عكست تصريحات متناقضة لقيادات داخل مجلس السيادة الانتقالي السوداني وفي قيادة الجيش وجود تيارات لها توجهات متعارضة بشأن الاستمرار في الحرب أو الاتجاه نحو السلام.
وتحدو رغبة جامحة المحسوبين على النظام السابق لإطالة أمد الصراع الدائر وتوظيفه لتحقيق مكاسب سياسية، في حين أنّ آخرين يدركون أن الواقع ضد مصالح الجيش ويجب البحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه.
وأثار حديث نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار حول اعتماد خارطة طريق لإنهاء الحرب وبناء الدولة على حكم سيادة القانون وصياغة دستور توطئة للانتخابات القادمة ردود فعل متباينة في الأوساط السودانية، خاصة أنه طالب بفتح صفحة جديدة من أجل تأسيس جيش وطني يستوعب التعدد والنوعية لتفادي تجزئة السودان.
ورأى مؤيدون لهذا الخطاب أنه يعبّر عن رغبة لتجاوز الحرب، بينما رأى فيه مراقبون محايدون أنه يحمل أجندة متضاربة في توجهاتها وأهدافها، فالرجل لا يملك مفاتيح للحل أو العقد، وخطابه لا يتعدى الاستهلاك السياسي.
تصريحات مالك عقار تعزز وجود جبهة تريد تقويض نفوذ أنصار النظام السابق داخل المؤسسة العسكرية
وجاءت تصريحات عقار التي أدلى بها الثلاثاء داعمة للحلول السلمية بعد ساعات قليلة من تصريحات أخرى أطلقها قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، زعم فيها أن “نهاية الدعم السريع باتت قريبة وهزيمتها حتمية”، مؤكداً أنه لا حلول ستفرض من الخارج.
وعززت تصريحات مالك عقار وجود جبهة تريد تقويض دور قيادات حزب المؤتمر الوطني المنحل ووضع أنصارها في إطار يحافظ على مصالحهم مستقبلاً حال الاتفاق على وقف الحرب، بسبب مخاوف من أن تطال العقوبات الأميركية أفرادا نافذين في وسط ضغوط تمارسها قوى ترغب في عدم الوصول إلى مرحلة الفشل الكامل للدولة.
وعبّرت التصريحات المتعارضة عن ارتباك يسيطر على متخذي القرار في الجيش ومجلس السيادة السوداني، وأنه لا أحد يملك القدرة على اتخاذ موقف محدد ومُلزم بشأن الحرب الدائرة، ويدعم التوجه نحو تدعيم ما يعرف بـ”كتائب البراء” الحديث بألسنة مختلفة في مواقف وأماكن وتوقيتات متعددة، ما يقوض مساعي وقف الحرب.
وقال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير المعز حضرة إن تصريح مالك عقار يصعب التعويل عليه بعد أن أصبح جزءاً من انقلاب 25 أكتوبر 2021 الذي قاده قائد الجيش وفلول المؤتمر الوطني وبعض الحركات المسلحة، فقد ضل الرجل طريقه السياسي وباتت بوصلته طائشة وارتضى أن يكون جزءا من وضع غير قانوني، ووقع في فخ التناقضات التي يعاني منها البرهان وغالبية رفاقه.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن قادة الحركات المسلحة، بمن فيهم مالك عقار، من داعمي البرهان خاضوا حروباً ضد الجيش قبل ثورة ديسمبر ووصلوا إلى مواقعهم الحالية بعد إزاحة نظام الرئيس السابق عمر البشير والآن يحاولون تغيير مواقفهم بعد أن أدركوا أنه لا مستقبل للفلول في السلطة، ويحاولون إيجاد موقع لهم مستقبلا استنادا إلى شعارات دون امتلاك قوة عسكرية أو دعم سياسي أو شعبي.
ويرأس مالك عقار أحد أجنحة الحركة الشعبية شمال، والتي تعرضت لانشقاقات عدة أبرزها خروج عبدالعزيز الحلو وقواته، وانسحاب ياسر عرمان، وله مواقف مؤيدة للجيش في الحرب ضد الدعم السريع، ما ساعد في بقائه نائباً لرئيس مجلس السيادة، وهو نفس الوضع بالنسبة إلى مني أركو مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان، وجبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة.
وأشار حضرة إلى أن جبريل وعقار ومناوي لهم آراء متناقضة من الحرب، ففي العلن يؤكدون دعم الجيش وفي جولاتهم الخارجية، تحديداً عند الذهاب إلى إثيوبيا تحدث بعض التفاهمات مع قوات الدعم السريع، ويعيشون على هذا التناقض الذي لن يحقق لهم مكاسب بعد أن أجمع الشعب على رفض استمرار الحرب ومن ساعد على إشعالها.
ويصعب القول إن هناك مؤسسة عسكرية سودانية متماسكة، فالبرهان يجد أن الأرض تتحرك من تحت أقدامه مع إقرار العقوبات الأميركية الأخيرة، والمواقف الضعيفة للّجنة الأمنية لفلول نظام البشير، فهو يعيش موقفا صعبا قد يدفع باتجاه إطلاق تصريحات تستهدف المهادنة عسى أن تصبح طوق نجاة له، مرفوضة شعبيا.
وسقط البرهان في المواقف المتعارضة أيضا، حيث أطلق تصريحات في جيبوتي تحدث فيها عن إحلال السلام والدفع باتجاه انعقاد قمة “إيغاد” ثم بددها في ولاية القضارف بعد عودته والإشارة إلى رغبته في الاستمرار بالحرب. وهناك قناعة لدى بعض المتابعين أن الأحاديث الرسمية عن إيقاف الحرب غير واقعية في ظل التضارب الظاهر في تصريحات قادة في الجيش ومجلس السيادة.
وأكد القيادي في التيار الوطني السوداني نورالدين صلاح الدين أن القيادة في مؤسسات الدولة غير موحدة بشأن آليات التعامل مع الأزمة الراهنة، ما يجعل التصريحات متضاربة، وما ذكره عقار سبق أن تحدث عنه في أغسطس الماضي دون إحراز تقدم.
وأضاف لـ”العرب” أن تصريحات البرهان تتفاوت من مكان إلى آخر، ففي الخارج يستخدم خطابا دبلوماسيا، عكس لقاءاته الداخلية التي تبدو شبه عسكرية، بالتالي يصعب التكهن بما يبحث عنه هؤلاء مع خلافات مازالت حاضرة في منبر جدة.
وذكر أن الجيش لجأ إلى إنشاء قوات موازية ذات طبيعة أو عقيدة إسلامية ويكرر نفس أخطائه السابقة، ما يثير الريبة حول الثقل السياسي والعسكري لهذه القوات، وهو ما يجعل الرغبة للوصول إلى جيش محترف بعيد عن السياسة من المستوى القاعدي إلى أعلى الهرم محل إجماع من جميع القوى الوطنية السودانية.
وقال مالك عقار أمام الملتقى التنسيقي لحكام الأقاليم والولايات في مدينة القضارف إن رؤية الحكومة لإنهاء الحرب تشتمل على خارطة طريق لدمج قوات الدعم السريع في الجيش على مرحلتين، من دون أن يوضح المدة الزمنية للدمج وتفاصيله.
وبشأن المراحل الأخرى لخارطة الطريق الخاصة بإنهاء الحرب، أفاد عقار أنها تشمل مرحلة أولى من ثمانية خطوات (لم يسمّها) ومرحلة المساعدات الإنسانية بواسطة الهيئات ذات الصلة ومرحلة إنهاء الحرب والعملية السياسية التي تنتهي بصناعة وصياغة الدستور ومن ثم انتخابات تقود إلى تحول ديمقراطي.
وقبيل اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي نشب خلاف بين قيادتي الجيش والدعم السريع خلال ورشة الإصلاح العسكري والأمني، ضمن ورش الاتفاق الإطاري، حول المدة الزمنية للدمج إلى جانب الخلاف حول القيادة والسيطرة.
المصدر: العربية