اخبار السودان
تذرع السودانيون المشاركون في اعتصام القصر الجمهوري المطالبون باستعادة العسكر للحكم، بتدهور الوضع المعيشي الذي رافق بداية التحول الديمقراطي في السودان في أغسطس/آب 2019، إلا أن الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة المعزولة مؤخرا أدت إلى بداية استقرار في الأسعار والأسهم، لكن الانقلاب الذي دبره الفريق عبد الفتاح البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بحجة خطر اندلاع حرب أهلية مقبلة، يثير مخاوف من انهيار اقتصادي خطير.
بهذا الكلام، لخصت مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية مقالا لمراسلتها في الخرطوم أوغستين باسيي، قالت فيه إنه لا مبرر اقتصاديا للانقلاب، لأن الاقتصاد بدأ في الاستقرار مع وصول أول دعم مالي دولي، وكما يقول الخبير الاقتصادي عبده يحيى المهدي “توقعنا 150 مليون دولار من صندوق النقد الدولي و500 مليون دولار من البنك الدولي
لا مبرر اقتصاديا للانقلاب
وبعد الانقلاب علقت الولايات المتحدة مساعدات قيمتها 700 مليون دولار، وأصبح من المؤكد أن “المجتمع الدولي يشترط لدعمه المالي عودة الحكم المدني، وهذا الموقف -حسب المهدي- سيضر في النهاية بالمواطن السوداني العادي، وهو يشكل قلقا بالغا بشأن الأزمة الاقتصادية التي تلوح في الأفق”
ويلقي الاقتصادي مجاهد خلف الله باللوم على الانقلابيين في إفساد التحسن الذي كان يجري، قائلا إن “عوائد الجمارك الحكومية خلال الأشهر الثلاثة الماضية تضاهي عائداتها في عام 2020 بأكمله، وبالتالي لم يكن هناك مبرر اقتصادي للانقلاب، وقد كان بإمكاني أن أتفهم تدخل الجيش لو حدث في سبتمبر/أيلول 2020 عندما كانت حالة الاقتصاد متدهورة”.
من جهة أخرى، توقع خلف الله أن تكون لانقطاع الاتصال بالإنترنت المتواصل منذ 10 أيام عواقب وخيمة على الدخل، لأن شركات الاتصالات -التي تفرض عليها الدولة ضريبة تبلغ 42% من دخلها- تعد من المصادر المالية الرئيسية للدولة، كما أن عددا كبيرا من الشركات توقفت عن العمل لأن أنشطتها تعتمد كليا على الإنترنت.
ومن ناحيته، يرى إريك ريفز، الباحث المتخصص في شؤون السودان بمعهد ريفت فالي، ظهور “صعوبات اقتصادية” في الأفق، حيث يقول ساخرا إن “أسلحة الجيش لن تحل مشكلة الجوع والغضب اللذين سيواجه بهما الركود المتوقع، وقد لا تكفي المساعدات التي سيقدمها حلفاء الجيش السوداني الثلاثة، مصر والإمارات والسعودية، لأنها ستكون على المدى القصير ولن تكون قادرة على حل المشاكل الاقتصادية على المدى الطويل، كما أن الانهيار الاقتصادي سيتطلب أموالا أكثر مما هم على استعداد لتقديمه
هبوط أسعار الخبز والسكر
على الرغم من هذه التوقعات القاتمة كما تقول المراسلة، فإن سعر السكر انخفض بشكل كبير في غضون أيام بعد تجاوزه 2500 جنيه سوداني للكيلوغرام (حوالي 5 يوروات) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وعاد الآن إلى تكلفته الأصلية ما بين 300 و500 جنيه سوداني (بين 60 سنتا ويورو واحد)، كما عاد رغيف الخبز المدعوم الذي أصبح يباع بحوالي 5 جنيهات سودانية (سنت واحد)
وتقول المراسلة إن ذلك ترافق مع فتح الانقلاب ميناء بورتسودان جزئيا، وهو ما مكّن من نقل مخزون السكر الموجود هناك، وسمح بتحرير حوالي 190 ألف طن من الدقيق، وبالتالي “لا يمكنك القول إن الأسعار قد انخفضت -كما يقول الخبير الاقتصادي مجاهد خلف الله- بل عادت فقط إلى قيمتها الطبيعية”، ويبدو أن العديد من المحللين والناشطين يتفقون معه على ذلك، معتقدين أن الجيش كان وراء شلل الرئة الاقتصادية للبلاد منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي عن طريق قفل الميناء والذي قام به أنصار الزعيم القبلي محمد الأمين ترك شرقي البلاد.
غير أن هذا الهبوط المفاجئ في الأسعار لم يقنع أفراد لجان المقاومة الذين نظموا مسيرة هائلة يوم السبت 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي للاحتجاج على مصادرة الجيش للسلطة، إذ تتهم إحدى أعضائها، وهي طالبة الطب سارة عثمان (21 عاما)، “الجيش بخفض الأسعار لإظهار أنهم يريدون مساعدة الناس، لكننا على الإطلاق لا نثق بهم لأنهم يواصلون قتلنا في الوقت نفسه”.
وتختتم المراسلة بأنه من المقرر تنظيم مظاهرة حاشدة ثانية في الأيام المقبلة للتنديد مرة أخرى بأكاذيب من يتذرعون بالصعوبات الاقتصادية والأمنية من أجل استعادة نظام يشبه بشكل متزايد 30 عاما من دكتاتورية عمر البشير، الذي أسقطته ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018.