفو الإدارة ( الفرنسيين) الأسماء على هواهم ، وكان على كل من يرفض اللقب الذى تختاره الإدارة الاستعمارية ان يستعد لمواجهة التعذيب بل حتى الموت.
وأكدت ابحاث علم الاجتماع ان القاب الجزائريين كانت تحمل سلسلة الآباء والقبيلة والمكان ، وقد تعمد الاستعمار بترها وتغييرها بهدف تشويه أصولهم وانسابهم ، وقصد المستعمر ان يسميهم بأسماء حيوانات واوساخ وتنابز واعضاء تناسلية وغيرها بهدف طمس هوية المجتمع ثقافيا ودينيا ، وتفكيك وحدة القبائل بتشتيتها واضعاف قدرتها على المقاومة ، وتقسيمها إلى القاب عائلية متباينة ، وأحيانا يكون فرض اللقب المشين عقوبة لعوائل مقاومة للاستعمار.
وعلى الرغم من سعى وزارة العدل الجزائرية لعلاج العديد من هذه الملفات ونجاحها فى علاج ما يزيد عن الثلاثمائة الف اسم عائلة الا ان المتبقى مازال كثيرا جدا إذ هناك مئات الالاف من الحالات تنتظر علاج مشكلتها.
هذه بعض الصور القبيحة لفرنسا وتاريخها الأسود وما زالت فرنسا هى فرنسا بظلمها وسوئها وكذبها واحتيالها ولصوصيتها.
سليمان منصور