قال الخبير الإقتصادي د.وائل فهمي أن التضخم السائد في البلاد حاليا هو تضخم صنعت الدولة النسبة الاعظم منه بالاتفاقيات الدولية التي اشترطت تبني سياسات اقتصادية تضخمية لتحقيق انكماش في مستويات معيشة الاغلبية من القوة العاملة، عبر اعادة توزيع الدخل القومي، لمصلحة الاغنياء لمعالجة الاختلالات الهيكلية الكلية بالاقتصاد.
واكد ل”الراكوبة” أن الكارثة في مثل هذه النوعية من السياسات (المرفوضة) عالميا، الا لظروف استثنائية نادرة الحدوث، انها تؤدي الى تاخير التنمية بالبلاد بتقليص قدرات المجتمع في الاعتماد على الذات في تمويلها ذاتيا. بل تؤدي هذه السياسات (المتعمدة مع سبق الاصرار والترصد بدوافع ايديولوجية) في زيادة الاعتماد على التمويل الاجنبي واغراق الشعب في مشاكل خدمات الديون الخارجية باستمرار تبني ذات السياسات التضخمية الانكماشية لمصلحة الاغنياء الى ان يؤدي الى تصفية نظام الحكم الاقتصادي بالثورات والانقلابات والاضطرابات الاجتماعية في اشكالها التي لا حصر لها.
جازما بتفشي الفقر والبطالة وسط وفرة الموارد الطبيعية التي تباع في شكلها الخام حاليا كما في السابق بالبلاد، بسبب تبني السياسات التضخمية الانكماشية النيوليبرالية،مبينا ان معدلات النمو لمتوسطات دخل الفرد الحقيقي منذ انفصال الجنوب حتي تاريخة، ضعيفة او سالبة النمو، بحيث انخفضت، وفق بيانات البنك الدولي، من ٢٠٣٤ دولار امريكي في ٢٠١١ الى ١١٧٣ دولار امريكي في ٢٠١٧ والى ٧٨٩،٥ دولار امريكي في ٢٠٢١ مع تفشي ظاهرتي الفقر والبطالة.
لافتا إلى أن التضخم في السودان يساهم بقوة في توسيع قاعدتي الفقراء والعاطلين عن العمل بالداخل.،واضاف بالرغم من ألام المواطنين من المعاناة اليومية، والتدهور الاقتصادي وتفشي الفقر والبطالة، يدهش الجهاز المركزي للاحصاء باحصائياته عن معدلات التضخم الشهرية خلال العام بعض المختصين الذين يشككون في مصداقيتها طوال الفترة الفائتة.
فعلى سبيل المثال، رغم توضيحه بان معدل التضخم في يونيو ٢٠٢٢م بلغ ١٤٩% نزولا من ١٩٢.٢% في مايو ٢٠٢٢ بفارق ٤٣ نقطة مئوية وان هذا الانخفاض لا يعني توقف الاسعار من الارتفاع. الا انه يكشف عن تفصيل طريقة حسابه لهذا المؤشر المدمر لمعيشة الغالبية وانكماش القاعدة الانتاجية ولو كتيب يضعه في موقعه الاليكتروني للمناقشة العامة بغرض الوصول الى افضل الطرق التي تساعد متخذي القرارات الاقتصادية على تحسين سياساتهم الاقتصادية لكشف اسرع الطرق في القضاء على هذا المرض اللعين الذي امرض الاقتصاد المدمرة لطاقته الانتاجية وارهق العباد.
وذكر فهمي بانه بالرغم من اهمية حساب التضخم على اساس شهري فقط لما له من فوائد عملية لجهات داخلية وخارجية عديدة الا ان الجهاز المركزي ما زال يعتمد الاساس السنوي في الحساب بما لا يعجل بتحسين السياسات الشهرية للاجهزة الحكومية والا فليبرر لحساب معدله الشهري الذي لا يتفق فيه معه العديد من الجهات.
ويرجع خلافه مع الجهاز هو في حقيقة الامر انه يعترف بانه يقارن المستوى العام للاسعار للشهر الاول في هذا العام بنفسه في العام الفائت ويحسب التضخم له. ثم يقوم بنفس الشئ للشهر الذي يليه بنفس الطريقة. وبعد ذلك يقوم بمقارنة تضخم الشهرين في ذات العام الحاليةو هذا فيه تضليل كبير للراي العام بسبب ان التضخم يعني ان مستوى الاسعار في شهر يونيو لهذا العام الحالي اعلى من المستوى العام للاسعار شهر مايو لذات العام الحالي لان التضخم هو ارتفاع متواصل في المستويات العامة للاسعار.
وبهذه الطريقة تظهر امكانية وجود اختلاف في حجم الارتفاع عن الارتفاع في الشهر الماضي وفق رسم بياني واضح.
وأوضح ان انكماش الدخول الاسرية الحقيقية بفعل ارتفاع الاسعار متحقق فعلا، الى جانب المواكب الثورية التي لا تمكن تصريف متوسط المعروض الانتاجي اليومي لاصحاب الاعمال، كما حدث ايام COV19 وما صاحبه من اغلاق كامل، بما يترتب عليه من تقليل الطلب الكلي الحقيقي المتاح ولكنه ليس بالضرورة ان يضمن تخفيض متوسط الاسعار العام بنفس المعدل لكل السلع والخدمات لان التجار غالبا ما سيزيدون الاسعار كلما ارتفعت تكاليف انتاجهم ومشترياتهم لبضائعهم ولا يتاثرون بانخفاض الطلب الحقيقي (المتاح) امام ارتفاع اسعار مدخلات انتاجهم خاصة مع ازمة التضخم العالمية الحالية التي تعاني منها الدول بما فيها السودان في اطار حصاره المترتب على انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١.
واضاف اذا ذهب مواطن الى الاسواق وسال عن علبة او كيس صلصة مثلا او المواصلات او الخضار او الدواء … الخ، ناهيك عن الكماليات، الا انه رغم انخفاض او تاكل، وليس انعدام، الطلب الكلي الحقيقي المتاح عليها بسبب تاكل القوة الشرائية لدي المواطنيين بفعل توزيع الدخل القومي لغير صالحهم بسبب التضخم، فان اسعارها ما زالت ترتفع باستمرار من شهر لاخر.
ورهن اعادة الثقة في هذا الجهاز الاحصائي التاريخي بمصارحة الراي العام بطريقة حساب هذا المؤشر التضخمي المدمر الذي تولد عن سياسات اقتصادية نيوليبرالية خاطئة نتيجة لما ادت اليه من انهيار اقتصادي عام وتفشي البطالة والفقر بما يقتضي معه ضرورة التصحيح المستمر لها واستبدالها بسياسات إقتصادية اكثر انحيازا للتشغيل الكامل للالة الاقتصادية القومية ودعم الاغناء للجميع باثبات فترة التعامل بتلك السياسات المدمرة بالسودان حاليا وذلك من منظور سوداني وطني حر لا غبار فيه.
المصدر: الراكوبة