من أطلق «الرصاصة الأولى» في حرب السودان؟ ومن هو المستفيد الأكبر من استمرار الأزمة والفوضى ببلد لفظ شعبه نظامه القديم أملا في التغيير؟
سؤال قديم لكنه يتجدد مع كل أزيز رصاص يتصاعد في سماء السودان، البلد المثقل بمعارك لم تضع أوزارها منذ أشهر بين الجيش وقوات «الدعم السريع».
أياد خفية -لكن معروفة- تدس السم بأوصال السودان، يكشفها مجددا رئيس حركة «العدل والمساواة» السودانية سليمان صندل، في حوار خاص مع “العين الإخبارية”، باتهامه مباشرة النظام الحاكم السابق برئاسة عمر البشير، بإشعال حرب 15 أبريل/نيسان الماضي.
وفي مقابلة مع “العين الإخبارية” من بروكسل، قال صندل إن “المؤتمر الوطني (حزب البشير) لديه الرغبة للعودة للسلطة مرة أخرى، ولا يفهم إلا لغة البندقية والعنف واستغلال القوات المسلحة للعودة للسلطة”.
وأضاف: “لذلك فإن هذه الحرب أساسية (بالنسبة لنظام البشير) للعودة إلى السلطة وإخراج الدعم السريع من الساحة السياسية”.
وتابع: “نحن موقفنا ثابت ضد الحرب حتى هذه اللحظة، ونحن محايدون ولسنا مع هذا الطرف أو ذاك، ونظل نعمل بشدة وقوة مع الشركاء الدوليين سواء في الاتحاد الأوروبي أو المبادرات المطروحة من الاتحاد الأفريقي وإيغاد والقوى المدنية الموجودة الآن، ونحن شاركنا مشاركة فعالة في إقامة جبهة مدنية عريضة ضد الحرب”.
ولفت إلى أنه “في المؤتمر (الحزبي)، وبعد أن انتخبنا رئيس الحركة ورئيس المجلس التشريعي والمؤتمر العام، كان رأي المؤتمر تقديم اعتذار واضح للشعب السوداني عن الخطأ الكبير بأن القيادة السابقة للحركة أيدت الانقلاب، وهو انقلاب لتعطيل مسيرة العمل الديمقراطي، ولذلك تم الاعتذار”.
وشدد: “أكدنا في المؤتمر أن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان الماضي في الخرطوم هي امتداد للانقلاب”.
مرحلة جديدة
بالمقابلة نفسها، تطرق صندل إلى المحطات المقبلة للحركة، قائلا: “الآن نحن في مرحلة جديدة في حركة العدل والمساواة السودانية، بعد أن عقدنا مؤتمرنا الاستثنائي الثاني في أديس أبابا”.
ولفت إلى أن المؤتمر كان “استحقاقا دستوريا وقانونيا حسب النظام الأساسي للحركة، خاصة أن رئيس الحركة (السابق) جبريل إبراهيم استمر بموجب النظام الأساسي لسنة 2020 لدورتين، والنظام الأساسي لا يسمح بدورة ثالثة، لذلك كان لا بد من عقد المؤتمر، وأسباب ومبررات كثيرة شرحناها في البيان الختامي”.
وأشار إلى أن الحركة أنشئت في عام 2000 ضد نظام المؤتمر الوطني (النظام الحاكم السابق) منذ البداية، مضيفا “وهو نظام ديكتاتوري وقمعي أذاق الشعب السوداني الحرب، ونحن ناضلنا لمدة 20 عاما، وحتى رئيس الحركة السابق (خليل إبراهيم) استشهد بطيران نظام المؤتمر الوطني”.
وفي 30 أغسطس/آب الماضي، أعلنت قيادات بارزة في حركة العدل والمساواة السودانية انشقاقها رسميا من الحركة، واختارت المسؤول السياسي السابق سليمان صندل حقار رئيسا للحركة.
وعقدت المجموعة -التي تتزعمها 4 من قيادات الصف الأول أعفاها رئيس الحركة جبريل إبراهيم من مناصبها في 14 أغسطس/آب الماضي- مؤتمرا عاما استثنائيا بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في الفترة من 28-30 من الشهر ذاته.
وتعتبر حركة العدل والمساواة السودانية ضمن قوى سياسية وأهلية وجماعات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام، ودعمت ما حدث في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 حين تمت الإطاحة بحكومة عبدالله حمدوك.
وكانت القيادات المشاركة في المؤتمر وجهت انتقادات لاذعة لرئيس الحركة جبريل إبراهيم واتهمته بمخالفة النظام الأساسي الذي يمنع التجديد لرئيس الحركة لأكثر من دورتين، كما حملته مسؤولية إبعاد قيادات تاريخية عن الحركة والاستئثار بالمكاسب التي تحققت بفضل اتفاق جوبا للسلام ومنح السلطة لبعض المقربين منه.
«بوابة انقلاب»
صندل مضى يقول: “الآن نحن نتابع كل الأحداث في السودان بعد أن وقعنا اتفاق جوبا لسلام السودان، وعُدنا إلى الخرطوم بنية صادقة جدا لإعادة السلام والاستقرار والحرية والديمقراطية في بلادنا في غياب المؤتمر الوطني، لأن هناك خطة أخرى لعودتهم مرة أخرى بعد أن أذاقوا الشعب الويلات وارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية”.
ومستدركا: “لكن بحكم وجودهم في مفاصل السلطة بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والشرطة، تمكنوا مرة أخرى عبر انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول، وهذا الانقلاب هناك جهات كثيرة أيدته وساعدته، لكن في نهاية المطاف الانقلاب كان بوابة لعودة النظام القديم للسلطة”.
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أعلن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، في خطوات أسفرت عن احتجاجات رافضة لما أسمته “الانقلاب”.
ومقابل اتهامه بتنفيذ “انقلاب عسكري” يقول البرهان إن الجيش ملتزم باستكمال عملية الانتقالي الديمقراطي، وإنه اتخذ هذه الإجراءات “لحماية البلاد من خطر حقيقي”، متهما قوى سياسية بـ”التحريض على الفوضى”.
وبحسب صندل. فإنه “من ضمن أسباب المؤتمر أن القيادة عادت مرة أخرى إلى النظام القديم والتوجهات القديمة، والحركة أصلا تأسست ضد المؤتمر الوطني، وفي ذلك الزمن كانت في ذروة القوة والشدة زمن حكم الرئيس السابق عمر البشير”.
وأضاف “نحن قدنا حربا ضده (البشير) ونعتقد أن كل الأنظمة الأيدولوجية الموجودة في السودان فشلت سواء يمين أو يسار وكانت غير ناجحة على الإطلاق وغير صالحة في قيادة شعبنا، لذلك كانت حركة العدل والمساواة السودانية حركة ديمقراطية تنادي بالحرية والمساواة، والآن الحركة عضويتها مفتوحة لكل السودانيين بغض النظر عن دينهم وعرقهم”.
وتابع قائلا “نحن ننادي بالحكم الرشيد والحرية والمساواة، لذلك لا مجال لعودة النظام القديم، لأن هؤلاء ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ولا يفهمون إلا لغة السلاح، وعودة بعض قيادات النظام القديم عجّلت بعقد المؤتمر، ونحن الآن نقيم نظاما جديدا”.
انفتاح واتهام
وفي تشخيصه لموقع حركته بالمشهد السوداني، قال صندل “نحن الآن منفتحون على كل العالم وهذا شيء مهم جدا، لأن هناك مشاكل في الحركة وانقطاع عن المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية”.
وأكد: “الآن نعود إلى تلك المؤسسات، وهذه المؤسسات أسهمت مساهمة فعالة في الفترة الانتقالية، والسودان عاد إلى الأسرة الدولية، والاقتصاد تحسن، كما أننا منفتحون على كل القوى السياسية دون استثناء، ونعمل معا، والمؤتمر العام للحركة أدان بكل وضوح الانقلاب الذي وراءه المؤتمر الوطني، ونحن ضد الانقلاب”.
وشدد على أن “الحركة الآن في ميلاد جديد وماضون تماما في إنشاء نظام جديد، وذهبنا أكثر من ذلك وتحدثنا وذكرنا أن النظام القديم صنفناه بأنه جهورية أولى فاشلة، ولا بد من تأسيس جمهورية ثانية جديدة أساسها الحرية والمساواة والديمقراطية والسيادة للشعب السوداني”.
ودعا صندل إلى “إعادة تكوين وتشكيل القوات المسلحة بالشكل الذي يضمن حماية الحرية والديمقراطية والدستور”.
وأضاف “لذلك نحن نعتبر أن أي مشروع سياسي وحتى المفاوضات في مدينة جدة السعودية لن تنجح ما لم تبدأ بنقطة مهمة جدا، وهي إعادة تشكيل القوات المسلحة تفاديا لضرب الشعب والمواطنين العاديين بواسطة الطيران، لأن هذه القوات أصبحت في حرب مستمرة منذ الاستقلال في 1955 مع الشعب السوداني وليس القوات المسلحة فقط”.
مستطردا “لا بد من إعادة تشكيل القوات المسلحة الأمن والمخابرات والشرطة بالشكل الذي يضمن قوميتها لكي تعبر عن كل الشعب السوداني وكل أقاليمه من حيث القيادة العليا والوسطى، وبعد ذلك نستطيع بناء قوات حقيقية ونمضي إلى الأمام لنكون في نهاية المطاف أمام تأسيس نظام مدني ديمقراطي”.
مبادئ
وشدد رئيس حركة العدل والمساواة على أن حركته “تؤمن إيمانا قوميا جدا بمبادئ الحوار ومبادئ المواطنة المتساوية، وتمضي بالحوار الشامل الكامل”.
وأعرب عن اعتقاده بالحرب الموجودة حاليا ستكون الأخيرة في السودان، مذكّرا بالحرب التي اندلعت منذ عام 1955 واستمرت حتى انفصال جنوب السودان في 2011، والحرب اندلعت في دارفور في 2003 والآن الحرب في الخرطوم.
المصدر: العين