تكمل حرب الخرطوم الخميس 15 فبراير (شباط) الجاري شهرها العاشر، وتدخل غداً شهرها الحادي عشر، وسط تصعيد متواصل للمعارك والمواجهات العنيفة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، وسباق محموم لتأكيد السيطرة على العاصمة السودانية، وبخاصة، مدنية أم درمان أكثر الجبهات اشتعالاً، بينما تجري استعدادات لهجوم معاكس يشنه الجيش لاستعادة مدينة ود مدني عاصمة الجزيرة، في وقت تتوالى التحذيرات الأممية والدولية من تسارع تدهور الوضع الغذائي والصحي وانهيار إنساني وشيك.
10 أشهر من القصف
وتواصلت المواجهات المدفعية المتبادلة التي لم تنقطع طوال أشهر الحرب الماضية، في محيط القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم، وسلاح المدرعات حيث قصفت المسيرات مواقع لـ”لدعم السريع” بمنطقة الكلاكلة المجاورة للحامية جنوب العاصمة.
وأوضحت مصادر ميدانية، أنه بجانب أم درمان بدأ الجيش كذلك عمليات تمشيط برية في مناطق عدة بمدينة الخرطوم، وبث مقاطع فيديو تؤكد سيطرة قواته على قيادة الدفاع الجوي بمنطقة العمارات شارع 61 التي كانت قوات “الدعم السريع” تمركزت فيها منذ الشهر الأول للحرب.
وفي الخرطوم بحري، سمع المواطنون دوي انفجارات عنيفة، يعتقد أنها ناجمة عن غارات شنتها المقاتلات الحربية والمسيّرات ضد تجمعات “الدعم السريع” في وسط وشمال المدينة، بجانب استهداف مدفعية الجيش لمخزن سلاح تابع لها في منطقة شرق النيل.
غارت متعددة
وإلى جانب هجمات مسيرات الجيش، شنت المقاتلات الحربية، غارات جوية عنيفة استهدفت مواقع قوات “الدعم السريع” في أنحاء متفرقة من الخرطوم، وفي مواقع عدة في أم درمان، بحسب شهود، تصاعدت على أثرها سحب وأعمدة الدخان في مناطق عدة شرق المدينة. وعلى رغم الهدوء النسبي في منطقة سوق أم درمان التي سيطر عليها الجيش، بحسب مصادر ميدانية، إلا أن مواجهات عسكرية وقعت جنوب السوق نتيجة محاولة تسلل لقوات “الدعم السريع” مرة أخرى إلى المنطقة.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن عمليات الجيش الهجومية لتوسيع السيطرة في أم درمان مستمرة أرضاً وجواً في ملاحقة تجمعات قوات “الدعم السريع” التي تراجعت إلى التخوم الجنوبية للمدينة.
وفي سعيها لتحجيم سيطرة الجيش وكبح تمدده، قالت قوات “الدعم السريع” إنها نظمت عمليات تمشيط مناوئة في مدينة أم درمان، أشارت فيها إلى أنه باستثناء محلية كرري شمال المدينة، فإن جميع مناطقها ما زالت تحت سيطرة قواتها، ونشرت مقاطع مصورة على موقعها بمنصة (إكس) تؤكد فيها أنها على مسافة 70 متراً فقط من دخول سلاح المهندسين جنوب أم درمان. كما بثت فيديو تزعم أنه من مدخل مبنى الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، ويظهر تحركاتها البرية وسط المدينة.
اشتباكات وتأهب
أما في ولاية الجزيرة، فتتواتر الأنباء عن اكتمال الإعداد للتحرك عبر محاور عدة تمهيداً لعملية تحرير مدينة ود مدني عاصمة الولاية، وسط ضربات جوية مكثفة لسلاح الطيران استهدفت نقاط تجمع وآليات تابعة لـ”الدعم السريع” في منتجع الكاسح ومنطقة فداسي جنوب المدينة المحتلة منذ 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
وكان والي الجزيرة قد وعد مواطنيه بصيام شهر رمضان في مدينة ود مدني، ووجّه وزاراته بوضع “خطط واضحة لمواجهة تحديات ما بعد نهاية التمرد قريباً والأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية”.
كما دارت اشتباكات عنيفة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في منطقة ود الحداد غرب سنار، انسحبت على أثرها الأخيرة إلى منطقة الدوحة.
ووفق مواطنين فارين نحو مدينة سنار، فإن قوات “الدعم السريع” هاجمت أمس الأربعاء قرى الدوحة، وتباخة، وأولاد يس جنوب الولاية، ما حدا بالبعض إلى مناشدة الجيش للتدخل العاجل ومدهم بالسلاح للدفاع عن أنفسهم.
تسارع التدهور
وإزاء التدهور الإنساني المتسارع والوضع الغذائي المتفاقم، دعا المتخصص في التنمية وفض النزاعات، جمعة محمد حمدان، المجتمع الدولي إلى “فك الارتباط بين المساعدات الإنسانية، ووضع كل البيض في سلة المساعي الدبلوماسية لإيقاف الحرب”، مشيراً إلى أن “النازحين الذين بقوا على قيد الحياة بمجهود المجتمع المحلي بما تعارف عليه هذه الأيام أصحاب الخطوط الأمامية Front Liners، بينما تعزو المنظمات الدولية صعوبة إيصال المساعدات للظروف الأمنية وسلامة موظفيها بخاصة الأجانب، وكذلك بيروقراطية الحكومة القائمة في بورتسودان”.
وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن تمدد القتال إلى مناطق جديدة يدفع إلى المزيد من التدهور الإنساني والنزوح الجماعي للمدنيين، اضطُر بعضهم للنزوح مرات عدة، في وقت يحتاج 25 مليون سوداني إلى مساعدات، ويواجه 18 مليوناً الجوع الحاد، وهناك 5 ملايين في مستويات الطوارئ من الجوع”.
ولفت حمدان إلى “حقيقة أن السودان كله بات مهدداً بالمجاعة بسبب خروج كثير من مناطق الإنتاج الزراعي من الموسم الزراعي الذي شارف على الانتهاء، بما في ذلك الموسم الشتوي لإنتاج القمح، فضلاً عن مشكلة انعدام السيولة التي تعتبر إحدى أكبر المعضلات التي تواجه السودانيين حتى يتمكنوا من شراء حاجاتهم من الأسواق المحلية التي تفد إليها البضائع من دول الجوار مثل جنوب السودان، وتشاد، وإثيوبيا، ومصر”.
تحذيرات وبدائل
ولفت المتخصص في فض النزاعات، إلى أن “نظام الفاوتشر أو القسائم الذي ابتكره برنامج الغذاء العالمي يشكل أحد المخارج التي تمكن النازحين من شراء حاجاتهم وفق ثقافاتهم الغذائية، مما يقلل من تكاليف عمليات توصيل مواد الإغاثة من ما وراء البحار، لا سيما وأن هناك منافذ موجودة عبر دول الجوار، مع إمكانية إدارة هذا النظام عن طريق المجتمع المحلي أو ربما بالتعاون مع الحكومات المحلية ومفوضيات الشؤون الإنسانية في الولايات.
ويعمل النظام على تسريع تسليم المساعدات الغذائية إلى الفئات الضعيفة بشكل أسرع، من خلال تاجر تجزئة محلي يزود الأسر بالسلع الغذائية مقابل قسائم من برنامج الأغذية العالمي، كما يساعد أيضاً على تحريك الأنشطة والأسواق التجارية وتعزيز الاقتصاد المحلي.
طرق جديدة
ولفت حمدان إلى أن “قسماً كبيراً من السودانيين المتخصصين في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية، يستغربون عدم تمكن المجتمع الدولي من إيجاد خطط بديلة لإيصال المساعدات مستفيدة من التجارب السابقة والبناء عليها لابتكار طرق جديدة لمساعدة النازحين في مناطق مثل دارفور، كردفان، والنيل الأزرق”. وساق حمدان، مثالاً بنموذج برنامج “شريان الحياة” الذي تم بموجب التوصل إلى اتفاق جرى توقيعه خلال حرب الجنوب في عام 1989، في ظل وجود دولة وحكومة قائمة، مقارنةً بالوضع الحالي الذي تعاني فيه البلاد غياباً تاماً للسلطة، مما يحرر المجتمع الدولي من القيود القانونية المتعلقة بسيادة الدولة.
عاصفة مكتملة
أممياً نبه بيتر غراف، ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان، من أن “عاصفة مكتملة” تتشكل يقف خلالها الشعب السوداني “بين الحياة والموت” بسبب استمرار العنف وانعدام الأمن ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، بينما يبدو الأمل ضئيلاً في التوصل إلى حل سياسي.
وأعرب غراف عن خشيته من الفترة التي تسبق الحصاد مباشرة والتي تُستنفد فيها الحبوب من المحصول السابق الممتدة من أبريل (نيسان) إلى يوليو (تموز) المقبلين، حيث قد تشهد مجاعة “كارثية”، إذ ترتفع أسعار المواد الغذائية وتتراجع المخزونات.
وتحسّر ممثل منظمة الصحة العالمية على “الأوضاع المفجعة المثيرة للقلق للنازحين واللاجئين السودانيين داخل البلاد وفي دولة تشاد المجاورة”، لافتاً إلى تداعي النظام الصحي وانتشار الأمراض المعدية، حيث أُبلِغ عن أكثر من 10 آلاف حالة إصابة بالكوليرا، و5 آلاف بالحصبة، وما يقارب من 8 آلاف من حمى الضنك، بينما تجاوزت الإصابات السريرية بحمى الملاريا أكثر من 1.2 مليون إصابة.
آلية للتواصل
سياسياً اختتمت مجموعة من القوى السياسية والمدنية على رأسها “الكتلة الديمقراطية” سلسلة اجتماعات تشاورية في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، بالتوافق على رؤية مشتركة تمثل خريطة طريق لوقف الحرب وتحقيق سلام شامل. وشكلت المجموعة آلية مصغرة للتواصل مع كل من مجلس السيادة والجيش و”الدعم السريع” والقوى السياسية والمدنية الأخرى.
وأكدت المجموعة على ضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد، لإجراء مشاورات تمهيدية واسعة حول إدارة الفترة الانتقالية، وتهيئة الأجواء لحوار سوداني.
وتضمنت رؤية المجموعة لوقف الحرب، انخراط الأطراف في عملية سلام شامل بما في ذلك الترتيبات الأمنية النهائية بالتزامن مع مناقشة القضايا السياسية المتعلقة بجذور الأزمة السودانية، بغية تأسيس دولة مدنية ديمقراطية وبناء جيش قومي ومهني واحد.
الحوار الوطني
وأوضح مني أركو مناوي، الأمين السياسي للكتلة الديمقراطية، أن “لقاء وفد المجموعة برئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، تناول خريطة الطريق للحل، بجعل الحوار الوطني مدخلاً لتأسيس دولة المؤسسات”.
بدوره اطلع مالك عقار، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الرئيس ميارديت، على تطورات الموقف العسكري والتقدم الميداني الذي يحققه الجيش والضربات النوعية التي وجهها للمتمردين. وأضاف عقار أنه شرح للرئيس الجنوبي “أسباب تجميد السودان عضويته في منظمة “إيغاد”، بجانب الموقف من المبادرات الإقليمية، والتمسك بإنهاء احتلال التمرد للأعيان المدنية للعودة إلى منبر جدة التفاوضي”.
“تقدم” والبعث
على نحو متصل، أكد لقاء مشترك بين تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) وحزب البعث العربي الاشتراكي (الأصل)، بالعاصمة المصرية القاهرة، على الأولوية القصوى لوقف الحرب بوصفها أكبر مهدد وجودي للبلاد، ومن أجل إنقاذ الشعب السوداني من الكارثة الإنسانية التي تعصف به.
واتفق الطرفان على العمل المشترك لحشد الإرادة الوطنية من أجل وقف الحرب ومحاربة خطاب العنصرية والكراهية والانخراط في المبادرات الساعية لتخفيف الأزمة الإنسانية.
وبحث اللقاء “الآثار الإنسانية الكارثية والتدمير غير المسبوق للاقتصاد والبنية التحتية والتماسك المجتمعي وتهديد وحدة الوطن، جراء استمرار الحرب، وأكد على توحيد وتنسيق الجهود من أجل الوصول إلى أوسع جبهة مدنية لوقف الحرب ومعالجة الكارثة الإنسانية واسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي وتنفيذ شعارات ثورة ديسمبر المجيدة”.
ودان الجانبان “الانتهاكات التي ارتكبها طرفا الحرب، بما فيها قطع خدمات الاتصالات”، مشددين على “ضرورة التحقيق والمحاسبة على الجرائم المرتكبة من الطرفين”.
تنوير دبلوماسي
دبلوماسياً اطلع السودان السفراء المعتمدين والمقيمين ببورتسودان، على آخر التطورات الأمنية والعسكرية والسياسية ومساعي الحلول السلمية للأزمة في البلاد.
وقال وزير الخارجية المكلف، علي الصادق، إنه قدم “تنويراً مفصلاً للسفراء عن الأوضاع الأمنية والعسكرية، والتقدم المضطرد الذي يحرزه الجيش السوداني في مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري) وتضييقه الخناق على الميليشيات”.
وتوقع الوزير المكلف، بحسب وكالة السودان للأنباء (سونا) أن “يتحقق قريباً انتصار يعيد الحياة والبسمة للمواطنين الذين التفوا حول جيشهم وحكومتهم”.
وأشار الصادق إلى أنه أوضح للسفراء أن “إعادة العلاقات بين السودان وجمهورية إيران الإسلامية، أمر طبيعي في العلاقات الدبلوماسية، واستئناف لتعاون سابق طويل في المجالات الاقتصادية ومجالات التنمية والاستثمار بين البلدين، وليست موجه ضد أي دولة أو نظام إقليمي أو دولي قائم في المنطقة”.
تعثر الاتصالات
إلى ذلك، ما زالت الاتصالات تعمل بشكل جزئي في السودان عقب عودة خدمات شركة سوداتل (سوداني) بينما تنقطع كلياً عن ولاية الجزيرة بسبب اتهام قوات “الدعم السريع” بتعطيل المقسمات هناك.
وطلب وزير الاتصالات والتحوّل الرقمي في السودان، عادل حسن، من النائب العام السوداني، بضم “قضية قطع الاتصالات إلى ملف الجرائم التي ارتكبتها (الميليشيات المتمردة) في حق الشعب السوداني”، وقدم شرحاً مفصلاً للنائب العام عن الأضرار التي نجمت عن إيقاف تشغيل شبكات الاتصالات خلال الأسبوع الماضي.
وتوقفت خدمات الاتصالات والإنترنت في السودان، في السابع من فبراير الجاري، بخروج الشركات الثلاث العاملة عن الخدمة، وسط اتهامات متبادلة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” بالتسبب في قطع الخدمة.
المصدر: اندبندنت عربية