اشتكت مجموعة من المواطنين من سوء وتردي الأوضاع الاقتصادية بسبب ارتفاع الأسعار للاحتياجات الضرورية، مما انعكس سلباً على أسرهم وتسبب في عجزهم عن توفيرها، ووصل الأمر عدم تلقي طلاب بمرحلة الأساس في مناطق طرفية لوجبة الفطور بسبب الفقر وارتفاع الأسعار. وعزى خبير اقتصادي ذلك للتخبط في السياسات الاقتصادية والإضرابات المتكررة للعمال والموظفين.. (الديمقراطي) في المساحة التالية تعكس أبعاد القضية..
في سوق الكلاكلة اللفة، جلست عائشة موسى ذات الستين عاماً، وقد وضعت أمامها طبقاً لبيع (الكسرة)، كانت تجلس تحت أشعة الشمس دون واقٍ. قالت في حديثها لـ (الديمقراطي) إنها تقوم ببيع (الكسرة) لتعول أبنائها بعد أن توفي والدهم وتركهم تحت رعايتها، وأضافت أن الأوضاع الاقتصادية أصبحت ضاغطة وتزداد سوءاً يوماً بعد يوم، خاصة بعد بداية العام الدراسي.
وأوضحت بقولها: “أعمل منذ أربعة أعوام في صناعة وبيع الكسرة، أحضر إلى السوق عند السابعة صباحاً، وأجلس حتى الرابعة عصراً لأتمكن من بيع كل ما أحضرته”. واشتكت عائشة من ارتفاع أسعار مدخلات الكسرة من الذرة، وقالت: “كانت ملوة العيش تباع بواقع 250 جنيهاً، والآن أصبحت بمبلغ 1000 جنيه”. وأبانت أن الزيادة في الأسعار بنسبة (150%)، واشتكت من ضعف الإقبال على الشراء، مما أدخلها في خسائر، ولكنها في ظل الأوضاع الحالية والحاجة، مضطرة للعمل حتى وإن كان بالخسارة، لتوفر الحد الأدنى من الاحتياجات الضرورية.
مرتبات ضعيفة
عبدالحي عبيد، يعمل في إحدى المؤسسات الحكومية (جنايني). قال: “أتقاضى راتباً لا يغطي كافة احتياجاتي الأسرية، أعمل دوامين لأتحصل على مبلغ 60 ألف جنيه”. أضاف: “أستغل المواصلات للوصول إلى موقع عملي، واحتاج مبلغ 2 ألف ذهاباً وإياباً، الأمر الذي جعل الراتب ضعيفاً جداً أمام الاحتياجات، خاصة أن العام الدراسي قد بدأ. لدي 6 من الأبناء بالمراحل الدراسية المختلفة، وقد وصل سعر الزي المدرسي لمرحلة الأساس 8 آلاف للبسة الواحدة، وسعر الحقيبة المدرسية ما بين 5 – 10 آلاف، وهي حقائب من النوع الرديء، هذا بخلاف الكتب والكراسات”. تابع: “هذا الأمر جعلنا نضطر أنا وزوجتي لبيع الثلاجة الوحيدة بالمنزل لتغطية احتياجات الأولاد، وعزاءنا أن الشتاء على الأبواب”. لكنه عاد ليحمل الحكومة الانقلابية سوء وتردي الأوضاع الاقتصادية، مطالباً بضرورة تكوين حكومة مدنية لإزالة التشوهات الاقتصادية التي تسبب فيها الانقلاب، والتي ألقت بظلالها على المواطن المغلوب على أمره، وناشد عبدالحي الجهات المختصة بتوفير الكتاب المدرسي لجميع الطلاب بالمراحل الدراسية.
طلاب الجامعات
في ذات السياق، اشتكت مجموعة من طلاب الجامعات من المعاناة اليومية بسبب ارتفاع الأسعار ومحدودية دخل أسرهم، تقول الطالبة (فاطمة) التي تدرس بجامعة النيلين- كلية العلوم، تقول: “أكثر ما نعانيه كطلاب، تعرفة المواصلات المرتفعة، في ظل غياب المجلس التشريعي، وعدم الاعتراف ببطاقة الطالب. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار تصوير الشيتات، حيث وصل سعر طباعة الورقة الواحدة مبلغ خمسين جنيهاً، مع ملاحظة أن عدد أوراق المذكرة للكورس الواحد تكون أكثر من 100 ورقة”. وأضافت: “هذا الأمر أثقل كاهل الطلاب الذين اشتكوا للأساتذة المحاضرين، ما جعل الأساتذة يقومون بتوفير الشيت (بي دي إف) على الهواتف، ولكن بعض الطلاب اضطروا لبيع هواتفهم لتوفير احتياجات الدراسة، بالإضافة إلى أننا نجد صعوبة في القراءة من الهواتف نسخة الـ (بي دي إف)”. وطالبت مجموعة من الطلاب الذين إلتقتهم (الديمقراطي) بعودة بطاقة الطالب لأنها ستساهم في تخفيض أسعار الترحيل.
تعرفة ضعيفة
يقول محمد حسن، صاحب مركبة مواصلات، إن الأوضاع الاقتصادية الراهنة أثرت بصورة سلبية على كل شرائح المجتمع السوداني، وأصبح الجميع في مرتبة واحدة من حيث المعاناة اليومية، وقال إن أسعار الوقود شهدت ارتفاعاً جعل من التعرفة التي يشتكي منها المواطن لا تغطي تكاليف الإنتاج والصيانة، في ظل غلاء وارتفاع أسعار الإسبيرات رديئة النوع، بالإضافة لرداءة الطرق التي لا تهتم الجهات ذات الصلة بصيانتها، الأمر الذي يجعل المركبات في حاجة دائمة للإسبير.
وأضاف: “نعاني كغيرنا من الغلاء الطاحن، لا نستطيع تغطية احتياجات أسرنا، ونفكر في الهجرة في ظل الأوضاع السياسية المعقدة وتمسك الانقلابيين بالسلطة”. مطالباً السلطة الحالية بالاستقالة، وردد بقوله: “والله الثوار أكثر نضجاً عندما رددوا: العسكر للثكنات”.
طلاب لا يتناولون وجبة الإفطار
كشف معلمون بمرحلة الأساس بمنطقة جبرونا والعزبة أم درمان، عن عدم تناول بعض الأطفال لوجبة الفطور في كافة الصفوف من الأول وحتى الثامن. يقول أحد المعلمين- فضل حجب اسمه- إن الطلاب عقب قرع جرس الفطور بالصف الأول يحضرون إلى مكاتب المعلمين يبكون، ويشتكون من أن ليس لديهم فطور، مما يضطر المعلمين للتنازل عن إفطارهم للطلاب وهو لا يكفي كل الطلاب، ما دفعهم للجوء إلى إحدى المنظمات التي أصبحت توفر وجبة للأطفال، وهي عبارة عن بليلة عدسية.
وعزى المعلمون ذلك إلى نسبة الفقر في المنطقة، والتي تصل نسبته (90%)، وقال أحد المعلمين إن عدم توفر وجبة الإفطار يساهم في ضعف التحصيل بالنسبة للتلاميذ.
تخبط في السياسات
الخبير الاقتصادي محمد الناير، قال: “بالرغم من توفر مساحات صالحة للزراعة تزيد مساحتها عن 180 ألف فدان، المزروع منها فقط يقدر بـ 30 ألف فدان، مع وجود 30 نوعاً من المعادن النفيسة، ومخزون نفطي، ومصادر مياه متنوعة، وممر البحر الأحمر الملاحي الذي يصل طوله 750 كيلو متر، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي للبلاد والأماكن السياحية. كل الفرص المذكورة كان يمكن أن تجعل السودان دولة متقدمة، إلا أننا نجد أن الأوضاع الاقتصادية في أسوأ حالاتها، وأصبحت الضروريات صعبة المنال للمواطن العادي بسبب: تخبط السياسات الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي، وعدم استغلال الموارد بالشكل الأمثل بسبب سياسات المجلس العسكري، والاضطرابات السياسية، وإضرابات الموظفين بالخدمة المدنية، وإضرابات التجار، وإغلاق الأسواق بعد زيادة رسوم العبور للشاحنات بنسبة 600%، وارتفاع الضرائب من 15% إلى 20%”. وأضاف: “لكل العوامل المذكورة أعلاه لابد من إعادة النظر في السياسات الاقتصادية، وإزالة العقبات من أمام المنتجين”.
المصدر: الديمقراطي