الخرطوم – أثارت تصريحات أدلى بها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) لموقع أميركي بشأن دور الجيش في منع الهجرة نحو أوروبا، تساؤلات حول ما تنطوي عليه من تهديد مبطن بإمكانية إطلاق أفواج من الهجرات غير الشرعية إذا لم تستأنف المساعدات للخرطوم.
ودعا رئيس قوات الدعم السريع إلى التعامل معه وقائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان بوصفهما “مصدرا للاستقرار”.
وبدأت مخاوف بعض الدول الغربية من الهجرة غير الشرعية توظف للحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية، حيث تشكو دول أوروبية عدة من المخاطر التي تنطوي عليها هذه القضية وتمنحها أولوية في حواراتها مع الدول التي تمثل محطات
عبور.
وأشار موقع “بولتيكو” الأميركي في مقابلة أجراها مع حميدتي بثت الأربعاء إلى أنه طرح ورقة المهاجرين في “مساومة للغرب”، وقال إن أوروبا والولايات المتحدة “لا خيار أمامهما إلا دعم الحكومة الجديدة لمنع وقوع أزمة للاجئين”، وأن الحدود تسيطر عليها وتحرسها القوات المسلحة، والتي تعرضت لانتقاد من الغرب مؤخرا.
محمد شناوي: هذا النوع من المساومة لا يصب في صالح السودان
وكشف لجوء حميدتي إلى ملف اللاجئين عن قلق سوداني من استمرار تعليق المساعدات للخرطوم، وهواجس تنتاب قيادة الجيش من تصاعد الدعم للقوى المدنية وربط المنح الاقتصادية بما يتحقق من دعم سياسي تقدمه المؤسسة العسكرية للمدنيين.
وأراد حميدتي التأكيد على أن مفاتيح الحل والعقد لا تزال في قبضة القوات المسلحة، وأن الاتفاق السياسي بين البرهان ورئيس الحكومة عبدالله حمدوك لن يكتب له نجاح إذا ظلت ركائزها رهينة لضغوط الدول الغربية، قائلا “ولو فتح السودان الحدود ستكون هناك مشكلة على مستوى العالم”.
وقال الباحث السوداني محمد شناوي لـ”العرب”، “إن الطريقة التي عالج بها الرجل أزمة السلطة مع بعض الدول الغربية تفتقر إلى الحنكة والرشادة السياسية، فهذا النوع من الابتزاز أو المساومة لا يصب في صالح السودان، ويمكن أن يحمل نتائج سلبية لقوات الدعم السريع التي يرأسها حميدتي”.
وأضاف أن الدول الأوروبية لا تعترف أصلا بقوات الدعم السريع، وتعتبرها “ميليشيا” وقوات غير شرعية، وهناك جهات غربية لها مطالبات بسرعة دمج عناصرها في هياكل الجيش السوداني، وقد تمثل التصريحات الجديدة الخاصة بقضية الهجرة غير الشرعية أحد مبررات الضغط على الجيش لعدم التهاون في عملية الدمج.
واستقبل السودان الملايين من اللاجئين من دول الجوار الأفريقي، وجاءت الحرب في إقليم تيغراي وفرار عشرات الآلاف إلى أراضي السودان لتسلط الضوء أكثر على البعد الإنساني في الأزمة، حيث يتسرب عدد كبير من اللاجئين خارج الحدود، ما يجعل هناك فرصة في لجوء البعض منهم إلى ركوب البحر المتوسط عبر سواحل ليبيا.
وقد استخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورقة الهجرة غير الشرعية لابتزاز ألمانيا عندما هددها أكثر من مرة بإطلاق قوافل الهجرة نحو أراضيها، حيث استقبلت تركيا الملايين من اللاجئين السوريين بعد اندلاع الحرب في بلادهم، وحصل على مكاسب قدرت بنحو ثلاثة مليارات دولار نظير ضبط قوافل الهجرة غير الشرعية.
وكلما تأزمت علاقة تركيا بألمانيا كان يلجأ للعودة إلى قضية اللاجئين، والتي تراجعت حدتها بعدما اضطر أردوغان لتخفيف حدة خلافاته السياسية مع قوى إقليمية ودولية.
وأشار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أهمية الدور الحيوي الذي تقوم به بلاده في ضبط الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، بعد أن نجحت في سد الكثير من الثغرات أمامها، وتلقت إشادات مختلفة من الاتحاد الأوروبي في هذا الاتجاه.
السودان استقبل الملايين من اللاجئين من دول الجوار الأفريقي، وجاءت الحرب في إقليم تيغراي وفرار عشرات الآلاف إلى أراضي السودان لتسلط الضوء أكثر على البعد الإنساني في الأزمة
وربطت القاهرة بين دورها في وقف الهجرة غير الشرعية تماما عبر الحدود المصرية، وبين تطلعها إلى تدخل بعض الدول الأوروبية لمساندتها في أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وتعتقد القاهرة أن نقص حصتها من المياه يؤثر على العاملين في قطاع الزراعة، وسوف يؤدي إلى مشاكل اجتماعية وعدم استقرار أمني في المنطقة، وكل ذلك يضاعف من الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
ولم تجد تحذيرات مصر آذانا صاغية في أوروبا ولم تتدخّل دولها في أزمة سد النهضة وتحقيق أهداف القاهرة، ومضت تصريحات المسؤولين من دون تجاوب فعلي معها أو تقليل من الدور الذي تلعبه وتصب بعض جوانبه في حربها ضد الإرهاب.
ويقول مراقبون إن استخدام حميدتي لورقة الهجرة غير الشرعية بعد كل من تركيا ومصر، مع التفاوت في التوقيتات والأجواء والأهداف، يمكن أن يعيد طرح الملف داخل بعض الدول الغربية، بما يبعدها عن شبح مساومة باتت أداة سهلة في يد البعض.
ويشير هؤلاء إلى أن التوظيف السياسي لهذه الورقة بدأ يمثل صداعا لبعض الدول الأوروبية، ومن الضروري البحث عن وسيلة مناسبة للتعامل معه من دون الرضوخ للابتزاز، لأنه قضية يمكن أن تتفاقم أبعادها مستقبلا في ظل التغيرات المناخية، والكثافة المتوقعة للهجرات غير الشرعية مع زيادة وتيرة الصراعات الإقليمية.
المصدر: العرب اللندنية