مع حلول أولى ساعات الهدنة المقررة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، خرج الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بمقترح مثير للجدل يقضي بإقامة دولة فلسطينية “منزوعة السلاح” على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها “القدس الشرقية”.
السيسي، قال صباح الجمعة، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيسي وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، وبلجيكا ألكسندر دي كرو، إن المأمول هو إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية إلى جوار الدولة الإسرائيلية.
وأضاف: “هناك استعداد لتكون الدولة منزوعة السلاح، ووجود قوات من الناتو أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أمريكية لتحقيق الأمن لكلا الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية”، لكنه لم يوضح لمن هذا الاستعداد، وهل يقصد دولا إقليمية ودولية بجانب إسرائيل، أم إنه يتحدث عن مصر.
ولكنه لفت إلى أن “إحياء مسار حل الدولتين قد لا يكون مطلوبا، نتيجة تعثر المسار على مدار السنوات الماضية… لكن نحتاج إلى التحرك بشكل مختلف، وهو الاعتراف بدولة فلسطينية ودخولها الأمم المتحدة”.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، يشن جيش الاحتلال حرب إبادة دموية على قطاع غزة، ما تسبب في استشهاد نحو 15 ألف فلسطيني، بينهم نحو 6 آلاف طفل و4 آلاف امرأة، وأكثر من 33 ألف مصاب، فيما تم الاتفاق على هدنة مؤقتة 4 أيام بعد نحو 48 يوما من القتل والدمار بالقطاع.
وكان السيسي قد طرح فكرة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مع نشر قوات أجنبية أممية أو تابعة للناتو، في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وبعد نحو 11 يوما من عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها حركة حماس، بمنطقة غلاف غزة.
“فكرة إسرائيلية”
ويتلاقى إعلان السيسي، مع توجهات سابقة للاحتلال، بل ويتطابق مع تصريحات سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 15 حزيران/ يونيو 2009، الذي قال إن “إسرائيل تقبل بدولة فلسطينية منزوعة السلاح”.
وهو الخطاب الذي تبناه من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون، بقوله في تشرين الأول/ أكتوبر 2001، إن “الدولة الفلسطينية التي قد يوافق على قيامها يجب أن تلبي ما أسماه احتياجات إسرائيل الأمنية وتكون منزوعة السلاح ويقوم الجيش الإسرائيلي بمراقبة حدودها”.
وهو الأمر الذي أعلن عن قبوله الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في آب/ أغسطس 2018، حيث قال لوفد إسرائيلي زاره في رام الله: “أدعم دولة في حدود 1967 من دون جيش، أريد قوات شرطة غير مسلحة، مع هراوات وليس مسدسات”.
وهنا يظل السؤال حاضرا عن دلالات توقيت اقتراح السيسي الآن، إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح بوجود قوات من الناتو أو الأمم المتحدة أو قوات عربية أو أمريكية، وحول ما إذا كانت الفكرة خاصة به أم إنه يروج لفكرة تقبلها إسرائيل وأمريكا والغرب، خاصة أن نزع السلاح طلب إسرائيلي وغربي أصيل.
“سيناريو قديم لن يمر”
وأكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبدالله الأشعل، أن “ما قدمه السيسي اليوم من مقترح حول دولة فلسطينية منزوعة السلاح هو مقترح قديم، وإعادة إحيائه الآن بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وتسليم غزة لسلطة محمود عباس”.
وفي حديثه لـ”عربي21″، قال إن “حماس، وجودها شرعي في غزة، حيث جاءت بانتخابات شرعية عام 2006، بينما السلطة الفلسطينية ليس لها شرعية”، مبينا أن “تلك الفكرة طرحتها دول أوروبا وإسرائيل قبل نحو 20 عاما”.
وأوضح أن “هدف إسرائيل المؤكد الآن هو القضاء على المقاومة الفلسطينية ونزع سلاحها، كونها تمثل حجر العثرة أمامها وأمام أمريكا في تنفيذ (صفقة القرن) بتهجير أهالي غزة إلى مصر وسكان الضفة الغربية إلى الأردن”.
وأضاف: “لا تصدق ما يثار عن رفض التهجير من الجانب العربي”، مبينا أن “ما أثير عن حصول مصر على دعم من الاتحاد الأوروبي بنحو 10 مليارات دولار، وزيادة قيمة قرض صندوق النقد الدولي للقاهرة، فإنها وغيرها من تسهيلات تؤكد أنها في نهاية المطاف أموال لحل المشكلة”.
ويرى المفكر السياسي المصري، أن “فكرة إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، جددها السيسي، للظهور بصورة المفيد لإسرائيل، والغرب”، موجها تساؤله: “ماذا تملك من أوراق أو إمكانيات أو قدرات لنزع سلاح المقاومة، ولكي تستدعي الناتو أو أمريكا أو غيرهما للمنطقة؟”.
وأكد أن “المقبول فقط هو إقامة دولة فلسطينية على كامل الأرض والتراب الفلسطيني”، متوقعا “نجاح المقاومة في إزاحة الاحتلال من المنطقة”.
وحول خطورة استدعاء السيسي، لقوات مسلحة أجنبية على حدود مصر الشرقية سواء من أمريكا أو قوات مشتركة تابعة للأمم المتحدة أو أوروبية من الناتو، وإضراره بالأمن القومي المصري، قال الأشعل: “لدينا عربيا مصطلحان أحدهما مصلحة الوطن والثاني مصلحة النظام”.
ولفت إلى أن “مصلحة النظام هنا تظل هي الحاضرة لأجل حماية الكرسي، على حساب مصلحة الوطن”، مبينا أنه على سبيل المثال “من مصلحة مصر الوطن دعم المقاومة الفلسطينية، لكن من مصلحة مصر النظام دعم إسرائيل والقضاء على المقاومة، وهو ما يعني رضا أمريكي وغربي وإسرائيلي والحفاظ بالتالي على الكرسي”.
“تجاوز موقف المحايد”
وفي رؤيته لمواقف السيسي بشكل عام، قال السياسي والإعلامي المصري الدكتور حمزة زوبع، لـ”عربي21″، إن “السيسي معني بإلحاق الهزيمة بالفلسطينيين بشكل عام، والمقاومة بشكل خاص، وحماس بشكل أدق، وما دون ذلك تفاصيل وهوامش على دفتر الموضوع”.
وأضاف متسائلا: “هل تتوقع من الذي قال يوما ما إنه حريص على أمن المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن المصري، أن يقف حتى موقف المحايد في الحرب على فلسطين”.
وأكد أنه “تجاوز موقف المحايد، وبات على وشك التصريح بوقوفه مع إسرائيل، وأعتقد أن كثرة السؤال عن موقف مصر أصبح سؤالا خارج السياق فمصر مختطفة لحين إشعار آخر”.
“حسابات مرتبكة”
وفي رؤيته قال الأكاديمي المصري الدكتور محمد الزواوي، لـ”عربي21″: “فيما يبدو أن عملية السابع من أكتوبر، قد أربكت حسابات معسكر ما يسمى بـالاعتدال العربي، فإننا لم نعد نرى جبهة موحدة ولكن تصريحات متناثرة تعبر عن الانهزام من جهة وعن الخوف من تداعيات طوفان الأقصى على الأوضاع الداخلية للأنظمة المسالمة من جهة أخرى، وتصاعد الخيار المقاوم .
ويعتقد الباحث المصري في العلوم السياسية، أن “القبول بدولة فلسطينية منزوعة السلاح سيعني أنها كذلك منزوعة السيادة، وأنها غير قادرة على الحصول على حقوقها في غاز شرق المتوسط على سبيل المثال، أو أن يكون لها ميناء أو مطار”.
وتوقع أن “تكون السيادة لسلطات الاحتلال بالاتفاق مع الكيانات الأخرى المقترحة، سواء حلف الناتو أو الاتحاد الأوروبي، وسيعمل ذلك على تحقيق مصالح الكيان الصهيوني في نزع سلاح المقاومة وفرض حصار بحري وبري وجوي على القطاع، بما يفرغ القضية من مضمونها من جهة، ويجعلها كذلك لقمة سائغة يلتهمها الاحتلال وقتما شاء”.
ويرى الزواوي، أيضا أن “تجاهل حل الدولتين يعني أن إسرائيل قد انتصرت، وأنها فرضت إرادتها في أن لا تسمى فلسطين دولة ولكن أراضي فلسطينية، ومن ثم يفتح الباب واسعا أمام سياساتها الاستيطانية لابتلاع المتبقي من أرض فلسطين التاريخية”.
وخلص للقول إن “طوفان الأقصى قد أحدث تحولا استراتيجيا في بنية التحالفات في المنطقة، وجعل حماس لاعبا هاما، وكذلك أعلى من أسهم المقاومة والمليشيات الإيرانية حول منطقة الشرق الأوسط، من اليمن حتى العراق وسوريا ولبنان”.
وختم: “ومن ثم فإن انتصار المقاومة وفرضها لإراداتها ووجودها في جوار مصر سيعزز من النفوذ الإيراني، وسيمثل تهديدا على السلطة المصرية الحالية الرافضة للمقاومة بكل أنواعها”.
فكرة “إسرائيل”.. وليس مقترحا للسيسي
وفي رؤيته، قال الكاتب والمحلل السياسي المصري أحمد حسن بكر، إن “حل الدولتين مقترح قديم جديد، لكن إسرائيل ترفضه جملة وتفصيلا”، موضحا أنه “منذ سنوات بعيدة من عمر الصراع العربي الإسرائيلي، كان مقترح إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة بحدود 4 تموز/ يونيو 1967، حاضرا بقرارات القمم العربية، وقرارات الأمم المتحدة، ورغم ذلك لم ينفذ، واستمر الصراع”.
وفي حديثه لـ”عربي21″، أضاف: “عام 2017، أصدرت حماس وثيقة (المبادئ والسياسات العامة)، وطالبت بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، عاصمتها القدس، بحدود 4 تموز/ يونيو 1967 -الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية- وعودة اللاجئين، والنازحين لديارهم”، مبينا أن “رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، رفض الأمر”.
وتساءل، بكر: “فما الذي تغير الآن حتى يأتي السيسي اليوم، ليعيد طرح الفكرة، وبشروط إسرائيلية أمريكية، أهمها أن تكون الدويلة المقترحة -مقتطعة الأوصال- أصلا منزوعة السيادة والسلاح؟”، مؤكدا أن “الهدف الخفي من هذا المقترح -الذي يبدو في ظاهره الرحمة لكن بتفاصيله العذاب- هو نزع سلاح المقاومة”.
وفي تحليله لمضمون إعلان السيسي، يرى الكاتب المصري المعارض، أنه “أعلن ما طلبته إسرائيل وأمريكا، ويتضح ذلك من قوله: (هناك استعداد لإقامة دولة فلسطينية)، ما يجعلنا نضع أكثر من خط تحت كلمة استعداد، ونسأله: استعداد من؟”.
وأضاف: “ورمى السيسي، بجملة أخرى تنسف كل ما قيل عن حل الدولتين، ويؤكد أن الهدف الصريح لتلك المؤامرة التي أعلنها نزع سلاح المقاومة، حيث قال: (إحياء مسار حل الدولتين قد لا يكون مطلوبا، نتيجة تعثر المسار على مدار السنوات الماضية)”.
“سؤال للسيسي”
وواصل بكر: “وهنا يبرز سؤال نوجهه للسيسي طالما أن حل الدولتين غير مطلوب: كيف ستقيم دولة فلسطينية على حدود 1967، أي على مساحة 22 بالمئة من المساحة التاريخية لدولة فلسطين العربية؟”.
متابعون ومراقبون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انتقدوا مقترح السيسي، ورأوا أنه يلعب دوره المرسوم بعد توقف العدوان الإسرائيلي مؤقتا، وبعد فشل الاحتلال في تصفية القضية بالقتال.
وتساءل البعض: “من فوَّض السيسي بأن يطالب بدولة فلسطينية منزوعة السلاح ومراقبة بقوات من الأمم المتحدة والناتو؟”، و”أية دولة هذه التي تكون منزوعة السلاح إلى جانب دولة إسرائيل النووية؟”، و”لماذا هذا الإلحاح؟ وهل بهذه الطريقة يكون الوفاء لدماء آلاف الفلسطينيين من كبار وأطفال أبرياء قتلتهم آلة الحرب الصهـيونية الإجرامية؟”.
وطالب البعض في المقابل، بأن تكون إسرائيل هي الأخرى منزوعة السلاح، وتكون الدولتان تحت سيطرة قوات أمريكية وروسية وصينية وبريطانية وعربية لمدة 30 عاما.
المصدر: عربي21