على نحو متوقع، أعلنت القوى المدنية والعسكرية الموقعة على الاتفاق الإطاري في السودان، تأجيل التوقيع على التسوية السياسية إلى أجل غير مسمى، بعد تعثر الوصول إلى حل فيما يتعلق بقضية مواقيت دمج قوات الدعم الدعم السريع في الجيش وتشكيل هيئة القيادة.
وطوال الأسابيع الماضية، كانت قضية دمج قوات الدعم السريع في الجيش الحدث الأبرز على المشهد السوداني، خاصة بعد تمسك الجيش بوضع مراحل ومواقيت محددة لعملية دمج الدعم السريع ورهن إنجاز تلك الخطوة بالتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي.
ويذكر أن قوات الدعم السريع تأسست في العام 2013 وهي ميليشيات شبه عسكرية مكونة من قوى الجنجويد التي كانت تقاتل نيابة عن حكومة البشير أبان حرب دارفور، وفي 2017 إجيز لها قانون خاص وتبعت مباشرة إلى رئاسة الجمهورية، وتتهم هذه القوات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في تلك الفترة كما أنها ساهمت في مجزرة القيادة العامة أبريل/نيسان 2019 وشاركت في قمع التظاهرات.
ويشار أن قضية وجود الدعم السريع كقوة موازية للجيش كان مسار قلق للعديد من السودانيين والمراقبين منذ تأسيسها في العهد النظام البائد، أما بعد الثورة فقد كان مطلب حل هذه القوات الشعار الدائم للمتظاهرين على مدار الأربع سنوات الماضية.
ورئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش عبدالفتاح البرهان كان يرى أن قوات الدعم السريع هي من رحم القوات المسلحة ولا تشكل خطورة على البلاد، لكن مؤخراً تفجرت الأوضاع بشكل أخطر حول بينه وبين نائبه قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي» خاصة مع اختلاف مواقفهما تجاه العملية السياسية والوضع القائم في البلاد.
خرج «حميدتي» وقال إنه نادم على المشاركة في انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر وإنه قاد البلاد إلى مزيد من التدهور الاقتصادي والسياسي والأمني وأكد التزامه بالعملية السياسية وطالب بتوقيع الاتفاق بمن حضر، في حين تمسك الجيش بضرورة تحقيق أكبر توافق للقوى السياسية، وطرح قضية دمج الدعم السريع ورهن أنجاز الخطوة كشرط للتوقيع على التسوية.
وعلى إثر ذلك تصاعدت الخلافات ووصلت مرحلة التحشيد العسكري في العاصمة، قبل أن يتدخل وسطاء محليون ودوليون ويتفقوا على أسس ومبادئ للإصلاح الأمني والعسكري وتنظيم ورشة حول هذا الموضوع لوضع التفاصيل الدقيقة وتطوير هذا الاتفاق وضمه إلى الاتفاق السياسي النهائي الذي يهدف إلى حل الأزمة السياسية في السودان.
ورشة الإصلاح الأمني والعسكري التي كان من المفترض أن تخرج بتوصيات جديدة وتفصيلية، فشلت بعد انسحاب ممثلي الجيش والشرطة وجهاز المخابرات رفضاً لتجاهل الورقة التي تقدم بها ممثلو الدعم السريع لمسائل دمج القوات والمواقيت الزمنية لتلك العملية، وتركيزها على أعباء إدارية بزعمهم تأتي لاحقاً بعد إكمال عملية الدمج.
وتسبب انسحاب ممثلي القوات النظامية وعدم الاتفاق على صيغة نهائية للإصلاح الأمني والعسكري في إرجاء نشر توصيات الورشة والتأجيل الأول للتوقيع الذي كان من المفترض أن يحدث في الأول من نيسان/ابريل الجاري، وتسبب كذلك عدم اتفاق اللجنة الفنية العسكرية المشتركة التي تنظر في الأمر ـ بعد استئناف أعمالها ـ بالتأجيل الثاني للتوقيع وتعثر التسوية السياسية.
ورقة الدعم السريع
ورقة الدعم السريع التي قدمت في وقت سابق عن الإصلاح الأمني والعسكري، طالبت بضرورة إيراد نص في الدستور بنأي المؤسسة العسكرية عن التدخل في السياسة وضرورة الرقابة المدنية على المؤسسة العسكرية وإخضاع ميزانية الدفاع للمراجعة والمساءلة من البرلمان، كما وضعت عددا من المطالب؛ اعتبرتها ضرورة لعملية الإصلاح جاء في مقدمتها؛ تصفية القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من عناصر النظام السابق وأصحاب الأيديولوجيات.
وطالبت الورقة باشراك ضباط الدعم السريع في كافة مشاريع تحسين بيئة العمل أسوة بزملائهم من القوات المسلحة وتحسين شروط الخدمة وإشراكهم في صناديق التكافل والتمارين العسكرية وإشراك الدعم السريع في شؤون ومصالح الدولة الخارجية. كذلك اعتبرت الورقة مراجعة مناهج الكلية الحربية أمرا ضروريا لعملية الإصلاح عطفاً على الإصلاح القانوني والهيكلي.
وفي المقابل تصورات الجيش تدور حول دمج الدعم السريع في فترة تمتد لسنتين إلى ثلاث سنوات وبالتوازي مع الحركات المسلحة ووفق جداول الترتيبات الأمنية باتفاق جوبا، وفي هذه الأثناء يتم وقف التجنيد وفتح المعسكرات ووقف الانفتاح والانتشار إلا بالتنسيق مع الفرق العسكرية، كذلك إخضاع استثمارات الدعم السريع لإشراف وزارة المالية ووقف أي تعاقدات خارجية لتزويدها بالسلاح وأن يتم ذلك عبر الجيش.
ويذكر أن ورقة الأسس والمبادئ التي اتفق عليها بين قادة الجيش والدعم السريع والتي ضمنت في مسودة الاتفاق السياسي النهائي ـ بغية التطوير ـ أقرت دمج قوات الدعم السريع على أربع مراحل مفصلة؛ شملت «مرحلة أولى تتعلق بتوحيد القيادة وثانية توحيد قيادة هيئة الأركان وثالثة توحيد قيادة المناطق وأخيرة توحيد الفرق» كما حدد 10 سنوات كحد أقصى للانتهاء من المراحل كافة.
ووفقاً للمتابعات الأخيرة، اتفق الطرفان على تبعية قوات الدعم السريع في الولايات المختلفة لرئاسة الفرق العسكرية التابعة للجيش، لكن ما زال الاختلاف قائماً في مسألتي مواقيت دمج قوات الدعم السريع وكيفية تشكيل هيئة القيادة، حيث يتمسك الجيش بثلاث سنوات كحد أقصى للدمج في حين يطالب الدعم السريع بأكثر من 10 سنوات، كذلك يقترح الجيش هيئة قيادة مشكلة من 6 مقاعد يحوز فيها على أربعة مقاعد وتكون الرئاسة له بينما تنال قوات الدعم السريع مقعدين، أما الأخيرة تقترح إضافة مقعد سابع مخصص لرئيس مجلس السيادة المدني القادم ويكون رئيساً للهيئة.
ويقول الخبراء، أن أفق المفاوضات بين الجيش والدعم السريع، اغلق تماماً ما لم تدخل قيادات القوتين وتقترح حلولا من خارج الصندوق بعيداً عن ما هو مطروح الآن، ويشيرون إلى أن التوصيات التي رفعتها القوات المسلحة تمس هيكلية الدعم السريع، لا سيما ما يتعلق بالشروط التي اقترحتها للالتحاق بالجيش حال الدمج وهي شروط ربما تبعد كل الضباط الموجودين في الدعم السريع، بالمقابل يقولون إن مقترحات الدعم السريع بتغيير نظام القبول في الكلية الحربية وتعديل بنية القوات المسلحة وإبعاد عناصر النظام السابق تعتبر خطوطاً حمراء للجيش.
وعلى ضوء ذلك يرى الخبراء، أن الخلاف كبير ومن الصعب التوصل إلى اتفاق في الوقت الحالي وهو الأمر الذي سيؤثر على التسوية السياسية الجارية.
الخلافات بين الجيش والدعم السريع، تأتي في ظل مخاوف من أن تتحول إلى مواجهات عسكرية، خاصة مع التحشيد العسكري الكبير الذي تشهده العاصمة وحدة الخطابات بين الطرفين وفي هذا السياق دخلت الخرطوم الأربعاء من الناحية الشمالية أرتال الآليات الحربية تتبع للجيش وتمركزت في مواقع عسكرية حساسة واستراتيجية، بالمقابل ذكرت وسائل إعلام عن إعادة تموضع لقوات الدعم السريع ونشر 60 ألف جندي في الخرطوم، وتزامن ذلك مع زيادة حد لهجة الخطاب من قائد ثاني الدعم السريع، عبدالرحيم دقلو الذي قال في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز»: «البرهان بنى جداراً بمحيط القيادة العامة ليحمى نفسه وهو بذلك لا يهتم بما يحدث خارج الجدار، بل لا يهتم إذا كانت بقية البلاد تحترق».
دقلو نفسه كان قد طالب بعد ظهور الخلافات قادة الجيش بتسليم السلطة للمدنيين، محذراً بأنهم لن يسمحوا خلال الفترة المقبلة باعتقال السياسيين ولا الاعتداء على المتظاهرين.
ولكن وفي غضون ذلك، يستبعد بعض المراقبين حدوث ذلك لارتباط القوتين بمصالح لا يمكن معها الانخراط في الحرب، ويقولون إن ما يحدث هو صراع نفوذ سوف يسعى كل طرف في تحقيقه بالأدوات السياسية وليس صراع وجود يحسم عبر القوة العسكرية.
ويشيرون إلى أن ممارسة الضغوط المحلية والدولية خاصة بعد الاتصال الأخير الذي أجرته مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية مولي في مع حميدتي والقوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري أمس الأول ومع البرهان قبل أيام، كفيل بتليين المواقف واتخاذ حلول وسطى وعاجلة.
المصدر: القدس العربي