حالة من الرعب تعيشها ولاية النيل الأزرق وكسلا بعد أن تفاقمت الصراعات القبلية بين قبيلة الهوسا والقبائل المحلية، وتكمن خطورة تلك النزاعات، في أنها “تهدم الدولة وتمزقها من الداخل”.
هل تملك الحكومة السودانية وأد تلك الفتن واستعادة هيبة الدولة في تلك المناطق.. أم تنتشر تلك العدوى في باقي الولايات وتجر البلاد إلى نقطة اللاعودة؟
بداية، يقول النائب السابق لأمين المؤتمر الشعبي العام بالسودان، الدكتور بشير آدم رحمة، إن ضعف هيبة الدولة أدت إلى أن بعض الناس والقوى السياسية وبالتحديد “اليسارية” المدعومة من منظمات غربية من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وممثل الأمم المتحدة في السودان “فولكر”، جميعهم يعملون من أجل تفتيت السودان، وهي خطة قديمة هدفها تفتيت العالم العربي إلى دويلات ومقاطعات صغيرة.
الانهيار الداخلي
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، لكي تنفذ خطة التفتيت على أرض الواقع، لابد أن يحدث انهيار من الداخل، وهم يسيرون بالطريقة التي تقول إن أسهل طريقة لهدم الدول هو التعامل مع عملاء من الداخل من أجل خلق صراعات وفي النهاية تنهار الدولة، أما بالنسبة للقبلية فهى موجودة في كل أفريقيا، لكن ما يحدث في السودان الآن “مصنوع”.
وبرهن على ذلك أن الهدف الأساسي منه هو “زعزعة الاستقرار في السودان”، وبكل أسف القائم على أمر السودان الآن ضعيف”.
وشدد على أن البلاد في حاجة إلى “حكومة حاسمة” لا تهتم بما يقوله الغرب، وتستطيع العمل على التوازنات الدولية، فلو أعلن البرهان اليوم أنه سوف يذهب إلى روسيا، سوف تجد واشنطن تتشبث بقدميه.
الحسابات السياسية
وتابع رحمة، لو عدنا إلى مسألة النيل الأزرق والشرارة التي أشعلت الأوضاع ومسألة قبيلة “الهوسا” والشرارة التي أشعلت الوضع تم افتعالها من جانب تابعين لمالك عقار، حيث ينتمي عقار إلى مجموعة صغيرة في النيل الأزرق، في الوقت الذي تمثل فيه قبيلة “الهوسا” الثقل الأكبر، لذا حاول عقار أن يمد الوصل معها، حتى إذا جاءت انتخابات قادمة لا تسقطه أصوات الهوسا كما حدث في المرة السابقة.
وكشف أن عقار وعد الهوسا بأن يعطيهم إمارة في النيل الأزرق، وتلك المنطقة معروفة تاريخيا باسم “السلطنة الزرقاء” وكانت عبارة عن رمز للتحالف بين الأفارقة والعرب، وهناك إرث معروف في تلك المنطقة بأن “السيادة القبلية للقبائل المحلية”.
وأوضح أن العرب والهوسا “وافدون وليسو من القبائل المحلية”، وكل مجموعة وافدة معروف تاريخها، ونظرا لتعدد الزوجات لدى الهوسا، أصبح لديهم أعداد كبيرة جدا، تلك الأعداد استفاد منها المؤتمر الوطني سابقا في الانتخابات، وتعد قبيلة الهوسا الآن “أكبر قبيلة في السودان”.
وأشار رحمة إلى أن وعد مالك عقار لقبيلة الهوسا بالولاية وهم وافدون أثار حفيظة القبائل المحلية أصحاب الأرض، في الوقت الذي تعمل فيه قبيلة الهوسا بجد وأصبحوا أصحاب أموال تجد القبائل المحلية فقيرة، الأمر الذي أوجد نوع من الحقد بين تلك القبائل”.
وأردف أن العامل الأكبر الآن في الأزمة الحالية هو “العامل السياسي” ويقوم به الحزب الشيوعي وبدفع من الحركات المسلحة “الحركة الشعبية- شمال والمنقسمة بين عقار والحلو” فقد أججت تلك المسألة.
المتسبب الرئيسي
ولفت النائب السابق لأمين حزب المؤتمر الشعبي العام، إلى أن العامل الثاني والمتسبب الرئيسي في الأزمة هو الحزب الشيوعي الذي لا يملك الفوز في الانتخابات، لذا يعمل من أجل الحصول على ما يريد بالتحركات الثورية وقوة السلاح، نجد أن الحزب منذ شهرين تقريبا ذهب إلى جوبا ووقع اتفاق مع المتمردين في جبال النوبة ودارفور ويحرض لجان المقاومة، لأنه يعتقد أنه سوف يحصل على ما يريد بعد أن ينفرط عقد الدولة، ويمكن أيضا أن يستولي على الخرطوم بالقوة بدعم من الحركات المسلحة الغير موقعة على اتفاق السلام ولجان المقاومة.
زراعة الفتنة
من جانبه، يقول بكري عبد العزيز، عضو تجمع المهنيين السودانيين، إن الصراع القبلي الحالي يدور بين سكان مدينة النيل الأزرق وقبيلة الهوسا والذي راح ضحيته العشرات ما بين قتيل وجريح، هذا الصراع وفقا لعدد من المراقبين ليس قبليا خالصا، بل هو نتيجة لفتنة من قبل بعض الجهات المسلحة التي تعاون السلطات في البلاد.
وأضاف في حديثه لـ “سبوتنيك”، أن الصراع الحادث الآن كبير جدا والجهات التي تدعمه تهدف إلى حدوث انفلات أمني في عدة مناطق بالسودان، من أجل أن يعود الجيش لحكم الولاية مجددا وفرض حكومة عسكرية.
وكشف قائلا “امتد الصراع والانفلات الأمني إلى كسلا، وكانت هناك مسيرات اليوم نحو القيادة العامة والقصر الجمهوري، وأي انفلات يحدث في العاصمة الخرطوم تتحمل نتيجته السلطة الانقلابية في السودان”، حسب قوله.
وأشار عبد العزيز إلى أن هناك فتنة كبيرة جدا يجري إشعالها بين القبائل السودانية، علاوة على الفتن التي كادت تتوارى مع الزمن.
أقام الآلاف من أبناء قبيلة الهوسا، أحد أطراف النزاع القبلي الدامي المشتعل في منذ أسبوع النيل الأزرق المتاريس وأغلقوا الطرقات وهاجموا منشآت عامة في مدن عدة في البلاد، بحسب موقع قناة “العربية” السعودية.
واندلع النزاع يوم 11 يوليو/تموز الجاري بين أفراد قبيلة الهوسا، وهم مزارعون أفارقة موجودون في كل منطقة الساحل، وأفراد قبيلة البرتي. ويطالب أفراد الهوسا بتشكيل سلطة محلية تشرف على استخدام الأراضي والمياه، وفق ما أفاد أحد وجهاء الهوسا لوكالة فرانس برس طالبًا عدم الكشف عن اسمه.
كما تؤكد قبيلة البرتي بأنها تملك الأراضي وترفض عبور أي سكان لا ينتمون إلى القبيلة أو أي إشراف خارجي.
وعدلت وزارة الصحة في ولاية النيل الأزرق حصيلة القتلى إلى 79 يوم الاثنين وعدد الجرحى إلى 199.
ونجحت القوات الحكومية التي تم نشرها في ولاية النيل الأزرق في إعادة الهدوء إلى المنطقة بعد عدة أيام من الاشتباكات بالأسلحة النارية، ولكنه هدوء حذر.
ونشرت وكالة أنباء السودان “سونا” الاثنين، بيانا لحاكم إقليم النيل الأزرق أحمد العمدة أكد فيه “تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الجرائم التي ارتكبت”.
كما أرجع أسباب النزاعات القبلية إلى “خطاب الكراهية والعنصرية”، مبينا أن “الأجهزة النظامية الآن تفرض هيبة الدولة وتتعامل بحسم مع كافة التفلتات”.
والجمعة الماضية، أعلن الوالي حظر التجمعات العامة والتظاهرات مدة شهر وفرض حظر التجول الليلي في الولاية المحاذية لأثيوبيا، ونشر قوات في الولاية السبت، ومنذ ذلك الحين، امتدت الاضطرابات إلى مناطق أخرى، ففي كسلا في الشرق، حظرت الحكومة التجمعات العامة بعد أن أحرق الآلاف من الهوسا “جزءا من مكاتب الحكومة المحلية إضافة إلى مكاتب إدارية ومحلات”، وفق ما قال شاهد عيان لفرانس برس.
ودعا أفراد قبيلة الهوسا إلى تسيير موكب للتظاهر بالخرطوم اليوم الثلاثاء تحت اسم “مليونية نصرة الهوسا بإقليم النيل”.
وسبق أن تسببت الخلافات على الأراضي وموارد المياه في نزاعات قبلية في السودان، حيث ينتشر السلاح بعد عقود من الحروب الأهلية بين شمال السودان وجنوبه وفي دارفور.
وتعد الهوسا واحدة من أهم قبائل أفريقيا وتضم عشرات الملايين من سكان مناطق تمتد من السنغال إلى السودان، ويبلغ عدد أفرادها في السودان حوالى ثلاثة ملايين وهم مسلمون يتحدثون لغة خاصة بهم ويعيشون بشكل رئيسي من الزراعة في دارفور، الإقليم المتاخم لتشاد، وكذلك في كسلا والقضارف وسنار والنيل الأزرق على الحدود مع إثيوبيا وإريتريا.
المصدر: سبوتنيك